جنوب سورية: مواجهة منتظرة بين قوات النظام و"جيش خالد"

12 يوليو 2018
أصبحت قوات النظام على تماس مع "داعش"(محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -

ما إن شارفت العملية العسكرية لقوات النظام السوري، المدعومة بالطيران الروسي، على الانتهاء مع فصائل المعارضة المسلحة في جنوب سورية، حتى بدأت تلوح بوادر صدام عسكري، من المتوقع ألا ينتهي سريعاً، بين قوات النظام، المدعومة من الطيران الروسي، وبين فصيل متشدد مبايع لتنظيم "داعش".

ويحاول النظام من خلال هذا الأمر تسويق نفسه على أنه يحارب الإرهاب في حملته على الجنوب السوري، وينهي معاركه بانتصار على فصيل مصنف كإرهابي، في الوقت الذي كان بإمكانه أن ينهي هذا الفصيل من خلال جبهات أخرى ومن خلال إمكانيات أقل بكثير من تلك التي وضعت للسيطرة على محافظة درعا. هذا فيما يؤكد الفصيل أنه مستعد للمواجهة، ودشنها، أول من أمس، بعملية انتحارية أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من قوات النظام، التي باتت على تماس مع هذا الفصيل.

وتواصل قوات النظام، بدعم وتسهيل من روسيا، ضم المزيد من القرى والبلدات في درعا إلى مناطق سيطرتها دون قتال، مركزة على الريف الشمالي للمحافظة بعد استكمال بسط نفوذها في الريف الشرقي ومركز المدينة وتمددها على طول الحدود مع الأردن وصولاً إلى مناطق سيطرة "جيش خالد" في حوض اليرموك بريف درعا الجنوبي الغربي. وقالت مصادر محلية إن الشرطة العسكرية الروسية دخلت إلى بلدة طفس في ريف درعا الغربي، بعد اتفاق "مصالحة" بين فصائل وممثلي بلدة طفس والجانب الروسي، يشمل أيضاً محيط البلدة والتلال القريبة منها. ومع سيطرتها على هذه المنطقة، تصبح قوات النظام على تماس مع "جيش خالد" من الجهة الشرقية بعدما كانت تمتلك محوراً واحداً من جهة بلدة حيط عند الحدود السورية ــ الأردنية، حيث اندلعت اشتباكات بين الجانبين على هذا المحور.

وتمهيداً لانطلاق العملية، شن الطيران الروسي، أمس الأربعاء، غارات على بلدة سحم الجولان بريف درعا الغربي، بعد يوم من إعلان "جيش خالد بن الوليد" مقتل وإصابة العشرات من قوات النظام والقوات الروسية بتفجير سيارة مفخخة بمقر لهم غرب درعا. وذكرت وكالة "أعماق"، الناطقة باسم التنظيم، أن أحد انتحاريي "داعش" تمكن من الوصول إلى تجمع للقوات الروسية وقوات النظام في سرية سد زيزون بريف درعا الغربي وفجر سيارته المفخخة بهم، موقعاً أكثر من 35 قتيلاً، و15 جريحاً، بينهم ضباط، إضافة إلى تدمير دبابتين وعدة آليات ثقيلة. وجاءت العملية من قبل التنظيم بعد أقل من يومين على انتشار قوات النظام والشرطة الروسية على طول الحدود السورية الأردنية، واقترابها من خطوط التماس مع "جيش خالد"، ما ينذر باقتراب مواجهات كبرى في تلك المنطقة. من جانبها، نفت وزارة الدفاع الروسية صحة ما أعلنه "جيش خالد" حول قيامه بقتل عسكريين روس في درعا، مشيرة إلى أن تلك الأنباء حول سقوط العسكريين الروس في سورية يلفقها عناصر "داعش" بشكل متعمد.





وتدل كل المؤشرات على أن مواجهة مع "جيش خالد" باتت على الأبواب، بعدما سيطرت قوات النظام على نحو 78 في المائة من مساحة محافظة درعا، وفق مصادر إعلامية تابعة للنظام، والتي أشارت إلى تقلص نسبة سيطرة المعارضة السورية في محافظة درعا، التي تبلغ مساحتها نحو 4 آلاف كيلومتر مربع، إلى 15.4 في المائة، فيما يسيطر "جيش خالد" على 6.6 في المائة من مساحة المحافظة. بموازاة ذلك، أكد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن "جيش خالد" بدأ بمنع المدنيين من النزوح من مساكنهم وقراهم وبلداتهم في حوض اليرموك بالقطاع الغربي من ريف درعا. ونقل "المرصد" عن مصادر أهلية قولها إن "استياء متصاعداً يسود أوساط الأهالي الراغبين بالنزوح خشية من عملية عسكرية ضد المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش خالد بن الوليد"، مؤكداً خروج أكثر من 10 آلاف شخص، من بينهم آلاف الأطفال والنساء، خلال الأيام القليلة الماضية، نحو ريف القنيطرة والحدود مع الجولان السوري المحتل، مشيراً إلى أن المدنيين يتخوفون من عملية عسكرية، بعدما وصلت قوات النظام إلى خطوط التماس مع "جيش خالد" في منطقة حوض اليرموك، حيث تمددت قوات النظام على الشريط الحدودي مع الأردن. وليست هناك إحصائيات يمكن الركون إليها لعدد المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها الفصيل المبايع لتنظيم "داعش"، لكن مصادر محلية أكدت وجود عشرات آلاف المدنيين في هذه المناطق التي استقبلت أخيراً نازحين من ريف درعا والقنيطرة.

