جورج مقدسي.. في كتب "الطبقات" كمنهج تاريخي

31 يناير 2020
عمل لـ منير فاطمي
+ الخط -

حظيت كُتب الطبقات بمكانة مهمة في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية، وهي كتب تختصّ بتاريخ فئة محدّدة كتبت بمناهج في البحث التاريخي ابتكرها المؤرخون المسلمون وتقوم على مبدأ التراجم والسير، من فقهاء ونقاد وأدباء وعلماء في حقول شتى.

ومن أشهر هذه المؤلفات "كتاب الطبقات الكبير" لابن سعد، و"الطبقات" للنيسابوري، و"معجم الصحابة" لابن قانع، و"معرفة التابعين" لأبي المطرف الأندلسي.

وعلى الرغم من أهمية هذا التوجّه، وتعدّد المؤلفات ضمنه، لا نجد الكثير من العناية البحثية حوله، وإن لم تخل المكتبة العربية من دراسات كهذه، ومنها كتاب "الطّبقات: مؤلفاتٌ في التراجم بين الفقه وصحيح الدّين في الإسلام الكلاسيكي" للباحث والمؤلف المتخصّص في الدراسات الشرقية جورج مقدسي (1920-2002)، والذي صدر حديثاً عن "مركز تراث للبحوث" في القاهرة، بترجمة علاء عوض عثمان.

يقدّم مقدسي، الباحث اللبناني الأميركي، قراءة معمّقة في الآراء المختلفة حول نشأة فن الطبقات ودراسة مناهج مؤلّفيها، كما لفت النظر إلى أهمية علمي الفقه والكلام في هذا السياق، إلى جانب تسليطه الضوء على النزاع بين أهل الحديث والمتكلّمين وما كان لهذا من أثر كبير على ظهور كتب الطبقات.

يوضّح المؤلف أهمية هذه الكتب في الكشف عن جوانب ومظاهر اجتماعية وسياسية للعصر الذي كُتبت فيه، من خلال الشخصيات التي تقدم التراجم لها، بصورة قلّ نظيرها في الثقافات الأخرى، حيث يجري بناء روح العصر بأكملها من خلال سير وتراجم حياة شخصيات مختلفة في سياق معيّن.

يُعتبر مقدسي من أهم الباحثين الأكاديميين الذي اهتمّوا بالدراسات الإسلامية في الغرب، وخصوصاً تاريخ الفقه في العصور الوسطى، وهي مجالات ألّف حولها العديد من الكتب باللغة الإنكليزية، حيث كان يعمل أستاذاً للدراسات الإسلامية في جامعات "هارفارد" و"ميشيغان" و"بنسلفانيا" الأميركية.

وتأتي خصوصية مؤلفات مقدسي من كونه لا يكتفي بدراسة تاريخ الفكر الإسلامي وحسب، بل يعمل على إجراء مقارنة بين ما كان يحدث في الغرب المسيحي في الوقت نفسه، ليقيم تصوّراً شاملاً حول العلوم والمعرفة في ذلك العصر.

من أبرز مؤلفاته: "الأشعري والأشاعرة في التاريخ الديني الإسلامي"، و"الإسلام الحنبلي"، و"نشأة الكليَّات: معاهد العلم عند المسلمين وفي الغرب"، و"خطط بغداد في القرن الخامس الهجري"، و"ابن عَقيل: الدِّين والثقافة في الإسلام الكلاسيكي"، وقد اهتمّ بشكل خاص بابن عقيل، فحقّق له مجموعة من كتبه ومنها: "الجدل على طريقة الفقهاء"، و"أربع رسائل في القرآن وإثبات الحرف والصوت ردّاً على الأشاعرة"، و"الواضح في أصول الفقه".

وربما يكون من أبرز أعمال مقدسي اكتشافه ما يُعتقد أنها أقدم يوميات خاصة في التاريخ الإنساني، تلك التي دوّنها مؤرّخ بغداد أبي علي بن البناء الحنبلي بخطّ يده في منتصف القرن الخامس الهجري. وقد عثر عليها مقدسي مخطوطةً في "المكتبة الظاهرية" في دمشق، فقام بتحقيقها وترجمة نصّها إلى الإنكليزية. يبقى أن معظم ما كتب مقدسي لم يُترجم الكثير منه إلى العربية.

المساهمون