01 أكتوبر 2022
حدود الأدوات الديمقراطية
كثيرا ما شكّكت أصواتٌ في جدّية الديمقراطية الأميركية، فالبلد القارّة يسيطر عليه حزبان لا غير، والاختلافات بينهما محدودةٌ للغاية، ولا يملك المواطنون من أمرهم شيئاً حقيقياً. في كتابه "رجال بيض أغبياء" يُعدّد مايكل مور، في فصل خاص بأسباب دعمه المرشح المستقل، رالف نادر، كيف نفذ الحزبان سياساتٍ واحدةً في ملفات عديدة.
شهدنا في الأسبوع الماضي تطورات درامية، ترينا كيف يتعرض أقوى رجال العالم لضغط مواطنين عاديين لا يأبه بهم العالم.
في عالم الاقتصاد، اضطر أغنى رجل في العالم، جيف بيزوس، للموافقة على رفع أجور العاملين في شركة أمازون العملاقة إلى 15 دولاراً في الساعة، وذلك بعدما أطلق ناشطون وسياسيون، أبرزهم السيناتور الديمقراطي، بيرني ساندرز حملة ضده. قدم ساندرز مشروع قانون "أوقفوا بيزوس" الذي يهدف إلى فرض مزيد من الضرائب على شركة هذا الرجل، بعدما كُشف أن آلاف الموظفين يتقاضون أجوراً زهيدة، إلى حد أنهم يحصلون على إعانات حكومية من برنامج إعانات الغذاء الفيدرالي، وذلك بعدما توافد عدد كبير من موظفي الشركة الحاليين والسابقين إلى مكتب ساندرز.
اعتبرت الشركة، في البداية، حديث ساندرز مضللاً، وقالت إنه شمل الموظفين الموسميين والعاملين بدوام جزئي، ولكن قبل أيام أصدرت الشركة بياناً يعلن رفع الأجور، وهو ما سيؤثر في نحو 350 ألف عامل. قال بيزوس: "لقد استمعنا إلى منتقدينا.. نحن متحمّسون لهذا التغيير، ونشجع منافسينا وأصحاب العمل الكبار الآخرين على الانضمام إلينا".
أما في عالم السياسة، فقد اضطر أقوى صاحب سلطة في العالم للخضوع للحملات النسوية، وأمر مكتب التحقيقات الفيدرالي بمراجعة ملف ترشح كافانو للمحكمة العليا الأميركية، وذلك بعد جلسة استماع علنية، بكى فيها كافانو مراراً تحت قسوة الاتهامات التي وجهتها له كريستين فورد بمحاولة اغتصابها. وللمفارقة، فإن عقد الجلسة تم بعدما تمكّنت سيدتان من الضغط على عضو بمجلس الشيوخ، تصادف أن استقل مصعداً معهما.
وعلى نطاق أوسع، تمكّنت أصوات المواطنين الأميركيين، الغاضبين من الاقتصاد بشكل رئيسي، من فرض تغييرات واضحة في الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة، الجمهوري والديمقراطي، فتزايد فقدان الوظائف أو انخفاض أجورها لأسباب التقدم التكنولوجي، وأيضاً لأسباب انتقال الشركات الكبرى بالصناعات كثيفة العمالة إلى دول الأيدي العاملة الأرخص، أو سياسات "التجنب الضريبي"، دفع ملايين الغاضبين إلى إنهاء عصر السياسيين الموظفين ذوي السياسات المتشابهة.
هكذا عالمياً فُتح المجال للأصوات الأكثر استقطاباً وتحيّزاً، سواء يميناً أو يساراً، وهكذا أفرز الجمهوريون ترامب، وأفرز الديمقراطيون بيرني ساندرز، لكنه بعدما فقد فرصة الترشح بفارق بسيط، كان سبباً في أن تخسر هيلاري كلينتون السباق، ربما لأنها تمثل السياسة التقليدية في مواجهة السياسة الجديدة.
على صعيد الولايات، تحدث تطورات مماثلة، فحاكم ولاية كاليفورنيا، جيري براون، نال موافقة ناخبي ولايته على تعديلاتٍ اقتصاديةٍ، تتضمّن فرض ضرائب إضافية بين 2 - 3% فوق الضرائب الفيدرالية على أصحاب الأجور المرتفعة، وكذلك ضرائب مبيعات إضافية، تحصل كلها لصالح الولاية ذات الأربعين مليون نسمة، وهكذا تحدّى براون، بأصوات ناخبيه، كامل سياسات ترامب الخاصة بخفض الضرائب، أو بإهمال الاشتراطات البيئية.
وفي كل المحطات السابقة، لا يخشى مواطن على نفسه السجن أو القتل، لأنه انتخب هذا أو ذاك، أو انتقد هذا أو ذاك.
ما شهدناه يشرح بوضوح كيف تتيح الديمقراطيات، حتى في نسختها الأميركية بكل عيوبها وقصورها، الأدوات لإمكانية التغيير، مهما كانت محدوديته وتدريجيته، وكيف يمكن لها تصحيح مسارها مهما بلغت الأخطاء، ولا حاجة لعقد المقارنات.
وإذا كانت الديمقراطية بالتأكيد ليست صناديق فقط، وشهدنا كيف صعد هتلر بانتخابات ديمقراطية، وحالياً كيف صعد حزب هندوسي متطرّف إلى السلطة في الهند، فإنه بالتأكيد أيضاً لا ديمقراطية بلا صناديق.
