يكشف رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد، جيلالي حجاج، في مقابلة مع "العربي الجديد"، حقائق مخيفة عن الفساد المستشري في البلاد، والملفات المحجوبة، التي تطال مسؤولين في الدولة.
وهذا نص المقابلة:
وهذا نص المقابلة:
• وقّعت الجزائر على الاتفاقية الأممية لمحاربة الفساد منذ 2004، وأنشأت أكثر من هيئة رسمية لمكافحة هذه الظاهرة، ومع ذلك لا تزال تحتلّ مراتب متأخرة في الترتيب العالمي بشأن الفساد، إلام يعود ذلك؟
مصادقة الجزائر على الاتفاقية يعتبر في حد ذاته أمراً إيجابياً، لكن القانون الخاص بها الصادر في 20 فبراير/شباط 2006، لم يكن في مستوى الاتفاقية، كونه تضمّن نقائص عدة، منها قضية التصريح بالممتلكات، ومع ذلك فهو غير مطبق على الرغم من مرور قرابة عشر سنوات على صدوره. فعلى سبيل المثال قضية التصريح بالممتلكات وعلى الرغم من أن الوزير الأول أصدر تعليماته لوزارات وهيئات الدولة لتطبيقها بالنسبة للمسؤولين، إلا أنها بقيت حبراً على ورق، كما تم خلق هيئة وطنية من أجل الوقاية ومحاربة الفساد في 2006، ونصّبت في 2011، لكنها إلى الآن لا تعرف إلا بِصَمْتِها المطبق، فلا قرارات من جانبها ولا أية مبادرة في مجال مكافحة الفساد.
وفيما يتعلق بقمع الفساد، نلاحظ أن قطاع العدالة وبرغم أهميته الكبيرة في ذلك، إلا أن غياب استقلاليته وانعدام الكفاءات فيه، وغياب الإرادة السياسية القوية لإصلاح العدالة، كلها تبقي مسألة محاربة الفساد في الجزائر مجرّد حبر على ورق، بحيث لا تتعدّى الخطب والبيانات الرسمية فقط، الأمر الذي جعل الفساد يستشري في البلاد بهذا الشكل الكبير.
• لكن ألا يمثل تزايد المحاكمات المتصلة بالفساد مؤخراً، وعلى رأسها قضيتا فضيحتي بنك الخليفة وفضيحة الطريق السيار، ألا تمثل هذه المحاكمات دليلاً على جدية الحكومة في محاربة الفساد؟
بالعكس تماماً، فمحاكمات الفساد هذه التي انتشرت كالفطر فجأة في الآونة الأخيرة، أكدت أكثر أن الإرادة السياسية على أعلى مستوى بالدولة غائبة، كما أكدت أيضاً انعدام استقلالية القضاء وانعدام الكفاءة المطلوبة، وبيّنت أن السلطة تحمي في قضايا الفساد بعض المسؤولين، وتترك البعض الآخر يذهب ضحية هذه المحاكم، وهذا يبيّن عدم جدية الدولة في محاربة الفساد، كما أثبتت كذلك عدم استقلالية العدالة وعدم تحكّم القضاة في العديد من الملفات الاقتصادية لانعدام الكفاءات. فقد لاحظنا خلال بعض هذه المحاكمات أن بعض المسؤولين الكبار المحميين من طرف الدولة، مُنحوا صفة شهود في هذه القضايا، لكنهم لم يحضروا المحاكمات، على الرغم من وجود بعض الأدلة التي تثبت تورطهم في هذه القضايا، كما أن هناك ملفات فساد أخرى ما زالت في أدراج المجلس الأعلى للقضاء، كمثل ملف الوالي السابق لولاية البلدية وملفات أخرى ذات أبعاد دولية، كملف سوناطراك 2 وسوناطراك 3، وقضية الشركة الكندية "س.إن. سي. لا فالان"، وهناك ملفات فساد أخرى عديدة لا تفتح لتورّط مسؤولين رفيعين فيها.
