ليست المرة الأولى التي تتعثر فيها جهود مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن الدبلوماسي البريطاني، مارتن غريفيث، ليأتي وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هنت، لإنقاذ الموقف، وفتح ثغرة في الجدار الذي يواجه تطبيق خطة رئيس فريق المراقبين الدوليين مايكل لوليسغارد، والمتعلقة بخطوات "إعادة الانتشار" في الحديدة، في ظل تساؤلات عن مدى قدرة الوزير البريطاني على إنقاذ الموقف في الحديدة، في ظل معطيات بالغة التعقيد.
ولم يكد هنت يحط في عدن، حتى أعلن مسؤول حكومي يمني، لوكالة "الأناضول"، أمس الأحد، أن "اشتباكات عنيفة اندلعت بالأسلحة المتوسطة والثقيلة بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة الحوثي في الحديدة"، موضحاً أن "المواجهات اندلعت في بعض الأحياء الشرقية والجنوبية لمدينة الحديدة". واتهم "المسلحين الحوثي بخرق الهدنة وقصف مواقع للقوات الحكومية في عدة أحياء، بينها 7 يوليو ومنظر، وقرب مدينة الصالح".
وكان هنت، وفي خطوة غير مسبوقة منذ تصاعد الحرب في اليمن خلال عام 2015، قد وصل إلى مدينة عدن جنوبي البلاد، أمس الأحد، لإجراء مباحثات مع مسؤولي الحكومة اليمنية في المدينة. وأشارت مصادر سياسية قريبة من الشرعية، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الزيارة تحمل دلالات رمزية، وتعكس مدى الاهتمام البريطاني بالملف اليمني، بالترافق مع تطورات الأشهر الأخيرة خصوصاً، والتي وضعت لندن خلالها بصمتها الخاصة على المحطات السياسية التي شهدتها البلاد.
ونقلت وكالة "سبأ" التابعة للشرعية عن الميسري تأكيده لهنت أن "موقف الحكومة الشرعية ثابت وينشد السلام الدائم"، مشيراً إلى أنه "رغم أن قوات الجيش الوطني كانت قاب قوسين أو أدنى من تحرير مدينة الحديدة، فقد فضلت الدخول في مفاوضات استوكهولم، إيماناً منها بخيار السلام". وحمّل جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) مسؤولية "المماطلة بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مشاورات السويد"، معتبراً أن "الحل الجذري لإنهاء الحرب وإرساء دعائم السلام يكمن في إزالة الأسباب الجذرية لاندلاع الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي بانقلابها على السلطة الشرعية، وذلك بتطبيق مرجعيات الحل السياسي الثلاث المتفق عليها محلياً، والمؤيدة دولياً، والمتمثلة في المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن وفي مقدمتها القرار 2216".
وتأتي زيارة هنت إلى عدن بعد يوم من اجتماعه مع الرئيس عبدربه منصور هادي وقادة الشرعية في العاصمة السعودية الرياض، لإيصال رسائل رمزية عن الوضع اليمني. وبالإضافة إلى قيادة بريطانيا الضغوط الدولية بشأن اليمن، فإن أي زيارة لمسؤول بريطاني إلى عدن لا تخلو من الدلالات المرتبطة بتاريخ المدينة التي سيطرت عليها بريطانيا لما يقرب من 128 سنة (انتهت في عام 1967)، وكانت من أهم المدن المحورية الخاضعة للإنكليز في المنطقة.
ودشّن هنت، الذي يقدم نفسه من خلال الجولة الأخيرة كأبرز الفاعلين الدوليين المؤيدين لمهمة غريفيث إحياء المسار السياسي في اليمن، جولته من العاصمة العُمانية مسقط، حيث التقى كبير مفاوضي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، محمد عبد السلام، يوم الجمعة الماضي، وظهر معه بصورة مشتركة نشرت على حساب وزارة الخارجية البريطانية على "تويتر"، مرفقة بتصريح مهم، أوصل من خلاله الوزير البريطاني رسالة زيارته، بالقول إنه "رحب بالتقدم الحاصل في المحادثات بشأن ميناء الحديدة، لكنه شدّد على ضرورة انسحاب قوات الحوثيين قريباً للحفاظ على الثقة باتفاق استوكهولم وإتاحة فتح معابر إنسانية حيوية". وأثار التصريح حفيظة الحوثيين الذين هاجموا بريطانيا على لسان رئيس "اللجنة الثورية العليا"، محمد علي الحوثي، الذي اعتبر أن تصريحات هنت "فاضحة لسياسات أميركا وبريطانيا اللتين أعطتا إشارة بدء معركة الحديدة".