يتتبّع المخرج المسرحي اللبناني جوليان بطرس في عمله الذي يحمل العنوان ذاته، المدينة اللامعقولة وعجز البشر عن التواصل كما يصوّره كريمب، وذلك على خشبة مسرح "دوار الشمس" في عروض تواصلت بين الثامن والعشرين من الشهر الماضي وحتى يوم أول أمس.
تحكي المسرحية قصة زوجين يكافحان من أجل أن يعيشا حياة طبيعية، حتى تظهر الجارة فتتدهور علاقتهما وكل ما يحدث حولهما، حيث تبدو كأنها العامل وراء هذا الخراب إلا أن جذوره تعود إلى أفكار وهواجس تدور في مخيلتهما قبل أن تستفزها عوامل خارجية.
الزوجة كلير تعمل مترجمة ولديها انكسارات داخلية وخيبات لأنها لم تحقّق أحلامها، وتعيش مع زوجها حياة بلا عاطفة في المنزل الذي تجري فيه الأحداث، وتدور أيضاً حواراتهما حول العمل وضرورته وعن الترجمة والكتابة بشكل هذيانات حيث يبدو التواصل مستحيلاً في أحاديثهما المتباعدة، ويفشلان أيضاً في تبادل قبلة طيلة العرض.
العائلة تتكوّن من ثلاثة أفراد بالإضافة إلى طفلتهما التي تؤدي شخصيتها ممثلة بنفس عمر والديها، كمفارقة تضاف إلى مفارقات الحياة العصرية، ويحضر الجفاء والتباعد بين أفرادها باعتباره صورة مصغرة عن شكل العلاقات الإنسانية اليوم، والتي تزداد غرائبية بفعل الحروب والصراعات والعنف والاستلاب نحو العمل ونمط الاستهلاك.
في حديث لـ"العربي الجديد"، يقول بطرس إن العمل يأتي بعد ثلاث مسرحيات ألفّها وأخرجها، وهي: "بين الأسود الفاتح والأسود الغامق" (2007)، و"نص نص" (2008)، و"صورة شمسية" (2011)، ثم توجّه إلى تدريس المسرح قبل أن يقدّم عمله الرابع".
ويضيف "لم أغيّر في النص الذي وجدته من أفضل النصوص التي تعبّر عن قلق العلاقات العاطفية وفي العمل والعنف والصراعات في مدننا المعاصرة، لكن طرحت رؤيتي من خلال السينوغرافيا والديكور، حيث بنيت سريراً وصوفا (كنبة) وبيتاً صغيرة من الباطون".
ويشير بطرس إلى أن "الجارة التي تبدأ بالكشف على ما تفكّر به وتحسّه كلير، تبدأ بتفكيك السرير الذي تخفي تحت شراشفه حجارة أيضاً، كأنه فعل مسرحي موازٍ لتفكك علاقتها الزوجية وتبدّد أحلامها، وفي نهاية المشهد، يتحوّل المسرح كلّه إلى أحجار مبعثرة هي المدينة المدمرة التي حاولت البطلة تجميلها لزمن طويل".
يقدّم العمل أربع شخصيات، هي عبده النوار بدور الزوج، ومريم الرامي بدور الزوجة، وهبة نجم بدور الجارة، بينما تلعب الممثلة هبة سلامة دور الطفلة، ويعتمد على الحوار والمونولوغات الداخلية بشكل رئيسي، حيث الشكوى من الأطفال وإزعاجهم والمؤسسة الزوجية والعمل وقتل الأطفال في الحروب، والخلاص من الحصار التي تفرضه المدينة.