اقرأ أيضا: الجزائر تهدر المليارات على آليات توظيف غير مجدية
• كتاب "باريس والجزائر... قصة حميمة" للصحافيين كريستوف دوبوا وماري كريستيان تابيت، الصادر بباريس أبريل/نيسان الماضي، يحمل اتهامات صريحة لمسؤولين سامين في الدولة، بتحويل أموال إلى الخارج في شكل استثمارات ومدخرات وعقارات في أرقى الأحياء الباريسية والمدن الفرنسية، هل ترون أن اتهامات هذا الكتاب مؤسسة على وقائع حقيقية؟
ما ذكره هذا الكتاب من حقائق بشأن الفساد وتورط مسؤولين كبار في الدولة فيه، لا يمثل كل الحقيقة، فالحقيقة أكثر سواداً مما ذكر، فكثير من المسؤولين، كانوا في السلطة ومنهم من لا يزال فيها من الاستقلال إلى الآن، هرّبوا أموالاً كبيرة واشتروا شققاً وفيلات ليس في فرنسا فقط، بل حتى في موناكو وسويسرا وبلجيكا، وكذلك بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وكندا، وحكومات هذه الدول لديها كل المعلومات بشأن العقارات ومن اشتراها، وللأسف هذه الحكومات تستعمل هذه المعلومات كوسائل ضغط على هؤلاء المسؤولين.
• ما هي قيمة الخسائر التي تتكبدها خزينة الدولة جراء الفساد المالي؟
إذا أخذنا مثلاً سنة 2014، بلغت قيمة الإيرادات السنوية من المحروقات ما يعادل الـ 65 مليار دولار، فإن حجم الفساد خلال هذه السنة بما فيه تهريب الأموال، يكون قد تجاوز الخمسة أو الستة مليارات دولار خلال هذه السنة بمفردها.
ومعروف أن هناك أموالاً أخرى تقارب الـ 15 مليار دولار استنزفت من البلاد نتيجة الجرائم المنظمة عبر تهريب السلع والبضائع، ومنها تهريب النفط عبر الحدود، بالإضافة إلى التهرب الضريبي وتهريب الأموال، الأمر الذي يضعنا أمام أزمة فساد كبيرة بالبلاد، والسؤال المطروح هو كيف سيكون مستقبل البلاد مع هذا الفساد في ظل تراجع أسعار النفط؟
اقرأ أيضا: 70 مليار دولار لا تزيل الرعب من مستشفيات الجزائر
• في هذا الإطار، شرعت وزارة المالية، منذ مطلع يونيو/حزيران الماضي، في تطبيق قرارات إجبارية التعامل بالصكوك فيما يتعلق بالمعاملات المالية التي تتعدى قيمتها الـ 10 آلاف دولار، هل ترون أن هذا الإجراء من شأنه الحد من التهرب الضريبي؟
هذا القرار، مبدئياً، هو قرار إيجابي، فهذه هي المرة الثالثة بعد محاولتين فاشلتين لتطبيقه في هذه السنوات الأخيرة، والحكومة باتّخاذها قراراً كهذا تثبت أنها فشلت في التحكم في الأموال بالسوق السوداء، لكن كي تنجح عملية كهذه يجب أن يكون هناك محيط مساعد على ذلك، وهو الأمر الذي غاب عن واضعيه قبل الشروع في تطبيقه، وحاليا ظاهرة السوق السوداء تسيطر تقريباً على نحو 50% من حجم التعاملات الاقتصادية والمالية بالبلاد، ونجاح الحكومة في السيطرة على هذه السوق يحتاج إلى تضافر جهود البنوك العمومية والخاصة، وكذا رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية والخبراء الماليين، ولكن هذه بداية وفي رأيي هي حل من الحلول للقضاء على الظاهرة.
اقرأ أيضا: محمد العيد بن عمر: يجب مراجعة السياسات الاقتصادية الجزائرية؟
• البرلمان ومجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية والهيئة الوطنية للوقاية من الفساد والديوان المركزي لقمع الفساد، كلها وغيرها هيئات ومؤسسات وطنية، لها مهمة مكافحة الفساد، فإلى أي مدى تضطلع بمهامها الموكلة اليها؟
الهيئة الوطنية من أجل الوقاية ومحاربة الفساد هي هيئة نائمة نوماً عميقاً، وهناك هيئة أخرى هي الديوان الوطني لقمع الفساد، ولدينا بعض المعلومات عن وجود تحرك من قبل هذه الهيئة مؤخراً لأداء عملها، ونحن في جمعيتنا نشجع المتصلين بنا على تقديم شكاويهم وتقاريرهم أيضاً إلى هذه الهيئة، لأنها تدعم المبلّغين وتقدّم الملفات إلى العدالة، ولكنها هيئة لا تزال في حاجة إلى الاستقلالية والدعم، ونحن كجمعية ذات باع طويل في محاربة الفساد وبالاعتماد على خبرائنا مستعدون لدعم هذه الهيئة لأنها هيئة تحاول القيام بواجبها.
