جيل ويندروش... ترحيل أبناء الكاريبي مستمر في بريطانيا

03 مايو 2018
احتجاجات متواصلة (برايس جي روكو/ Getty)
+ الخط -
أطاحت أزمة ترحيل أبناء الكاريبي من بريطانيا المعروفين باسم "جيل ويندروش" بوزيرة الداخلية، لكن هل تنهي استقالتها أزمة عمرها عقود؟

تعود معاناة "جيل ويندروش" إلى الواجهة في بريطانيا بوجه أكثر صرامة، بحجة أنّهم مهاجرون غير شرعيين (من دول البحر الكاريبي). تأزمت القضية بسبب المعاملة اللا إنسانية التي تعرّض لها هؤلاء الأشخاص وأقاربهم نتيجة سياسة الحكومة، التي تهدف إلى ردع الهجرة غير الشرعية.

في هذا السياق يقول المحامي والناشط السياسي البريطاني، بيتر هربرت، رئيس جمعية "المحامين السود" لـ"العربي الجديد" إنّ التشريعات المتلاحقة ألغت حق هؤلاء الأشخاص في الإقامة، ما يعني أنّ المطلوب منهم تسوية وضعهم القانوني في المملكة المتحدة، إذ من الممكن ترحيلهم. يوضح أنّه بعد عام 2014 حرموا من هذا الحق القانوني بالبقاء، أي أنّهم لو جاؤوا إلى هذه البلاد قبل الأول من يناير/ كانون الثاني 1973 لكان عليهم أن يثبتوا أنّهم أقاموا فيها منذ خمس سنوات فقط، لكنّ القانون تبدّل وبات ينبغي عليهم إبراز أدلة تبرهن إقامتهم فيها منذ عشرين عاماً، ومن الطبيعي أن يتعذّر على كثير من الأشخاص الإتيان بوثائق يعود تاريخها إلى ما قبل 20 عاماً، وإن سئل أيّ شخص أن يأتي بفاتورة كهرباء أو ماء ترجع إلى ذلك الزمن سيصعب عليه إيجادها.

يضيف هربرت أنّ هذه المسألة تسببت بمشاكل كثيرة لأبناء هذا الجيل، في الجامعات والمراكز الطبية، إذ عجزوا عن إثبات هويتهم، بعدما خلقت رئيسة الحكومة تيريزا ماي هذه البيئة المعادية عندما كانت وزيرة للداخلية "القصة بدأت تزداد سوءاً منذ عام 2014، لكنّها لطالما كانت موجودة، ولا نعلم عدد الأشخاص المتأثرين بالتحديد، قد يكون 5 آلاف أو 10 آلاف أو 50 ألفاً". ويلفت إلى أنّ هناك مجموعة أخرى من هؤلاء الأشخاص، الذين لم يجرِ ذكرهم، كونهم غادروا المملكة المتحدة، وحين حاولوا العودة منعوا من تلقي الخدمات العامة ومنها العلاج، بحجة غيابهم عن البلاد لعام أو عامين، على الرغم من أنّهم يحملون الجنسية البريطانية، وجرى التعامل معهم كأنّهم مقيمون أجانب.

يتابع: "هناك سياسة معادية للهجرة، منها تلك التي تتعلق بارتكاب جريمة، فإن ارتكب أحد هؤلاء جناية أدّت إلى دخوله السجن لعام أو أكثر، هناك احتمال كبير لترحيله من البلاد بعد ذلك حتى لو كان يحمل حق الإقامة الدائمة، على عكس المواطن البريطاني صاحب السجل الإجرامي الذي لا يمكن التعامل معه بهذه الطريقة".




في ما يتعلق باستقالة وزيرة الداخلية البريطانية، آمبر رود، يقول هربرت إنّه لا يعتقد أنّ المسألة تتعلّق بالأفراد "بل بما تريد الحكومة القيام به، فإن استمرّت في سياسة الهجرة هذه فإنّها سترحّل أشخاصاً أصلهم من جامايكا على متن طائرة، ويجب وقف ذلك لأنّنا لا ندري إن كان سبب ترحيل هؤلاء الأشخاص إقامتهم غير القانونية في البلاد أو كونهم من أبناء "ويندروش"، والمشكلة أنّ حكومة جامايكا تقبل بهذه الخطوة". عن التعويضات، يلفت هربرت إلى أنّ لا أحد يعلم ما هي المعايير التي ستؤخذ بعين الاعتبار، لأنّهم كحقوقيين ما زالوا يعملون على ذلك، لكنّهم يطالبون بتحقيق مستقل من قبل الهيئة المسؤولة عن تمثيل مصالح العامة (أومبودسمان)، عوضاً عن الحكومة.

