جنيف 4: شكل بلا مضمون والمعارضة تستعيد زمام المبادرة

24 فبراير 2017
نصر الحريري: تلقينا وعوداً إيجابية من دي ميستورا(ناصر السهلي)
+ الخط -
بدا اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر جنيف بنسخته الرابعة يوم الجمعة، أكثر هدوءاً مقارنة مع فوضى اليوم الأول الذي حاول عراب المؤتمر، المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، توجيه ضربة قوية خلاله إلى المعارضة السورية، من خلال تجزئة ممثليها إلى ثلاثة وفود: "أساسي" يجسده 21 مفاوضاً من "وفد قوى الثورة والمعارضة" الذي شكلته الهيئة العليا للتفاوض، ومجموعتين "ثانويتين" تختصران بمنصتي القاهرة وموسكو. لكن اليوم الثاني ظلت سمته "شكل بلا مضمون"، بلا جدول أعمال، بلا تنظيم واضح لشكل الجلسات ومواعيدها. وفي حين خرج وفد الهيئة العليا من صدمة ما حصل في الجلسة الافتتاحية يوم الخميس لناحية مشاركته الاضطرارية فيها لتفادي الانسحاب من المؤتمر، ظهر يوم الجمعة، في لقاءاته مع كل من دي ميستورا وممثلين عن دول غربية مشاركة في غرفة التواصل حول سورية، برئاسة نصر الحريري، أكثر تماسكاً وارتياحاً، بينما ظلّ دي ميستورا مصرّاً على تسجيل نجاح، ولو كان شكلياً، ليضمن محاولة تأمين تمديد لولايته التي تنتهي في آخر مارس/آذار المقبل، بينما تفيد معلومات "العربي الجديد" بأن الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يفضّل استبدال الدبلوماسي الإيطالي ــ السويدي نتيجة فشله في تحقيق أي نجاح طيلة ثلاث سنوات ونصف السنة من عمله (عُين صيف 2014 بدل الأخضر الإبراهيمي).

وانطلق اليوم الثاني بلا جدول أعمال للمؤتمر، فعقد دي ميستورا مجموعة من الاجتماعات لتحديد مثل هذا الجدول من دون تسجيل تقدم حقيقي على هذا الصعيد، في ظل الخلاف على ماهية بند "الانتقال السياسي" بين المعارضة التي تراه انتقالاً من النظام الحالي إلى آخر ديمقراطي، ووفد النظام الذي يرى في هذا الانتقال السياسي كلاماً فارغاً.  وبدأ يوم الوفد المفاوض باجتماع داخلي لتنسيق الاجتماع الذي حصل عصراً مع دي ميستورا، كذلك عقد وفد الهيئة العليا للتفاوض اجتماعاً آخر مع أعضاء منصة القاهرة التي رفض ممثلها الأبرز، جمال سليمان، إدخال أي طرف في وفد آخر، في رد مباشر على شرط وفد الهيئة العليا للتفاوض حصر المعارضين بوفد واحد يمكن توسيعه ليضم أعضاء منصة القاهرة. أما اللقاء بين دي ميستورا ووفد النظام، فانتهى إلى ما يشبه المؤتمر الصحافي المقتضب الذي دام بضع دقائق قال فيه رئيس الوفد بشار الجعفري ما حرفيته إن "اللقاء اقتصر على تدارس شكل الجلسات فقط"، مشيراً إلى أنه استلم ورقة من دي ميستورا على أن يرد على مضمونها في وقت لاحق.