أما البرلمان، فكنا نتمنى، بالنظر إلى حساسية المسألة وأهميتها، أن يقدم أمامه مشروع قانون المالية التكميلي للسنة الجارية، لأول مرة حتى يتسنى له مناقشته، كون الحكومة دأبت على تمرير هذا القانون كل مرة خلال العطلة الصيفية للبرلمان، لتقرر ما تريد بلا رقابة برلمانية على المال العام، وهذا يبين أن البرلمان لا استقلالية له وما زال تحت سلطة الهيئة التنفيذية العليا.
• ما هو عدد حالات الفساد التي تحصيها جمعيتكم حالياً بالبلاد؟
ليست لدينا إحصائيات مدققة، ولكن لدينا ملفات كبرى ونحن مستعدون لتقديمها للحكومة، خاصة فيما يتعلق بالفساد المستشري في المؤسسات متعددة الجنسيات الناشطة بالجزائر، كذلك لدينا ملفات حول الفساد المحلي المستفحل في الولايات، حيث تعرف نحو 15 ولاية إدارية من أصل 48 ولاية، فساداً كبيراً يشترك فيه المسؤولون ممثلو الحكومة، أو بين المنتخبين المحليين والمنتخبين للمجالس الشعبية الولائية، ولدينا صورة مرعبة عن الفساد الحاصل بهذه الولايات، وقد قدمنا اقتراحات لتشديد الرقابة وقمع الفساد بقوة في هذه الولايات، ولكن للأسف كل النداءات التي قدمناها وقدمها المجتمع المدني للحكومة لم تلقَ آذاناً صاغية من قبل هذه الأخيرة، وهذا شيء مؤسف لأن خروج الجزائر من مستنقع الفساد يحتاج إلى تضافر جهود الحكومة والجهاز التشريعي وكذا المجتمع المدني، وأرباب العمل ووسائل الإعلام.
• هل أبلغتم الجهات الحكومية الوصية بملفات الفساد التي بحوزتكم، وكيف تعاملت معها؟
بالفعل، قدمنا كل الملفات التي لدينا وكانت ملفات مدققة، حتى أن بعضها تضمن أحكاماً قضائية دولية ضد الشركات متعددة الجنسية، مثل ملف شركة "إس. إن. سي. لا فالان" الكندية، ولكن لا ردّ من طرف الحكومة، التي يبدو أنها بلا استقلالية وتتلقى تعليمات من جهات أعلى منها تمنعها من التعامل مع جمعيتنا، أو حتى مع خبرائنا، فنحن لا يهمنا أن يذكر إثم الجمعية أو ما قامت به في مجال مكافحة الفساد، بل ما يهمنا هو أن توضع هذه الملفات أمام الشرطة القضائية والعدالة الجزائرية المعنية بمحاكمة المفسدين.
• هل وقعتم كأعضاء جمعية لمكافحة الفساد في أي مشاكل، سواء من طرف الحكومة أو من قبل بعض المفسدين، بسبب نشاطكم هذا؟
لسنوات عديدة وإلى الآن، أعضاء الجمعية يتلقون تهديدات وضغوطاً مختلفة، وفي بعض الأحيان يقدّم عدد من مناضلي الجمعية للعدالة بتهم واهية، حتى أننا ندعو أحياناً مناضلينا إلى التريث قليلاً، كي لا يتعرضوا لضغوط أكبر، قد تصل إلى درجة فصلهم من العمل، فأنا شخصياً لا أستطيع زيارة أقارب لي في العمل، مخافة تعرضهم لأي ضغوط بسبب نشاطي، والأمر ينطبق أيضاً على بعض المسؤولين النزهاء، حيث لا يمكنهم مقابلتي بصفة عادية خوفاً على مناصبهم.
