جورج نادر وإليوت برويدي و"سيرسينس"... طريق إسرائيل-أبوظبي-واشنطن

05 مارس 2018
برويدي (يمين الصورة) غارق في ملفات فساد (ستيفاني كينان/Getty)
+ الخط -
لم يكن اسم كلّ من رجل الأعمال اللبناني ــ الأميركي جورج نادر، أو رجل شركة المرتزقة "سيرسينس" Circinus، إليوت برويدي، المتمول الصهيوني الجمهوري، غريباً عن عالم الصفقات يوماً، تحديداً تلك المرتبطة بالضغط من داخل الإدارات الأميركية المتعاقبة بشكل يخدم مصالح دول أخرى تارة، ومصالح شخصية تارة أخرى. لكن اللافت أن في مسيرة هذين الشخصين تحديداً، نقاطاً مشتركة عديدة من بينها العمل لمصلحة دولة الإمارات وولي عهد أبوظبي خصوصاً، محمد بن زايد، وسلوك طريق تل أبيب ــ أبوظبي دوماً للوصول إلى دوائر النفوذ الأميركية. 

وفي الساعات الماضية، أصبح بالإمكان تركيب مشهد تعاون هذين الرجلين ليكونا رَجُلي محمد بن زايد للوصول إلى أجندات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشكل تكون سياساته الداخلية (في تعيينات وزرائه مثلاً) والخارجية ملائمة لدولة الإمارات، وهو ما يظهر في الموقف مثلاً من وزير الخارجية ريكس تيلرسون والضغط في سبيل إطاحته نظراً إلى موقفه الرافض لحصار دولة قطر. ومعركة كسب محمد بن زايد قلب وعقل الرئيس الأميركي من خلال جورج نادر وإليوت برويدي، تبدو اليوم كأنها تمرّ في مرحلة شديدة الحساسية، مع انكشاف فصول من عمل هذين الرجلين للتأثير في الإدارة الأميركية وسياستها خدمة لدولة خارجية ليست سوى الإمارات، مقابل المال أولاً وأخيراً، في انتظار خطوات قد يقدم عليها المحقق الأميركي الخاص بالتدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الأميركية، روبرت مولر، الذي تكشف صحيفة "نيويورك تايمز" أنه بات مهتماً جداً بالتحقيق في دور جورج نادر كوسيط للإمارات في التأثير على إدارة دونالد ترامب.

لطالما عمل جورج نادر، في الظل خلال 30 عاماً، سواء عندما تولى محاولة التوسط بين أميركا في ظل إدارة بيل كلينتون والنظام السوري، أو في محاولته التوسط بين النظام السوري وإسرائيل في تسعينيات القرن الماضي لمحاولة إبرام اتفاق سلام بين الطرفين، أو عندما أصبح مستشاراً لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد واليد الضاربة للأخير لمحاولة اختراق إدارة ترامب والتأثير على سياساتها بما يخدم مصالح الدولة الخليجية، من خلال صهر الرئيس دونالد ترامب، كبير مستشاريه، جاريد كوشنر، وكبير المخططين الاستراتيجيين لترامب، ستيفن بانون المقال، أو من خلال المتمول الجمهوري اليهودي الصهيوني البارز، إليوت برويدي، صاحب إحدى أكبر شركات المرتزقة في العالم، الناشطة جداً حالياً في الإمارات، بعقود تبلغ قيمتها مئات ملايين الدولارات.


وتذكر صحيفة "نيويورك تايمز" بأن الآراء حول هوية الشخص الذي عزز نفوذ جورج نادر في أوساط الإدارة الأميركية لا تزال منقسمة، بين ستيفن بانون، أو جاريد كوشنر، مع إشارتها إلى أن زيارات نادر إلى البيت الأبيض تكثفت قبل القمة الأميركية ــ الإسلامية التي عقدت في مايو/أيار 2017 في الرياض، وفيها تقرر فرض الحصار على دولة قطر. وأشارت الصحيفة إلى أن جورج نادر شخصية غامضة، موضحة أنه أقنع إدارة بيل كلينتون بأنه يملك علاقات مع الحكومة السورية وقام بدور سري للتوصل إلى سلام بين إسرائيل وسورية، بالتعاون مع رونالد لاودر، الأميركي الصهيوني المعروف على أنه أبرز ممولي قضايا اللوبي اليهودي. وفي التسعينيات أيضاً، ترأس نادر إدارة مجلة تصدر في واشنطن، هي Middle East Insight التي عملت على توفير منصة لمسؤولين عرب وإسرائيليين وإيرانيين لعرض وجهات نظرهم بشكل تكون موجهة للقارئ الأميركي الفاعل في الشأن السياسي العام. وأبرز من دفعت المجلة لإبرازهم على صفحاتها كان الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، ورئيس الحكومة الإسرائيلية المُغتال، إسحق رابين، والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بشكل أصبح يتم تقديم نادر بالنسبة لأوساط في الكونغرس الأميركي على أنه "خبير معروف في شؤون منطقة الشرق الأوسط".

ويقول عنه مارتن إنديك، السفير الأميركي الأسبق لدى إسرائيل إن جورج نادر "كان في أعوام التسعينيات فاعلاً جداً في إطار رادار مسار السلام"، قبل أن يختفي الرجل بشكل غريب وتتوقف مجلته عن الصدور منذ عام 2002. وبحسب "نيويورك تايمز"، فإنه بعد "اختفائه"، أمضى جورج غالبية وقته في الشرق الأوسط، خصوصاً في العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003. وأصبحت له علاقات مع المسؤولين في مجلس الأمن القومي في إدارة جورج بوش الابن، كما أن مؤسس شركة المرتزقة "بلاك ووتر"، إريك برينس، استخدم جورج نادر لمساعدة شركته في الحصول على صفقات تجارية في العراق، قبل أن يقول برينس عنه إنه "لم ينجح في تأمين العقود الكافية" وأن نادر "عمل لمصلحته أكثر من عمله لمصلحة بلاك ووتر".

