حدائق الجزائر.. عالم مخيف وسط الورود

27 يناير 2016
حال حديقة الحرية اليوم (العربي الجديد)
+ الخط -


تغيرت نظرة المجتمع الجزائري للحدائق العامة مع مرور السنين، فتحولت من مكان ترتاده العائلات بحثاً عن الراحة، إلى مكان يتسع للمتشردين ومتعاطي المخدرات وحتى للعشّاق.

يعود تاريخ إنشاء مختلف الحدائق العامة في العاصمة الجزائرية إلى الحقبة الاستعمارية، وأولى الحدائق كانت "حديقة التجارب"، رئة الجزائر العاصمة (58 هكتاراً) التي افتتحت فجر الاستعمار الفرنسي للجزائر سنة 1832، تبعتها حدائق "صوفيا" و"الحرية" و"بيروت" و"تونس".

اليوم تعكس أغلب الحدائق العامة في الجزائر صورة مجتمع حبيس في جلده. ويقول "العم مختار"(71 عاماً) لـ "العربي الجديد" في حديقة "صوفيا" الواقعة في قلب العاصمة الجزائرية قرب البريد المركزي، "كثيرٌ من الشبان العاشقين على اختلاف أعمارهم يتخذون من هذا الفضاء مكاناً للقاء، وأنا لست ضد ذلك، لكن هناك خطوط حمراء ترسمها العادات والتقاليد وحتى ديننا، وربما هذه الممارسات أصبحت تُنفـر العائلات من الحدائق العامة".

اقرأ أيضاً: الجفاف يسيطر على منتزهات وحدائق صنعاء

من جهتها، تقول ليلى، أستاذة في الثانوية لـ "العربي الجديد"، وهي تنتظر الحافلة أمام باب حديقة "صوفيا" "أصبحت الحديقة مكاناً يتجمع فيه المجانين والمتشردون، ربما وجدوا الأمان داخلها".

غير بعيد عن حديقة "صوفيا" وفي أعالي شارع ديدوش مراد الشهير، على مقربة من كنيسة "القلب المقدّس" توجد حديقة "الحرية" التي يخفي ظاهرها كثيراً من جمالها. حُرم الساكنون حولها من جمالها، بعدما فُرض داخلها قانون الغاب، من طرف الشباب المنحرف، واستفحال ظاهرة السرقة داخلها.

غابة بن عمر (العربي الجديد)

بكثير من الحنين تروي "الحاجة كلثوم" لـ"العربي الجديد" مقابل حديقة "الحرية"، عن أيام "الزمن الجميل". تستحضر الذكريات قائلة "كنا نلتقي في الحديقة للخياطة والنسيج وتبادل أطراف الحديث مع الجارات، والأطفال يلعبون حولنا، لكن ذلك لم يدم". وتضيف "ما عشناه في وقت الإرهاب (العشرية السوداء) جعلنا نهجر الحديقة، فسكن الخوف عالم الورود".

اقرأ أيضاً: حدائق سورية مقابر

وعلى الرغم من إقرار الحكومة الجزائرية قانوناً يحدد طرق تسيير المساحات الخضراء وحمايتها وتنميتها سنة 2007، إلا أن كثيراً من الحدائق العامة لا تزال في حالة كارثية.

حديقة "غابة بن عمر"(غرب الجزائر العاصمة) واحدة منها، خالية من الزوار في وضح النهار، على الرغم من اللوحات الطبيعية التي رُسمت داخل جدرانها. سأل "العربي الجديد" جمال بلعيد، عامل النظافة في الحديقة عن سر عزوف الناس عن ارتياد المكان، فأجاب "كيف تأتي عائلة أو أي شخص إلى حديقة عامة وقعت فيها جرائم قتل".

ويضيف "وجدت هنا أشياء كثيرة، قارورات خمر، إبر طبية استعملت لحقن المخدرات ربما. وما لا أستطيع نسيانه، هو وجه رضيع ميت وجدته في كيس بلاستيكي في إحدى زوايا الحديقة".

في خضم هذه الصور المحزنة التي باتت تلف الحدائق العامة في الجزائر، تحمل "حديقة بيروت" الواقعة في قلب شارع "كريم بلقاسم " في أعالي العاصمة، بصيص أمل، كأحد أفضل الأمثلة التي يمكن اتباعها للتغيير إلى الأحسن، بعدما أصبحت قبلة للعائلات التي تبحث عن فسحة لها ولأبنائها، وذلك بشهادة "أم الخير" التي قالت لـ "العربي الجديد" "أقضي يومياً من ساعة إلى ساعتين في "حديقة بيروت" رفقة أحفادي الصغار، وذلك بعدما أعيد تأهيل الحديقة من طرف مصالح بلدية "الجزائر الوسطى".

اقرأ أيضاً: حدائق إيران.. تاريخ ودين وجماليّة
المساهمون