اقرأ أيضا: الحكومة الجزائرية تعيد قروض الاستهلاك لدعم "ريبنو"؟
جمعية بلا اعتماد في بلد يغوص بالفساد
تأسست الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد في العام 1999، ولكنها اليوم لم تحصل على أوراق اعتماد رسمية من السلطات. ويقول رئيس الجمعية، جيلالي حجاج، إنه "منذ تاريخ تأسيس الجمعية حتى 2007، كانت علاقات الجمعية بالمسؤولين الحكوميين وفي الرئاسة عادية جداً، وكانوا يتسابقون لحضور ملتقيات مكافحة الفساد التي ننظمها، لكن منذ 2008 إلى اليوم تقف الحكومة ضد الجمعية حتى أمام الهيئات الدولية التي دأبت الجمعية على حضور اجتماعاتها. حيث أصبحت تعارض حضورنا فيها".
ويشرح حجاج لـ"العربي الجديد"، أن "السبب راجع إلى مواقف الجمعية وانتقاداتها للحكومة، ما جعلها تحجم عن التعامل معنا، ثم إنها أرادت أن تفرض علينا شخصية وزير سابق في مكتبنا الوطني ورفضنا قبوله، لأننا نملك ضده ملف فساد يتمثل في شرائه لعمارة سكنية في جنيف بسويسرا بثمن باهظ."
وقد صنّف تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2014 الجزائر في المرتبة الـ100 من بين 175 دولة لناحية الأكثر فساداً. ويعتبر حجاج أنه "لو كان هذا الترتيب هو الوحيد، لكنا قلنا إن هذه المنظمة غير الحكومية لديها أجندة وتريد تقديم صورة سوداوية عن الجزائر، ولكن كل ترتيبات المنظمات الدولية تضع الجزائر في الترتيب نفسه. هذا هو الواقع، وترتيب منظمة الشفافية الدولية الأخير يقلّل من حجم الفساد في الجزائر، لا العكس".
بطاقة
يعتبر جيلالي حجاج من الناشطين الأساسيين في قضايا مكافحة الفساد في الجزائر. وقد أثارت تقارير جمعيته، إضافة إلى تصريحاته التي تطاول غير إدارة وغير قطاع الكثير من الجدل. وقد أعربت منظمة الشفافية الدولية عن قلقها الشديد على سلامة حجاج، بعد إلقاء القبض عليه في 2010، داعية الحكومة إلى ضمان سلامته.
مصادقة الجزائر على الاتفاقية يعتبر في حد ذاته أمراً إيجابياً، لكن القانون الخاص بها الصادر في 20 فبراير/شباط 2006، لم يكن في مستوى الاتفاقية، كونه تضمّن نقائص عدة، منها قضية التصريح بالممتلكات، ومع ذلك فهو غير مطبق على الرغم من مرور قرابة عشر سنوات على صدوره. فعلى سبيل المثال قضية التصريح بالممتلكات وعلى الرغم من أن الوزير الأول أصدر تعليماته لوزارات وهيئات الدولة لتطبيقها بالنسبة للمسؤولين، إلا أنها بقيت حبراً على ورق، كما تم خلق هيئة وطنية من أجل الوقاية ومحاربة الفساد في 2006، ونصّبت في 2011، لكنها إلى الآن لا تعرف إلا بِصَمْتِها المطبق، فلا قرارات من جانبها ولا أية مبادرة في مجال مكافحة الفساد.
وفيما يتعلق بقمع الفساد، نلاحظ أن قطاع العدالة وبرغم أهميته الكبيرة في ذلك، إلا أن غياب استقلاليته وانعدام الكفاءات فيه، وغياب الإرادة السياسية القوية لإصلاح العدالة، كلها تبقي مسألة محاربة الفساد في الجزائر مجرّد حبر على ورق، بحيث لا تتعدّى الخطب والبيانات الرسمية فقط، الأمر الذي جعل الفساد يستشري في البلاد بهذا الشكل الكبير.
