جيل المخيمات في العراق يثير المخاوف

21 فبراير 2019
هل هذه حياة؟ (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -
بالتزامن مع احتضان العاصمة العراقية بغداد، مؤتمراً واسعاً لبحث سبل مكافحة فكر تنظيم "داعش"، بمشاركة دولية واسعة، يحذّر مسؤولون عراقيون وخبراء من أنّ الحكومتين الحالية والسابقة تتورطان في ملف إهمال شريحة مهمة من سكان المدن العراقية التي احتلها التنظيم قرابة أربع سنوات، قد ينتج عنه جيل أكثر تطرفاً وخطراً على أمن البلاد، تساهم فيه انتهاكات لقوات الأمن بحقهم.

من جهتها، تحذّر منظمات وجمعيات متخصصة في حقوق الإنسان من "كارثة أمنية" قد تحدث خلال سنوات قليلة في العراق، مع استمرار إهمال الحكومة فئة النازحين، وتحديداً أطفال المخيمات، منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهم الذين عاشوا حقبتين غيّرتا كثيراً من أفكارهم، فتأثروا بالظروف التي عاشوها خلال فترة سيطرة تنظيم "داعش" على مدنهم، ثم النزوح والتشرد، مع نقص في الخدمات والمعاملة السيئة والتحقيقات الأمنية وغياب حق التعليم. وتزداد المخاوف من تحوّل الأطفال إلى متطرفين، مع بقائهم أكثر في مخيمات كأنّها سجون، لا سيما مخيمات محافظة الأنبار البعيدة عن المدن، المنسية والمغيبة عن الإعلام المحلي. مع العلم أنّ كثيراً من القوات العراقية وأجهزة التحقيقات الخاصة بكشف المنتمين إلى تنظيم "داعش" يعاملون من يوجد فيها من النساء والأطفال على أنهم "دواعش" كما يسمى عناصر التنظيم في العراق.




مسؤول عراقي في مكتب رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة تلقّت تحذيرات أخيراً من جهات دولية ومحلية من أنّ تعاملها مع ملف الأطفال وسكان المخيمات يساعد في خلق جيل متطرف وحاقد، وتسجَّل انتهاكات مرعبة من قبل قوات الأمن بحق النساء والأطفال، على حد سواء". يلفت إلى أنّ تلك التحذيرات وصلت إلى رئيس الوزراء.

قبل ثلاثة أشهر، تحديداً في الذكرى السنوية لـ"النصر على داعش"، التي تصادف العاشر من شهر ديسمبر/كانون الأول، تعهّد رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، بأنّ النصر الحقيقي الذي تصبو إليه الحكومة هو "تحقيق الرفاه للشعب العراقي والقضاء على الفساد وإعادة النازحين إلى ديارهم وإعمار مدنهم"، لكنّ نازحاً واحداً لم يرجع إلى داره، منذ تولي عبد المهدي رئاسة الحكومة، بحسب نائب في البرلمان عن محافظة نينوى، يتحدث إلى "العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمه. يشير إلى أنّ "أزمة النازحين من الملفات المعقدة، بسبب تدخّل بعض الأحزاب والمليشيات المرتبطة بإيران، ومنع التقدم فيه، لأسباب تعتبرها أمنية، لكنّ هذه الأحزاب والمليشيات تريد أن تغير ملامح بعض المدن العراقية، بالإضافة إلى السيطرة على خيراتها وأراضيها". يتابع أنّ "الأطفال هم الأكثر تضرراً من كلّ ما حصل، خلال السنوات الماضية، بسبب فقدانهم آباءهم جراء الاعتقالات العشوائية ومن ثم التغييب، وهناك من الأطفال من وجد نفسه فجأة وحيداً، من دون أن يعرف مصير أهله".