وبدا الارتياح واضحاً في المؤتمر الصحافي لنصر الحريري وبقية أعضاء الوفد، إذ قال الحريري بعد الاجتماع مع دي ميستورا إن الاجتماع كان جيداً، معترفاً أنه لم يحمل "خطوة كبيرة لكن سنعمل من أجل ذلك". وعن شكل المفاوضات، أجاب الحريري أن هذا سيكون جزءاً من الترتيبات التي "تتم الآن مناقشتها". وأوضح الحريري أن الانتقال السياسي يعني بالنسبة لنا ما عناه بيان جنيف 1، أي هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، لافتاً إلى أنه "ليس على دي ميستورا إلا تطبيق القرارات الدولية الخاصة بالانتقال السياسي، وليس أن يطبق ما يسمعه من هذا الطرف أو ذاك". ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد"، نفى نصر الحريري أن يكون وفده قد تلقى أي كلام بمثابة تهديد من دي ميستورا، مكذباً ما نشرته بعض وسائل الإعلام حول أن المبعوث الأممي لوّح بـ"حلب ثانية" في حال انسحاب وفد الهيئة العليا من مؤتمر جنيف. كذلك كشف أن "وفد المعارضة السورية تلقى وعوداً إيجابية من المبعوث الدولي"، موضحاً أنه "تم بحث القضايا الإنسانية، والتأكيد على وقف خروقات النظام لوقف إطلاق النار".


على صعيد آخر، قال مصدر من داخل وفد المعارضة السورية إنها تعيش "حالة صدمة" مما حصل في الجلسة الافتتاحية، مضيفاً في حديث خاص لـ "العربي الجديد" أن وفدها الذي توجه إلى الأمم المتحدة يوم الخميس تكوّن من عدد من أعضاء الوفد وعدد من أعضاء الهيئة، وذلك بهدف التأكيد على أن ما جرى في الجلسة الافتتاحية غير مقبول، حسب قوله. وعن إصرار المعارضة على أن يكون الوفد المفاوض باسم المعارضة محصوراً بالهيئة العليا، توقع المصدر أن يحاول دي ميستورا العودة إلى نقطة الصفر، خاصة في ظل اهتمام روسيا بالاجتماعات المتكررة في أستانة من جهة، وعدم وضوح رؤية الولايات المتحدة تجاه الملف السوري من جهة ثانية. ويسود اعتقاد لدى القيادة الروسية أن عليها مفاوضة ممثلي المجموعات المقاتلة التي تمثل المعارضة السورية، للوصول إلى حل يلبي تطلعات النظام بتشكيل حكومة وحدة وطنية تحت سقف رئيس النظام بشار الأسد، وذلك على غرار تجربتها في الشيشان. ونقلت صحيفة "الوطن" السورية الموالية عن مبعوث الكرملين الخاص إلى سورية، رئيس الوفد الروسي في اجتماع أستانة ألكسندر لافرنتييف، قوله إن "أستانة لا تقتصر على القضايا العسكرية، وفي المستقبل قد تناقش التسوية السياسية إذا اقتضى الأمر"، في تفريغ لمؤتمر جنيف من مضمونه فعلياً. وأضاف لافرنتييف أن "علينا انتظار نتائج جنيف 4، وإذا نجح المبعوث ستيفان دي ميستورا في تحريك الحوار السوري من هذه النقطة المتوقفة عندها فستكون قد حققت نتائج سنواصلها في أستانة".

