جيرالد برونر: كيف تنتقل المعتقدات من مجتمع لآخر؟

24 نوفمبر 2015
برونر في لقاء صحافي مع جوليان كادو (2013)
+ الخط -

حين يجري، في بعض الخطابات الغربية، وصم مجتمعات برمّتها بالإرهاب، على اعتبار أن داعش ظهرت بينها، نتساءل إلى ماذا نحتاج لنردّ ذلك؟ هل تكمن حاجتنا في الرجوع إلى النص الديني، وإعادة تأويله وإعادة تأويل التراث الإسلامي برمته، كما يدعو كثيرون منا إلى ذلك، أم نحتاج أيضاً إلى النظر صوب السياقات الخارجية التي تساهم في قراءة "الآخر" لنا؟

هذا هو ميدان علم الاجتماع المعرفي، والذي ما زلنا نفتقر فيه إلى مؤلفات عربية وأبحاث تهتم بالتلقي والتداول أكثر من اهتمامها بالنصوص ومحتوياتها، ثم إن المكتبة العربية تفتقر كذلك إلى ترجمات تتيح قطع مسافة إلى أن يبدأ المفكرون العرب بتقديم مساهمة في هذا المجال.

لعل أحداث باريس الأخيرة لفتت الأنظار إلى أعمال عالم الاجتماع المعرفي الفرنسي جيرالد برونر (1969) الذي يهتم بالخصوص بقضية الآثار الاجتماعية التي تؤثر على فهم المعتقد، والدوافع الاجتماعية والمعرفية للتطرّف الشديد في المعتقد الديني/ السياسي، وما قد يخلفه الخطأ في المنطق من المضي قدماً في اتجاه التعصّب.

يعد كتاب "التفكير المتطرّف.. كيف يصبح الناس العاديون متطرفين" الذي أصدره برونر في 2009 العمل الأبرز له. عمل لم يترجم بعد إلى العربية، وللإشارة لم يظهر من أعمال برونر سوى كتاب له في بداياته بعنوان "الشك والارتياب" من ترجمة فؤاد شاهين، عن "دار عويدات".

يرتكز مشروع برونر على المعتقدات الجماعية بشكل عام، وعلى علم ظواهر الإدراك الاجتماعي، وبشكل خاص تلك الحالات التي يوجد فيها خليط من الثوابت المعرفية والمنحدرات الطبيعية للفكر الفردي والمتغيّرات الاجتماعية، بما في ذلك السياق الثقافي.

طالما أكد برونر على ضرورة أن تكون المعتقدات الجماعية محورية في أعمال علم الاجتماع، وعلى هذا الأساس أنجز دراسته "إمبراطورية المعتقدات" (2003) وبعدها نشر كتاب "الحياة والموت في المعتقدات الجماعية" (2006) ثم صدر له "مستقبل المعتقدات الجماعية"، قبل أن يظهر "التفكير المتطرّف".

يستفيد برونر علاوة على أدوات علم الاجتماع المعرفي من علم الأعصاب، والذي درس من خلاله استقبال الداروينية في فرنسا وأميركا محللاً كيف يمكن لمجموعة من العقبات أن تختلف في سياقين اجتماعيين مختلفين، وأن تؤثر في استقبال نظرية معرفية معيّنة، محاولاً تحديد أسباب نجاح الاعتقاد في الفضاءات الاجتماعية.

ثمة مستويات عديدة يمكن أن نصدر منها أحكاماً على فكرٍ مثل الذي يقدّمه برونر كاتساع أفقه على الاختلافات بيننا أو درجة استشراقية أعماله أو تماسكها المعرفي، لكن قبل كل ذلك ينبغي أن نأتي بفكره إلينا.

المساهمون