النائب نفسه يشير إلى أنّ "تنظيم داعش تمكن من زرع الفكر التكفيري عند الأطفال، وأجبرهم على مشاهدة عمليات النحر وقطع الأعضاء البشرية من أجل تنفيذ مثل هذه العمليات، في أوقات لاحقة، عبر الأطفال أنفسهم. ومع كلّ ما تحمّله صغار السن هؤلاء، فإنّ الحكومة العراقية لم تبادر إلى ترتيب أوضاعهم، بل عزلتهم عن العالم، ووضعتهم في مخيمات أقرب إلى السجون من دون أن تضع أيّ خطة لإنقاذهم". يلفت إلى أنّ "جيل الأطفال الذين يستقرون حالياً في المخيمات يحمل حقداً كبيراً على الدولة والجيش والحشد الشعبي، وكلّ ما تسبب في خراب حياتهم مع أهلهم، خصوصاً أولئك الذين فقدوا الوالدين معاً في قصف جوي أو في قتل متعمد من جهة مسلحة".

بحسب عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية، فاضل الغراوي، فإنّ عشرات الآلاف من الأطفال النازحين ما زالوا في المخيمات. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "قضية تطرّف الأطفال في المخيمات تعد من أبرز القضايا الخطيرة التي استهدفت الطفولة في العراق، لأنّهم لم يخضعوا لأيّ برنامج للدمج المجتمعي، أو إعادة التأهيل من أعراض الصدمات التي تلقوها خلال فترة احتلال داعش مناطقهم، خصوصاً أنّهم شاهدوا كمّاً كبيراً من الانتهاكات والعمليات الإرهابية من قتل ونحر، حتى أنّ تسمية أطفال المخيمات تزعج الأطفال الذين يستقرون حالياً في المخيمات، وقد ينفجر هذا الحقد في وجه من تسبب في آلامهم في المستقبل". يضيف أنّ "التحديات التي تواجه الأطفال في المخيمات كثيرة، ونحن نرصد ردّات فعلهم، ونلاحظ التقصير الحكومي من مؤسسات الدولة المعنية بإعادة تأهيلهم، لمنع إنتاج داعش جديد، إذ لا بد من إيجاد حلول سريعة، فهؤلاء الأطفال الذين لا يتجاوز عمر أكبرهم 17 عاماً، يتعرضون حالياً إلى كمّ كبير من الضغوط النفسية مع فقدانهم أفراداً من أسرهم، وتقع عليهم أعباء كثيرة، مع نقص حاد في المواد الغذائية والخدمات الصحية وفقدانهم حق التعليم، واختبارهم التشتت الأسري، وإحساسهم بالمستقبل المجهول، مع وجودهم في أماكن بعيدة عن المدن من دون موارد مالية".




من جهته، يشير مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان، مصطفى سعدون، إلى أنّ "من المؤكد أن يتأثر الأطفال بالانتهاكات التي تعرّضوا لها مع أهلهم، وبفقدانهم طفولتهم، خصوصاً أنّهم يشعرون حالياً وكأنّهم وحوش خطيرة ومفترسة، بسبب الطريقة التي جرى عزلهم بها، في صحاري الأنبار والمناطق النائية". يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "هؤلاء الأطفال يمثلون جيلاً جديداً من المتطرفين من الناقمين على الدولة العراقية، وهذا الأمر يرجع إلى الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة السابقة وترتكبها الحكومة الحالية، فهي لا تدرك أنّ عزل هؤلاء الأطفال مع أهلهم، يخلق بيئة خصبة للإرهاب والتطرف، إذ سيعتقدون أنّ الحكومة ظلمت عناصر داعش كما تظلمهم". يلفت إلى أنّ "أطفال المخيمات قد يشكلون في المراحل المقبلة قنابل موقوتة في وجه الحكومة العراقية والأجهزة الأمنية والمجتمع نفسه، كونهم تلقوا أفكاراً تعتمد على تكفير الآخرين، وتعبئتهم ضد الدولة والحكومة والجيش، فيما لم تسرع الحكومة عبر مؤسساتها التربوية والحقوقية، إلى إعادة تأهيل الأطفال".
المساهمون