• لكن ألا يمثل تزايد المحاكمات المتصلة بالفساد مؤخراً، وعلى رأسها قضيتا فضيحتي بنك الخليفة وفضيحة الطريق السيار، ألا تمثل هذه المحاكمات دليلاً على جدية الحكومة في محاربة الفساد؟
بالعكس تماماً، فمحاكمات الفساد هذه التي انتشرت كالفطر فجأة في الآونة الأخيرة، أكدت أكثر أن الإرادة السياسية على أعلى مستوى بالدولة غائبة، كما أكدت أيضاً انعدام استقلالية القضاء وانعدام الكفاءة المطلوبة، وبيّنت أن السلطة تحمي في قضايا الفساد بعض المسؤولين، وتترك البعض الآخر يذهب ضحية هذه المحاكم، وهذا يبيّن عدم جدية الدولة في محاربة الفساد، كما أثبتت كذلك عدم استقلالية العدالة وعدم تحكّم القضاة في العديد من الملفات الاقتصادية لانعدام الكفاءات. فقد لاحظنا خلال بعض هذه المحاكمات أن بعض المسؤولين الكبار المحميين من طرف الدولة، مُنحوا صفة شهود في هذه القضايا، لكنهم لم يحضروا المحاكمات، على الرغم من وجود بعض الأدلة التي تثبت تورطهم في هذه القضايا، كما أن هناك ملفات فساد أخرى ما زالت في أدراج المجلس الأعلى للقضاء، كمثل ملف الوالي السابق لولاية البلدية وملفات أخرى ذات أبعاد دولية، كملف سوناطراك 2 وسوناطراك 3، وقضية الشركة الكندية "س.إن. سي. لا فالان"، وهناك ملفات فساد أخرى عديدة لا تفتح لتورّط مسؤولين رفيعين فيها.
اقرأ أيضا: الجزائر تهدر المليارات على آليات توظيف غير مجدية
• كتاب "باريس والجزائر... قصة حميمة" للصحافيين كريستوف دوبوا وماري كريستيان تابيت، الصادر بباريس أبريل/نيسان الماضي، يحمل اتهامات صريحة لمسؤولين سامين في الدولة، بتحويل أموال إلى الخارج في شكل استثمارات ومدخرات وعقارات في أرقى الأحياء الباريسية والمدن الفرنسية، هل ترون أن اتهامات هذا الكتاب مؤسسة على وقائع حقيقية؟
ما ذكره هذا الكتاب من حقائق بشأن الفساد وتورط مسؤولين كبار في الدولة فيه، لا يمثل كل الحقيقة، فالحقيقة أكثر سواداً مما ذكر، فكثير من المسؤولين، كانوا في السلطة ومنهم من لا يزال فيها من الاستقلال إلى الآن، هرّبوا أموالاً كبيرة واشتروا شققاً وفيلات ليس في فرنسا فقط، بل حتى في موناكو وسويسرا وبلجيكا، وكذلك بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وكندا، وحكومات هذه الدول لديها كل المعلومات بشأن العقارات ومن اشتراها، وللأسف هذه الحكومات تستعمل هذه المعلومات كوسائل ضغط على هؤلاء المسؤولين.
• ما هي قيمة الخسائر التي تتكبدها خزينة الدولة جراء الفساد المالي؟
إذا أخذنا مثلاً سنة 2014، بلغت قيمة الإيرادات السنوية من المحروقات ما يعادل الـ 65 مليار دولار، فإن حجم الفساد خلال هذه السنة بما فيه تهريب الأموال، يكون قد تجاوز الخمسة أو الستة مليارات دولار خلال هذه السنة بمفردها.