وكان "جيش خالد بن الوليد" قد ظهر في مايو/ أيار 2016، بعد اندماج عدة فصائل متشددة في تشكيل واحد، أبرزها لواء "شهداء اليرموك"، الذي تشكّل في سورية في 2012، من نحو 200 مقاتل، وذاعت شهرته بعدما اختطف 21 جندياً فيليبينياً من قوات حفظ السلام الأممية على خط الفصل في الجولان المحتل، أوائل مارس/ آذار 2013. كما يضم "جيش خالد" كلًا من حركة "المثنى الإسلامية"، وهي جماعة إسلامية سلفية، تشكلت في العام 2012، و"جيش الجهاد" الذي ضم فصائل منشقة عن "جبهة النصرة" في جنوب سورية. واستطاع "جيش خالد" انتزاع السيطرة على 16 قرية وبلدة في منطقة حوض اليرموك في أقصى ريف درعا الغربي، عند ملتقى حدود سورية والأردن وإسرائيل، إذ لا يبعد عن الحدود السورية الأردنية والسورية الإسرائيلية سوى بضعة كيلومترات، وأبرز هذه البلدات سحم الجولان، وبيت آرة، وكويا، ومعربة، ونافعة، والشجرة، وجملة، وجلين، وعدوان، والشبرق، وتسيل، وعين ذكر، وهي تمتد على نحو 250 كيلومتراً مربعاً. وكان من الواضح أن النظام دفع باتجاه "خلق" تنظيم "داعش" في جنوب البلاد ليكون "فزّاعة" وورقة ضغط على محافظة السويداء المتاخمة لدرعا، تحسباً من أي حراك يؤدي لخروجها عن سيطرته. كما هدف النظام إلى خلط الأوراق في الجنوب السوري من خلال تمهيد الطريق أمام بروز التنظيمات المتطرفة كي تكون ذريعة له لضرب المعارضة السورية.

وانتبهت المعارضة السورية مبكراً لخطط النظام، فخاضت العديد من المعارك مع "جيش خالد"، وصدت عدة هجمات له، من دون مساندة دولية، حتى استطاعت محاصرته في حوض اليرموك والحد من خطورته، فيما لم تسجل غارة جوية واحدة من قبل النظام ضد التنظيم منذ إعلان تشكيله في الجنوب السوري، بل تم نقل قيادات من هذا التنظيم، كانوا في جنوب دمشق، إلى منطقة حوض اليرموك، معقل "جيش خالد"، إبان حملة قوات النظام على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوب دمشق. ويصف تنظيم "جيش خالد" فصائل المعارضة السورية المسلحة بـ"صحوات الردة"، متهماً إياها بتسليم محافظة درعا للنظام وحلفائه الروس، مؤكداً تصميمه على المواجهة العسكرية مع قوات النظام التي تتحفز لمهاجمة معاقله. وسبق لتنظيم "داعش" أن دخل بمواجهات مع قوات النظام في العديد من المناطق السورية، ولكن عدداً منها انتهى باتفاقيات تصفها المعارضة بـ"المشبوهة"، إذ نقل النظام و"حزب الله" عناصر من "داعش" من منطقة القلمون الغربي إلى بادية دير الزور، كما نُقل عناصر من التنظيم من أحياء جنوب دمشق إلى البادية السورية. ولم تتضح بعد أبعاد المعركة في جنوب سورية مع التنظيم، ولكن يبرز سيناريوهان يحكمان الصراع، الأول سحق عناصر "جيش خالد" بشكل كامل من قبل قوات النظام والطيران الروسي، ما يعني ارتكاب مجازر بحق المدنيين، الذين عادة ما يدفعون الثمن جراء هذه الصراعات. والثاني، إجراء تسوية مع التنظيم، بحيث يتم نقل عناصره إلى البادية السورية التي لا يزال التنظيم يصول ويجول فيها ويسيطر على مساحات داخلها. ولا يبدو أن الأردن وإسرائيل سيكونان بمعزل عما يجري في منطقة حوض اليرموك، وهما اللتان سهّلتا لقوات النظام العودة مرة أخرى إلى حدودهما للتخلص من تنظيم "جيش خالد" الذي يعد مصدر قلق للدولتين.