ثم في بداية الولاية الأولى لباراك أوباما، حاول نادر استغلال علاقاته مع الحكومة السورية من أجل الوصول إلى أبرز أركان فريق السياسة الخارجية لأوباما، مع مواصلته الاهتمام بعقد صفقات مالية مع المستشارين السابقين لإدارة جورج بوش الإبن. هكذا، أصبح الرجل في مطلع 2016 مستشاراً لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، لتصبح مهمته فعل "المستحيل" للتأثير على ترامب وعلى المحيطين به لتكون سياسة واشنطن الخارجية ملائمة لدولة الإمارات. ولم يجد نادر أفضل من الجمهوري الصهيوني إليوت برويدي، لكونه أحد أكبر المتبرعين الماليين لحملة دونالد ترامب، وأحد المقربين منه، ليصبح همّ جورج نادر، ومن خلفه محمد بن زايد، الضغط على ترامب من خلال برويدي في مقابل تأمين عقود مالية هائلة لشركته الأمنية Circinus في إطار عمل المرتزقة في دولة الإمارات، وتأسيس مجموعات عسكرية غير نظامية هناك، بحسب "نيويورك تايمز". وبرويدي (60 عاماً) مستثمر يتخذ من كاليفورنيا مقراً له، ومعروف باهتمامه في منطقة الشرق الأوسط لكونها أكثر منطقة في العالم تنشط فيها الشركات الأمنية الخاصة. وتؤمن Circinus خدمات أمنية للحكومة الأميركية ولحكومات أجنبية، ويقودها ضباط أميركيون متقاعدون، وتقدم نفسها على موقعها الإلكتروني على أنها تستخدم موظفين من كل أرجاء العالم بغية تأمين الحماية الأمنية للأفراد، وللمجموعات، أو تقدم خدمات في "أجواء معادية" وقيادة عمليات أمنية خاصة، وتوفير بنية تحتية للأمن والتدريب الأمني.

وسبق لبرويدي أن وقع في مشاكل قانونية كبيرة على خلفية دفعه مبالغ مالية على شكل رشى. وفي عام 2009، اعترف بأنه مذنب في دفع مليون دولار على شاكلة هدايا غير قانونية لصندوق معاشات التقاعد في ولاية نيويورك، تتضمن تكاليف سفرات واستثماراً في فيلم اسمه Chooch من إنتاج شقيق أحد المسؤولين الرسميين في الولاية. وفي مقابل هذه الهدايا، استثمرت الإدارة مبلغ 250 مليون دولار بالتعاون مع شركة استثمارات إسرائيلية سبق لبرويدي نفسه أن أسّسها. وبموجب إدانته، سدد برويدي لصندوق المعاشات التقاعدية مبلغ 18 مليون دولار على شكل غرامات. أما الفصل الأخطر من فساد برويدي، فقد كشفت عنه مجلة "وول ستريت جورنال" الأميركية أمس، ويتعلق بمفاوضات خاضها الرجل مع شخص متورط بفضيحة شركة 1Malaysia Development المملوكة للدولة الماليزية، والجاري التحقيق بشأنها في أميركا. وبحسب "وول ستريت جورنال"، حاول برويدي وزوجته روبن روزينفيغ التفاوض مع أحد كبار المتورطين في القضية، مقابل نيلهما عمولة بقيمة 75 مليون دولار في حال تمكنا من وقف التحقيقات الجارية في أميركا حول القضية. وتحيل فضيحة 1Malaysia Development إلى أحداث عام 2015 عندما اتهم رئيس الحكومة في حينها نجيب عبد الرزاق بتحويل 700 مليون دولار من موازنة الشركة المذكورة (وهي شركة تعنى بالتخطيط الاقتصادي الاستراتيجي للدولة)، إلى حسابه المصرفي الخاص.

وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصبحت علاقة برويدي مع كل من جورج نادر ومحمد بن زايد وطيدة لدرجة سمحت له بإرسال محضر اجتماعه مع الرئيس دونالد ترامب إلى نادر، عبر البريد الإلكتروني، يبلغه فيه سعيه لترتيب لقاء غير رسمي بين ترامب وبن زايد. ويكتب برويدي في محضر اللقاء، كيف أنه شرح لترامب أنه عائد لتوّه من لقاء جمعه مع بن زايد، وكيف أنه أخبر ترامب عن "أهمية مشروع بن زايد لبناء وحدة مكافحة الإرهاب، وكيف أن فكرة بن زايد استوحاها من كلمة الرئيس الأميركي التي ألقاها خلال القمة الأميركية الإسلامية في الرياض" (مايو/أيار 2017). ويتخلل محضر الاجتماع آراء برويدي المعادية بشدّة لدولة قطر. ويكتب برويدي في محضر اللقاء أن ترامب سأله عن رأيه في وزير الخارجية ريكس تيلرسون فأجابه برويدي أنه "يجب طرده لأن أداءه سيئ". وكان لافتاً أنه في محضر اللقاء، كتب برويدي أنه تحدث وترامب لدقائق عديدة عن السياسة وعن جهود تمويل حملة الحزب الجمهوري للانتخابات النصفية (المقررة في الخريف المقبل)"، وكأن في هذا الكلام تلميحاً إلى طلب تمويلٍ ما، ربما يكون من دولة الإمارات.