ومعروف أن هناك أموالاً أخرى تقارب الـ 15 مليار دولار استنزفت من البلاد نتيجة الجرائم المنظمة عبر تهريب السلع والبضائع، ومنها تهريب النفط عبر الحدود، بالإضافة إلى التهرب الضريبي وتهريب الأموال، الأمر الذي يضعنا أمام أزمة فساد كبيرة بالبلاد، والسؤال المطروح هو كيف سيكون مستقبل البلاد مع هذا الفساد في ظل تراجع أسعار النفط؟
اقرأ أيضا: 70 مليار دولار لا تزيل الرعب من مستشفيات الجزائر
• في هذا الإطار، شرعت وزارة المالية، منذ مطلع يونيو/حزيران الماضي، في تطبيق قرارات إجبارية التعامل بالصكوك فيما يتعلق بالمعاملات المالية التي تتعدى قيمتها الـ 10 آلاف دولار، هل ترون أن هذا الإجراء من شأنه الحد من التهرب الضريبي؟
هذا القرار، مبدئياً، هو قرار إيجابي، فهذه هي المرة الثالثة بعد محاولتين فاشلتين لتطبيقه في هذه السنوات الأخيرة، والحكومة باتّخاذها قراراً كهذا تثبت أنها فشلت في التحكم في الأموال بالسوق السوداء، لكن كي تنجح عملية كهذه يجب أن يكون هناك محيط مساعد على ذلك، وهو الأمر الذي غاب عن واضعيه قبل الشروع في تطبيقه، وحاليا ظاهرة السوق السوداء تسيطر تقريباً على نحو 50% من حجم التعاملات الاقتصادية والمالية بالبلاد، ونجاح الحكومة في السيطرة على هذه السوق يحتاج إلى تضافر جهود البنوك العمومية والخاصة، وكذا رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية والخبراء الماليين، ولكن هذه بداية وفي رأيي هي حل من الحلول للقضاء على الظاهرة.
اقرأ أيضا: محمد العيد بن عمر: يجب مراجعة السياسات الاقتصادية الجزائرية؟
• البرلمان ومجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية والهيئة الوطنية للوقاية من الفساد والديوان المركزي لقمع الفساد، كلها وغيرها هيئات ومؤسسات وطنية، لها مهمة مكافحة الفساد، فإلى أي مدى تضطلع بمهامها الموكلة اليها؟
الهيئة الوطنية من أجل الوقاية ومحاربة الفساد هي هيئة نائمة نوماً عميقاً، وهناك هيئة أخرى هي الديوان الوطني لقمع الفساد، ولدينا بعض المعلومات عن وجود تحرك من قبل هذه الهيئة مؤخراً لأداء عملها، ونحن في جمعيتنا نشجع المتصلين بنا على تقديم شكاويهم وتقاريرهم أيضاً إلى هذه الهيئة، لأنها تدعم المبلّغين وتقدّم الملفات إلى العدالة، ولكنها هيئة لا تزال في حاجة إلى الاستقلالية والدعم، ونحن كجمعية ذات باع طويل في محاربة الفساد وبالاعتماد على خبرائنا مستعدون لدعم هذه الهيئة لأنها هيئة تحاول القيام بواجبها.
أما البرلمان، فكنا نتمنى، بالنظر إلى حساسية المسألة وأهميتها، أن يقدم أمامه مشروع قانون المالية التكميلي للسنة الجارية، لأول مرة حتى يتسنى له مناقشته، كون الحكومة دأبت على تمرير هذا القانون كل مرة خلال العطلة الصيفية للبرلمان، لتقرر ما تريد بلا رقابة برلمانية على المال العام، وهذا يبين أن البرلمان لا استقلالية له وما زال تحت سلطة الهيئة التنفيذية العليا.
• ما هو عدد حالات الفساد التي تحصيها جمعيتكم حالياً بالبلاد؟
ليست لدينا إحصائيات مدققة، ولكن لدينا ملفات كبرى ونحن مستعدون لتقديمها للحكومة، خاصة فيما يتعلق بالفساد المستشري في المؤسسات متعددة الجنسيات الناشطة بالجزائر، كذلك لدينا ملفات حول الفساد المحلي المستفحل في الولايات، حيث تعرف نحو 15 ولاية إدارية من أصل 48 ولاية، فساداً كبيراً يشترك فيه المسؤولون ممثلو الحكومة، أو بين المنتخبين المحليين والمنتخبين للمجالس الشعبية الولائية، ولدينا صورة مرعبة عن الفساد الحاصل بهذه الولايات، وقد قدمنا اقتراحات لتشديد الرقابة وقمع الفساد بقوة في هذه الولايات، ولكن للأسف كل النداءات التي قدمناها وقدمها المجتمع المدني للحكومة لم تلقَ آذاناً صاغية من قبل هذه الأخيرة، وهذا شيء مؤسف لأن خروج الجزائر من مستنقع الفساد يحتاج إلى تضافر جهود الحكومة والجهاز التشريعي وكذا المجتمع المدني، وأرباب العمل ووسائل الإعلام.
