في مسرحيته "تقاسيم على الحياة" التي عرضها في عدّة مدن عربية منذ عام 2018، يختار المخرج العراقي جواد الأسدي (1947) مصحّ الأمراض النفسية مكاناً تدور فيه أحداثها، في محاولة لإسقاط نص "الزنزانة رقم 6" للكاتب الروسي أنطون تشيخوف الذي استند إليه في تفكيكه للراهن العربي، والعراقي خاصة.
قارب العمل المصحّ الكبير الذي يعيش فيه العرب اليوم، خلال مجموعة شخصيات موجودة داخل عنبر في أحد مستشفيات الأمراض العقلية، والتي تدخل في حوار فلسفي ومعرفي لتعرية ما يجري حولنا من التقلبات السياسية والإنسانية والوجودية.
"حنين حار" عنوان مسرحيته الجديدة التي تُعرض عند السادسة من مساء اليوم الإثنين على خشبة "مسرح الرافدين" في بغداد، ويشارك في أدائها كلّ من مناضل داود وآلاء نجم والموسيقي أمين مقداد، بدعم من وزارة الثقافة العراقية، ويعاد عرضها في الموعد نفسه غداً الثلاثاء.
العرض من تأليف الأسدي أيضاً الذي كَتب عدداً من مسرحياته، يذهب هذه المرة إلى مساءلة العلاقة بين زوجين وطبيعة المشاعر التي يحملونها لبعضهما بعضاً، وتقلّبها مع مرور الزمن وتفاعلهما مع ذاكرتهما والتحوّلات السياسية والاجتماعية من حولهما.
وكمعظم أعماله السابقة، يفضّل صاحب "نساء الساكسفون" معالجة أفكار وقضايا تتصل بالحاضر سواء في تقديمه لنصوص عالمية أو عربية أو من إعداده، حيث يقول في مقابلة سابقة: "أجد في اللاوعي، أن ثمّة طلاقاً حقيقياً وقطيعة مع الماضي.. وليست لديّ الشهوة والرغبة في التعامل مع الماضي أو التراث على سعته وعظمته".
كما يقترب الأسدي أكثر في عدد من مسرحياته الأخيرة مثل "نساء في الحرب" و"حمام بغدادي" من الكوارث التي مرّت على بلاده خلال العقود الماضية، ولا تنفصل هذه "العودة" عن تصريحاته المتكرّرة حول الأزمة التي يعيشها المسرح العراقي والذي وصفه بأنه "مسرح بلا رئة".
وربما أتى تقديمه لمسرحيته "حنين حار" استناداً إلى هذه الخلفية، حيث يكتب: "حنين، لمعاودة نهوض ملحمي يعيد ألق بلاد الرافدين إلى سابق عهده الأسطوري والفلسفي والمعرفي، حنين للفتوة المتفردة وهي تعيد كتابة الإنسان العراقي الحر، حنين لمسرح عراقي يعيد أنوار مسرح الشعب الذي كتبه روّاد العراق العظام".
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يصف أمين مقداد العرض بقوله "هي قصة مبنية على حنين عالٍ لكثير من الأشياء بطابع رومانسي درامي لا يخلو من المفاجآت، ويتضمّن رسائل كثيرة على وبين السطور ترتبط بشكل وثيق بما كان ولا يزال يحدث في طيات أيام هذا البلد والبلاد التي تحلم بالضوء"، مضيفاً "دوري فيه كمؤلّف موسيقي وعازف كجزء من بنية العمل والقصة على حد سواء. ممثل حاضر بشخصية لها اسم وفعل ونص لغوي وموسيقي".