في بعض الأحيان، يغرق سياسيون ومثقفون في النقاشات المعمقة بشأن القضايا الاجتماعية والدينية، أو في النظرات النقدية لنماذج الديمقراطيات الغربية ومحدوديتها، وهذه كلها قضايا مهمة بالتأكيد، ولكن يجب ألا تُغفل أولوية معركة استعادة الأدوات، فالخطوة الأولى تسبق الخطوات التالية.
شهدنا في الأسبوع الماضي تطورات درامية، ترينا كيف يتعرض أقوى رجال العالم لضغط مواطنين عاديين لا يأبه بهم العالم.
في عالم الاقتصاد، اضطر أغنى رجل في العالم، جيف بيزوس، للموافقة على رفع أجور العاملين في شركة أمازون العملاقة إلى 15 دولاراً في الساعة، وذلك بعدما أطلق ناشطون وسياسيون، أبرزهم السيناتور الديمقراطي، بيرني ساندرز حملة ضده. قدم ساندرز مشروع قانون "أوقفوا بيزوس" الذي يهدف إلى فرض مزيد من الضرائب على شركة هذا الرجل، بعدما كُشف أن آلاف الموظفين يتقاضون أجوراً زهيدة، إلى حد أنهم يحصلون على إعانات حكومية من برنامج إعانات الغذاء الفيدرالي، وذلك بعدما توافد عدد كبير من موظفي الشركة الحاليين والسابقين إلى مكتب ساندرز.
اعتبرت الشركة، في البداية، حديث ساندرز مضللاً، وقالت إنه شمل الموظفين الموسميين والعاملين بدوام جزئي، ولكن قبل أيام أصدرت الشركة بياناً يعلن رفع الأجور، وهو ما سيؤثر في نحو 350 ألف عامل. قال بيزوس: "لقد استمعنا إلى منتقدينا.. نحن متحمّسون لهذا التغيير، ونشجع منافسينا وأصحاب العمل الكبار الآخرين على الانضمام إلينا".
أما في عالم السياسة، فقد اضطر أقوى صاحب سلطة في العالم للخضوع للحملات النسوية، وأمر مكتب التحقيقات الفيدرالي بمراجعة ملف ترشح كافانو للمحكمة العليا الأميركية، وذلك بعد جلسة استماع علنية، بكى فيها كافانو مراراً تحت قسوة الاتهامات التي وجهتها له كريستين فورد بمحاولة اغتصابها. وللمفارقة، فإن عقد الجلسة تم بعدما تمكّنت سيدتان من الضغط على عضو بمجلس الشيوخ، تصادف أن استقل مصعداً معهما.
وعلى نطاق أوسع، تمكّنت أصوات المواطنين الأميركيين، الغاضبين من الاقتصاد بشكل رئيسي، من فرض تغييرات واضحة في الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة، الجمهوري والديمقراطي، فتزايد فقدان الوظائف أو انخفاض أجورها لأسباب التقدم التكنولوجي، وأيضاً لأسباب انتقال الشركات الكبرى بالصناعات كثيفة العمالة إلى دول الأيدي العاملة الأرخص، أو سياسات "التجنب الضريبي"، دفع ملايين الغاضبين إلى إنهاء عصر السياسيين الموظفين ذوي السياسات المتشابهة.
هكذا عالمياً فُتح المجال للأصوات الأكثر استقطاباً وتحيّزاً، سواء يميناً أو يساراً، وهكذا أفرز الجمهوريون ترامب، وأفرز الديمقراطيون بيرني ساندرز، لكنه بعدما فقد فرصة الترشح بفارق بسيط، كان سبباً في أن تخسر هيلاري كلينتون السباق، ربما لأنها تمثل السياسة التقليدية في مواجهة السياسة الجديدة.
على صعيد الولايات، تحدث تطورات مماثلة، فحاكم ولاية كاليفورنيا، جيري براون، نال موافقة ناخبي ولايته على تعديلاتٍ اقتصاديةٍ، تتضمّن فرض ضرائب إضافية بين 2 - 3% فوق الضرائب الفيدرالية على أصحاب الأجور المرتفعة، وكذلك ضرائب مبيعات إضافية، تحصل كلها لصالح الولاية ذات الأربعين مليون نسمة، وهكذا تحدّى براون، بأصوات ناخبيه، كامل سياسات ترامب الخاصة بخفض الضرائب، أو بإهمال الاشتراطات البيئية.
وفي كل المحطات السابقة، لا يخشى مواطن على نفسه السجن أو القتل، لأنه انتخب هذا أو ذاك، أو انتقد هذا أو ذاك.
ما شهدناه يشرح بوضوح كيف تتيح الديمقراطيات، حتى في نسختها الأميركية بكل عيوبها وقصورها، الأدوات لإمكانية التغيير، مهما كانت محدوديته وتدريجيته، وكيف يمكن لها تصحيح مسارها مهما بلغت الأخطاء، ولا حاجة لعقد المقارنات.
وإذا كانت الديمقراطية بالتأكيد ليست صناديق فقط، وشهدنا كيف صعد هتلر بانتخابات ديمقراطية، وحالياً كيف صعد حزب هندوسي متطرّف إلى السلطة في الهند، فإنه بالتأكيد أيضاً لا ديمقراطية بلا صناديق.
في بعض الأحيان، يغرق سياسيون ومثقفون في النقاشات المعمقة بشأن القضايا الاجتماعية والدينية، أو في النظرات النقدية لنماذج الديمقراطيات الغربية ومحدوديتها، وهذه كلها قضايا مهمة بالتأكيد، ولكن يجب ألا تُغفل أولوية معركة استعادة الأدوات، فالخطوة الأولى تسبق الخطوات التالية.