• هل أبلغتم الجهات الحكومية الوصية بملفات الفساد التي بحوزتكم، وكيف تعاملت معها؟
بالفعل، قدمنا كل الملفات التي لدينا وكانت ملفات مدققة، حتى أن بعضها تضمن أحكاماً قضائية دولية ضد الشركات متعددة الجنسية، مثل ملف شركة "إس. إن. سي. لا فالان" الكندية، ولكن لا ردّ من طرف الحكومة، التي يبدو أنها بلا استقلالية وتتلقى تعليمات من جهات أعلى منها تمنعها من التعامل مع جمعيتنا، أو حتى مع خبرائنا، فنحن لا يهمنا أن يذكر إثم الجمعية أو ما قامت به في مجال مكافحة الفساد، بل ما يهمنا هو أن توضع هذه الملفات أمام الشرطة القضائية والعدالة الجزائرية المعنية بمحاكمة المفسدين.
• هل وقعتم كأعضاء جمعية لمكافحة الفساد في أي مشاكل، سواء من طرف الحكومة أو من قبل بعض المفسدين، بسبب نشاطكم هذا؟
لسنوات عديدة وإلى الآن، أعضاء الجمعية يتلقون تهديدات وضغوطاً مختلفة، وفي بعض الأحيان يقدّم عدد من مناضلي الجمعية للعدالة بتهم واهية، حتى أننا ندعو أحياناً مناضلينا إلى التريث قليلاً، كي لا يتعرضوا لضغوط أكبر، قد تصل إلى درجة فصلهم من العمل، فأنا شخصياً لا أستطيع زيارة أقارب لي في العمل، مخافة تعرضهم لأي ضغوط بسبب نشاطي، والأمر ينطبق أيضاً على بعض المسؤولين النزهاء، حيث لا يمكنهم مقابلتي بصفة عادية خوفاً على مناصبهم.
اقرأ أيضا: الحكومة الجزائرية تعيد قروض الاستهلاك لدعم "ريبنو"؟
جمعية بلا اعتماد في بلد يغوص بالفساد
تأسست الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد في العام 1999، ولكنها اليوم لم تحصل على أوراق اعتماد رسمية من السلطات. ويقول رئيس الجمعية، جيلالي حجاج، إنه "منذ تاريخ تأسيس الجمعية حتى 2007، كانت علاقات الجمعية بالمسؤولين الحكوميين وفي الرئاسة عادية جداً، وكانوا يتسابقون لحضور ملتقيات مكافحة الفساد التي ننظمها، لكن منذ 2008 إلى اليوم تقف الحكومة ضد الجمعية حتى أمام الهيئات الدولية التي دأبت الجمعية على حضور اجتماعاتها. حيث أصبحت تعارض حضورنا فيها".
ويشرح حجاج لـ"العربي الجديد"، أن "السبب راجع إلى مواقف الجمعية وانتقاداتها للحكومة، ما جعلها تحجم عن التعامل معنا، ثم إنها أرادت أن تفرض علينا شخصية وزير سابق في مكتبنا الوطني ورفضنا قبوله، لأننا نملك ضده ملف فساد يتمثل في شرائه لعمارة سكنية في جنيف بسويسرا بثمن باهظ."
وقد صنّف تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2014 الجزائر في المرتبة الـ100 من بين 175 دولة لناحية الأكثر فساداً. ويعتبر حجاج أنه "لو كان هذا الترتيب هو الوحيد، لكنا قلنا إن هذه المنظمة غير الحكومية لديها أجندة وتريد تقديم صورة سوداوية عن الجزائر، ولكن كل ترتيبات المنظمات الدولية تضع الجزائر في الترتيب نفسه. هذا هو الواقع، وترتيب منظمة الشفافية الدولية الأخير يقلّل من حجم الفساد في الجزائر، لا العكس".
بطاقة
يعتبر جيلالي حجاج من الناشطين الأساسيين في قضايا مكافحة الفساد في الجزائر. وقد أثارت تقارير جمعيته، إضافة إلى تصريحاته التي تطاول غير إدارة وغير قطاع الكثير من الجدل. وقد أعربت منظمة الشفافية الدولية عن قلقها الشديد على سلامة حجاج، بعد إلقاء القبض عليه في 2010، داعية الحكومة إلى ضمان سلامته.