إذا كان مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي مستورا، استبق انعقاد جنيف 4 الخميس الماضي، بالتصريح بأن اللقاء بين النظام السوري والمعارضة لن يحقق اختراقاً، فلماذا انتظار خروج الدخان الأبيض من مداخن المدينة السويسرية؟
تحولت جنيف إلى مسرح للعبث السوري، منذ انعقد في فنادقها أول مؤتمر حول سورية في يونيو/حزيران 2012، والذي بات يُعرف بجنيف 1. وقد كان المؤتمر بين أطراف دولية وعربية، برعاية الأمم المتحدة، من أجل وضع خارطة طريق لحل سلمي في سورية. وقاد العملية في ذلك الحين مبعوث الأمم المتحدة، كوفي عنان، الذي نجح في انتزاع مرجعية جنيف 1 التي تم اعتمادها من قبل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومن يراجع تفاصيل الحراك الدبلوماسي الدولي في تلك الفترة، يقف عند حقيقتين أساسيتين: الأولى، أن المفاوضات بين المعارضة والنظام هدفها الوصول إلى صيغة لرحيل رأس النظام بشار الأسد. والثانية هي أن روسيا تقف ضد كل تحرك يسير في هذا الطريق. هذه الثنائية تحكّمت في مسار جنيف 2 في عام 2014، ومن ثم جنيف 3 في 2016، وها هي تفرض نفسها على جنيف 4، في ظل تغيرات كبيرة تحكّمت في المشهدين الميداني والسياسي خلال السنة الماضية، أملاها، في صورة أساسية، التدخل الوحشي الروسي إلى جانب نظام الأسد، الذي كان على وشك السقوط في صيف 2015.
في كل مرة يذهب وفد المعارضة إلى جنيف يحمل معه مرجعيات التفاوض التي أقرتها الأمم المتحدة، لكنه يجد أمامه وفداً من موظفي نظام الأسد، يتحرك وفقاً لتعليمات روسية وإيرانية. وفي كل مرة ينجح وفد النظام في إفشال المؤتمر، من دون أن يصدر عن الأمم المتحدة أي رد فعل يضع الأمور في نصابها. مهندس جنيف 1، كوفي عنان، استقال حين اكتشف مبكراً، بحسه السياسي والمهني، عدم جدوى الرهان على هذا الطريق العبثي، وخليفته الأخضر الإبراهيمي استقال هو الآخر كي ينأى بنفسه عن المهزلة التي لم يتأخر في تحميل مسؤوليتها للنظام. أما دي ميستورا فإنه صامد في مهمته، التي صارت تتغير، شكلاً ومضموناً، حتى باتت في الأشهر الأخيرة أشبه بمسرحية هزلية تبعث على الأسى.
في فترة الانكفاء الأميركي، التي طبعت حكم الرئيس السابق، باراك أوباما، تراجعت الأمم المتحدة حيال الشأن السوري إلى حالة سوريالية، بعد أن صارت روسيا بمكانة القطب الدولي المهيمن الذي قاد إلى وقف إطلاق نار في سورية بشروطه، وعلى طريقته، كي يخدم بقاء نظام الأسد في الحكم، ومن ثم ابتكرت عملية تفاوض في أستانة، هي أقرب ما تكون إلى لعبة تتدرج إلى تفريغ المعارضة من جوهرها، وتحويلها من جسم فاعل إلى منصة، مثل منصة موسكو، غير القادرة على تسيير تظاهرة من عشرة أشخاص.
إذا كانت المعادلة مختلّة في مجلس الأمن الدولي، وتتحكم روسيا والصين فيها، فلماذا يتوجّب الرهان على مؤتمر جنيف من أجل إنتاج حل سوري عادل؟ لقد كان اجتماع مجلس الأمن، الثلاثاء، لمناقشة استخدام النظام السوري أسلحة كيماوية، مناسبة جديدة لروسيا كي تؤكد أن النظام السوري خط أحمر حتى اللحظة، فهي أسقطت مشروع قرار أميركي فرنسي بريطاني معتدل نسبياً، لكنه يثبت على النظام استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين ثلاث مرات. وكالعادة، لجأت روسيا إلى حق النقض (الفيتو)، في حين اكتفت القوى الدولية الأخرى باستنكار تصرف موسكو لا غير. جنيف 4 واجتماع مجلس الأمن مناسبتان هامتان لاستطلاع موقف الإدارة الأميركية الجديدة، لكنها لم تتحرك في الحالتين، في حين استمر التصعيد الميداني من قبل النظام السوري وإيران وروسيا على الجبهات كافة، من أجل تركيع المعارضة في جنيف كي تقبل ببقاء النظام، وتغيّر اتجاه البوصلة نحو محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).