لم يكن لدى ماركس وإنغلز ما يقولانه حول ألعاب الفيديو، لكن أستاذ علم الاجتماع جيمي وودكوك يحاول أن يربط بينهما وبين هذا العالم، ورغم أن الروابط ضعيفة، لكن معرفة وودكوك بهذا العالم مكثّفة كما ظهرت في كتابه "ماركس في الأركيد"، وقد حاضر بالأمس حول هذا الكتاب الصادر حديثاً في مكتبة "هوزمان" في لندن.
أُطلقت أول لعبة فيديو عام 1940، ومنذ ذلك الحين، كان المهندسون يعبثون بأجهزة الكمبيوتر لجعلها قابلة للعب. اليوم تتوفّر ألعاب الفيديو على مستوى العالم، ويقتبس وودكوك من "مجلة فوربس" أن 69٪ من لاعبي Pokémon Go يلعبونها في العمل، ويمكن أن تكون الألعاب الجديدة على شاشات 200 مليون شخص في الوقت نفسه.
في المملكة المتحدة، يقول وودكوك أن 51٪ من الإنفاق الترفيهي على ألعاب الفيديو، ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما يتم إنفاقه على الموسيقى، أي أنها مؤسسة جديدة في الثقافة العالمية.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء: التاريخ، والصناعة ثم الألعاب، ومن بين الثلاثة يعتبر قسم الصناعة هو الأكثر إثارة للاهتمام في الكتاب. يقول وودكوك إنه في الأيام الأولى من ألعاب الفيديو، جاء مطوّرو الألعاب من مبدأ "رفض العمل".
"كان كلّ شيء يتعلّق بالترفيه، والمتعة، وعدم المسؤولية ضدّ تشغيل الإنسان على مدار الساعة، وضدّ الانضباط القسري والإنتاجية"، يقول وودكوك. كان كلّ شيء يتعلق بألعاب الفيديو مبني على الاعتراف بوجوب ابتكار أسباب بسيطة للترفيه حتى في العمل.
اليوم في عالم تحكمه الرأسمالية، لا أحد يعمل في شركة إنتاج الألعاب دون توقيع اتفاقية سرية، حتى قبل أن يجري مقابلة العمل. هناك الآن الآلاف من الشركات التي تطوّر الألعاب، ويبدو أنها جميعاً لديها نفس قواعد اللعب، يقول الصحافي ديفيد وينبيرغ في مراجعة للكتاب نشرت في "سان فرانسيسكو رفيو أوف بوكس".
تستأجر الشركات مطوّرين برواتب لائقة على ما يبدو، لكنها بعد ذلك تجعلهم يعملون لمدة 90 ساعة دون أجر إضافي، مما يخفّض أجورهم إلى أقل من النصف. هناك صفر من الأمان الوظيفي؛ فعند انتهاء فترة "أزمة تطوير اللعبة" وإطلاقها، يتم تسريح المطوّرين ببساطة، ثم يعودون عندما تكون هناك لعبة جديدة قيد التطوير.
يكشف وودكوك عن صناعة مليئة بالعنصرية والتمييز، حيث يجري احتقار النساء مطوّرات الألعاب، واللواتي يتقاضين أجوراً أقل بنسبة 15٪، لا يمكن لأحد أن يفخر أو ينسب إلى نفسه الفضل في تطوير اللعبة، وربما لا يعرف حتى كيف سيبدو المنتج النهائي. هنا الرضا الوظيفي لا شيء، والدافع لا شيء، والإحباط كلّّي ومكتمل.
يجب على المطوّرين العمل من الساعة 9 صباحاً حتى 10:30 مساءً، على مدار سبعة أيام في الأسبوع. عند خروجهم من العمل يتمّ تسليم عملهم إلى مكتب آخر في منطقة مختلفة، بحيث يمكن أن تستمر المهمة دون أن يعرف أي شخص شيئاً عنها، أو يمتلك أي شيء من الشركة يحميه.
يلفت وودكوك إلى أن المطوّرين/ العمال بدؤوا في الانتباه إلى حقوقهم، وبينما تتجاهلهم النقابات الكبرى، تقوم جمعيات صغيرة متخصّصة بتعليمهم الدفاع عن أنفسهم، وتبيّن لهم أنهم ليسوا وحدهم، وأن لديهم القدرة على إيقاف هذا الجنون.
هذه الظروف قاومها العمال قبل 120 سنة، ودفعوا الكثير لتغييرها، لكن وادي السيلكون اليوم يعيدها في قاعاته الضخمة السرية، وعلى العامل أن يوقّع كامل السرية والصمت حولها قبل حتى أن يبدأ العمل في وادي الأثرياء.