من جهته، قال النائب ديفيد لامي، في تغريدة على "تويتر"، إنّ المطلوب أن تكرّس حقوق مواطني "ويندروش" في القانون من دون تأخير. وكتب لامي رسالة إلى رئيسة الوزراء يدعمها أكثر من 200 نائب من ستة أحزاب في هذا الخصوص. وفي تغريدة أخرى، قال: "أنا هنا لأنّكم كنتم هناك. لم يكن أجدادي رعايا بريطانيين جاؤوا إلى بريطانيا. بريطانيا ذهبت إليهم وباعتهم عبيداً واستفادت من أعمالهم. أنا السكّر في أسفل فنجان الشاي الإنكليزي".

تجدر الإشارة إلى أنّ الحرب العالمية الثانية كانت السبب في انطلاق رحلة سفينة "ويندروش" من البحر الكاريبي إلى ميناء تيلبوري في العاصمة البريطانية لندن، إذ جرى تجنيد الآلاف من الرجال والنساء الكاريبيين للعمل في القوات المسلحة. كالعادة، طغت روح المغامرة آنذاك على كثيرين ومعظمهم من الشباب، الذين سمعوا عن الرحلة وانضموا إليها، بكلّ بساطة لاعتبارهم بريطانيا "البلد الأم". دعي المسافرون على متن هذه السفينة للحضور إلى بريطانيا، لسدّ نقص العمالة، وأصبحوا يعرفون في ما بعد باسم "جيل ويندروش". كانت الاستجابة لدعوة العمل هذه ضعيفة، فبحلول عام 1958 وصل إلى بريطانيا من جزر الكاريبي نحو 125 ألف عامل فقط، لأنّ أبناء هذه البلدان لطالما فضّلوا السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث حظوا بفرص عمل أفضل، على الرغم من صدور قانون منح الجنسية البريطانية في عام 1948، الذي سمح لهم ولغيرهم ممن يعيشون في دول الكومنولث بالحصول على الجنسية البريطانية.

كرنفال نوتينغ هيل بات من معالم لندن (كريس راتكليف/getty) 













عندما وصل ركّاب "ويندروش" إلى بريطانيا، رحبت بهم الصحافة، وكتبت صحيفة "ذا إيفنينغ ستاندرد" على الصفحة الرئيسية: "مرحباً بكم... طائرة إيفنينغ ستاندرد ترحّب بأبناء الإمبراطورية". لكن على الرغم من استقبال الصحافة الإيجابي لهم، كانت التوترات العرقية منتشرة. ويبدو أنّ معاناة الكاريبيين وصراعاتهم مع البريطانيين حول السكن وغيره التي بدأت منذ عقود لم تنته كما اعتقدوا، على الرغم من أنّهم أصبحوا جزءاً مألوفاً من السكان البريطانيين منذ السبعينيات. أحد مؤشرات ذلك كرنفال "نوتينغ هيل" الذي يقصده الناس من جميع الدول وتحتفل به بريطانيا سنوياً. هذا الكرنفال الذي يقام في الشوارع ذاتها التي تعرّض فيها الكاريبيون للمطاردة من حشود السكان.

حاولت رود قبل استقالتها التملّص من التهم الموجّهة إليها، ونفت وجود أهداف للتخلص من المهاجرين غير الشرعيين، وهو ما يتناقض مع تقرير التفتيش لعام 2015. لكنّها اعترفت في وقت لاحق بوجود أهداف محلية لعمليات الترحيل الطوعية، بيد أنّها لم تكن على دراية بها.

بدورها، نقلت هيئة الإذاعة البريطانية أنّ مهمة رود كانت صعبة على نحو مضاعف، لأنّها كانت تتبع خطى تيريزا ماي التي استمرّت في هذا المنصب لأكثر من ست سنوات، ووضعت سلسلة من الخطط والأهداف التي كان من المتوقع أن تلتزم بها رود، حتى لو اختلفت معها. وفي إبريل/ نيسان الماضي اضطرت الحكومة للاعتذار بعد الإعلان عن أطفال "جيل ويندروش" كمهاجرين غير شرعيين. وهُدّد العديد منهم بالترحيل، وحرموا من الحصول على العلاج والمزايا والرواتب التقاعدية والخدمات الصحية الوطنية وجرّدوا من وظائفهم.




أول وزير داخلية من أقلية عرقية
يُعتبر ساجد جاويد (48 عاماً) الذي عُيّن في منصب وزير الداخلية في بريطانيا بدلاً من آمبر رود التي استقالت على خلفية قضية "جيل ويندروش"، أول وزير داخلية من أقلية عرقية في البلاد. يضع جاويد قضية المهاجرين على رأس أولوياته ويعلق: "عندما سمعت عن قضية ويندروش، خطر لي أنّ من الممكن أن يكون الشخص أمي أو أبي أو حتى أنا".
المساهمون