جيل ما بعد الحرب السورية: فقير ومديون وأمّي

06 مارس 2014
كل طفل سوري مديون بقيمة 6115 دولار
+ الخط -
في خيمة صغيرة في شمال لبنان، اكتظاظ بشري يخنق طفلاً سورياً.
طفل فقد أمه في القصف النظامي على قريته، دمّر بيته وشرّده وحيداً خارج بلده.
صوت الطفل يخفت ومن ثم يرتفع بكاء: "كانت أمي تحممنا، كنت روح عالمدرسة، كنت انتظر العيد لتمشط إمي شعري وتجبلي تياب جديدة، نحنا عم ننقتل، عم نموت"...
هذا المشهد تمت مشاركته أكثر من 24 ألف مرة على يوتيوب، في حين أن الموقع ذاته يغص بآلاف مقاطع الفيديو التي يظهر فيها أطفال سوريا مشردين يشكون قهرهم.

ماذا تبقى لهذا الجيل من موارد؟ .
ماذا تبقى له من مكتسبات اقتصادية واجتماعية؟ ماذا تبقى لهذا الجيل من حياة؟.

يبلغ عدد السوريين قبل بدء الثورة السورية وقبل المجازر الجماعية المستمرة بحق المواطنين حوالي 22.4 مليون نسمة.
ومع انطلاقة الثورة في آذار/ مارس من العام 2011 حتى نهاية الشهر الماضي، وصل عدد الشهداء الى حوالي 107 آلاف شهيد، بينهم حوالي 10 آلاف امرأة و11 ألف طفل. كذلك، تسببت الحرب بوقوع حوالي 168 ألف جريح، واعتقال 253 ألف سوري.

أما عدد اللاجئين خارج سوريا فوصل الى 3 ملايين و365 ألف لاجىء، وعدد اللاجئين داخل سوريا وصل الى 7 ملايين و220 ألف لاجىء.

هذه الأرقام الصادرة عن مركز "إحصائيات الثورة السورية" ليست مجرد تعداد لبشر يعانون من أزمة إنسانية ضخمة، لا بل هي أرقام تشير إلى مستقبل أسود يحوم في أفق سوريا. إذ إن عدد الجرحى والمعتقلين الذي يصل الى 421 ألفاً، يعني اقتصادياً أن الجيل الجديد من السوريين سيتكبد أكلاف ارتفاع الإنفاق الاجتماعي على تأمين العلاج الجسدي والنفسي، وانخفاض حجم القوى العاملة لأن معظم المصابين والمعتقلين، وفق الإحصائيات، هم من الفئة الشابة.

أما عدد اللاجئين خارج سوريا فيعني اقتصادياً ارتفاعات في مؤشرات الهجرة الدائمة، في حين أن عدد النازحين داخل الأراضي السورية يعني أن عدداً كبيراً من السوريين سيقع تحت ديون ضخمة لترميم أو اعادة بناء منازله.

وفوق هذه التكاليف الكبيرة، سيكون أمام الجيل الجديد من السوريين تحمّل ما يلي:  

1- أصدر “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” تقريراً في نهاية العام الماضي يشير إلى أن خسائر الاقتصاد السوري بلغت 103 مليارات دولار. ما يعني أن كل سوري مهما كان عمره يجب أن يدفع عبر الضرائب والرسوم ما يوازي 4 آلاف و598 دولاراً لتغطية كلفة تمويل الدمار.

وفي حال لجوء النظام السوري الجديد بعد انتهاء الحرب للدول المانحة، فسيحصل على قروض طويلة الأمد، وبالتالي سيضاف فوق هذا المبلغ مبالغ إضافية، وهي الفوائد التي تحصّلها الصناديق الدولية في مقابل القروض التي تقدمها للدول.

2- بلغ الدين العام لسوريا حتى تشرين الأول/ أكتوبر الماضي (وفق تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والأونروا والمركز السوري لبحوث السياسات) ما نسبته 73% من الناتج القومي، وبالتالي وصل حجم الدين الى حوالي 34 مليار دولار، منها حوالي 17 مليار دولار ديون داخلية ونحو 7 مليار دولار ديون خارجية. هذه الإحصاءات تعني أن كل طفل مولود حديثاً في سوريا سيأتي إلى الحياة مديوناً بقيمة 1517 دولاراً.

3- تقول تقديرات “لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا” (الاسكوا) إن عدد السوريين الذين تحولوا إلى ما دون خط الفقر هو 18 مليون مواطن، بينهم حوالي 8 ملايين مواطن تحت خط الفقر الغذائي. ما يعني أن الجيل الجديد من السوريين سيعيش الفقر والجوع، ما سيخلق اختلالاً في الأمن الاجتماعي والغذائي.

4- قدّر تقرير الإسكوا في نهاية العام الماضي، أن معدلات البطالة ووفقاً للأرقام الرسمية السورية (غير الدقيقة كونها تخفض من النسب الإحصائية)، ستسجل في حال انتهى الصراع في العام 2015 نسبة 58.1%. أي أن الجيل الجديد سيعيش في كنف عائلات خارج سوق العمل، ما سيدفع الكثير من الأطفال والشباب الى العمل بدلاً من تحصيل العلم.

5- تقول الإسكوا أيضاً في ندوة نظمتها نهاية العام 2013، أن سوريا خسرت 37 عاماً من التنمية بسبب الحرب الدائرة فيها، ومع كل سنة تستمر فيها الأزمة تتراجع سوريا ثماني سنوات إلى الخلف في المؤشرات الاقتصادية والتنموية. ويعني كل يوم إضافي في هذه الأزمة خسارة 109 ملايين دولار من الناتج المحلي.
هذه المؤشرات تقول إن الجيل الجديد من السوريين سيصبح في عمر الـ 37 عاماً ليعود الى حال التنمية السيئة والمهينة التي كان يعيش فيها الجيل السابق، أي جيل الثورة السورية.

6- وصل التسرب المدرسي الى نسبة 38 في المئة في نهاية العام 2013، وفق الإسكوا، إلا أن هذا الرقم مرشح للمزيد من الارتفاع في ظل استمرار الدمار والقصف والموت. وهذه النسبة لا تعني سوى أن الجيل الجديد من السوريين سيكون غير متعلم وغير قادر على تحقيق نهضة اقتصادية أو اجتماعية تتحقق عادة بعد الحروب.

7-  تقول دراسة أعدها الباحث في الاقتصاد العقاري عمار يوسف إن مليوني وحدة سكنية أصبحت في عداد المساكن المدمرة كلياً أو جزئياً، في حين قدرت ادارة معلومات الطاقة الاميركية، في تقريرها الصادر عن سوريا، خسائر قطاع الطاقة السوري بنحو 12 مليار دولار. وتضررت شبكات المياه والصرف الصحي إضافة إلى تضرر المرافق الصحية والاستشفائية... 

وبذلك، فإن كل طفل سوري مديون بقيمة 6115 دولاراُ لإعادة الإعمار وإطفاء الدين العام. وهذا المبلغ تحصّله الدول عبر الإجراءات الضريبية والرسوم وخفض الإنفاق الاجتماعي. وبما أن الجيل الجديد من السوريين سيعاني من الأمية والفقر والبطالة، فإن مستقبل سوريا سيكون كارثة على جيلها الجديد، خصوصاً إذا استمر النظام بحربه ودماره خلال السنوات المقبلة. 

المساهمون