في المقابل، أبلغ مسؤولون أميركيون وفد المعارضة السورية في جنيف، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تركز على عملية القضاء على التنظيمات الإرهابية وتثبيت مناطق النفوذ في سورية، وغير مهتمة بالفترة الحالية بتطور الملف السياسي (في إشارة إلى مؤتمر جنيف). وقال مصدر دبلوماسي أميركي لـ"العربي الجديد" إن الإدارة الأميركية الجديدة أخبرت المعارضة السورية موقفها الحالي تجاه الملف السوري، مضيفاً أن "واشنطن مرتاحة للاجتماعات الجارية في أستانة، إذ إنها تركز على وقف إطلاق النار، وتناقش موضوع مقاتلة التنظيمات الإرهابية التي تعتبر أولوية لترامب". ويبقى الاتحاد الأوروبي الجهة الوحيدة التي تحاول دفع العملية السياسية، وذلك بسبب خوفه من أن يأخذ الروس المسار السياسي بالكامل إلى أستانة. وقال مصدر آخر مطلع لـ"العربي الجديد" إن "الاتحاد الأوروبي غير مرتاح لما يحدث في أستانة"، مضيفاً أن المعارضة السورية "تريد تفعيل دور الاتحاد الأوروبي في الملف السوري". وكانت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني قد التقت مسؤولين في المعارضة السورية في بروكسل في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وسلمتهم ورقة غير رسمية، تضمنت "مناقشة مستقبل سورية"، وأكدت فيها أن دور الاتحاد يأتي في مرحلة ما بعد الصراع من أجل المشاركة في إعادة الإعمار. وفي السياق، علم "العربي الجديد" من مصدر تركي مطلع أن الأتراك غير متفائلين على الإطلاق بإمكانية حصول أي اختراق في مفاوضات جنيف 4، وأن حضورهم ومساهمتهم جاءا من باب توجيه رسالة طمأنة إلى الجانب الأوروبي، وبالذات الفرنسيين والألمان، بأن مباحثات أستانة لا تعني استبعادهم من الأزمة السورية. وكذلك كانت محاولة لإعطاء زخم للعملية التفاوضية إلى حين رد الأميركيين على العرض التركي في ما يخض السيطرة على كل من مدينة منبج والرقة.


وعلمت "العربي الجديد" من مصدر مطلع في صفوف المعارضة السورية أن هناك ضغوطاً من الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيريس، على دي ميستورا للتخلي عن منصبه، بسبب فشله في تفعيل العملية التفاوضية وضرورة إفساحه المجال لمبعوث أممي آخر. لكن دي ميستورا يحاول تحقيق أي شيء في المفاوضات، في سبيل الدفع نحو استمراره في منصبه. وعادت الأروقة لتداول بعض الأسماء لخلافة دي ميستورا منها سيغريد كاغ، والتي تشغل حالياً منصب ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، وترأست البعثة الدولية لتدمير الترسانة الكيماوية، كما أنها تتقن العربية، وكذلك يتم تداول اسم المبعوث الأممي السابق لليمن جمال بن عمر. علماً أن ولاية دي ميستورا الحالية ستنتهي في مارس/آذار المقبل.

وبعيداً عن التقسيمات الرائجة في ما يخص المعارضة السورية، بين عسكريين ومدنيين، تبدو الأمور في جنيف مختلفة، إذ تظهر المعارضة السورية وكأنها مكونة من ثلاثة تيارات رئيسية: الأول ممثل بالائتلاف السوري المعارض، والذي يعتبر الكتلة الأكبر وهو متحالف مع الفصائل العسكرية على الأرض. أما الكتلة الثانية فهي ممثلة بهيئة التنسيق المعارضة التي تمثل "معارضة الداخل" وتمتلك مواقف أقل حدة تجاه النظام. أما الحاضر الأكبر والغائب عن الإعلام فهو مجموعة البيروقراطيين المنشقين، والذين بدا وكأنهم يلعبون دوراً كبيراً واستثنائياً في إدارة الأمور ضمن الوفد، على الرغم من غياب رئيس الهيئة العليا للتفاوض، رياض حجاب، بسبب أزمة قلبية يتعالج منها في الولايات المتحدة الأميركية. ويؤكد مصدر معارض لـ"العربي الجديد" ذلك بأن "البيروقراطيين المنشقين يلعبون دوراً مهماً ومحورياً في ما يخص دفة توجهات المعارضة، بسبب علاقاتهم المباشرة مع الدبلوماسيين الداعمين للمعارضة السورية، والذين يفضلون الحديث معهم، ولكن هناك جانباً آخر يجب أن يتم النظر إليه في ما يخص دور البيروقراطيين، وهو أن المعارضة، على عكس ما يدعي بعضهم حول عدم قدرتها على إدارة البلاد ليبرروا ضرورة بقاء النظام بحجة الحفاظ على مؤسسات الدولة، فهي تضم في صفوفها آلاف البيروقراطيين المنشقين، والذين لديهم باع طويل في إدارة الدولة".

المساهمون