جنوب السودان: دخول مصر في الصراع يُعقّد المفاوضات

10 أكتوبر 2014
مساعٍ للقاء بين سلفاكير ومشار (زكرياس أبو بكر/فرانس برس)
+ الخط -
تجري الهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق إفريقيا "إيجاد" سلسلة اتصالات مكوكية لعقد لقاء ثالث بين رئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، وزعيم المتمردين، رياك مشار، في أديس أبابا، لحسم جملة من القضايا المتعلقة بتكوين الحكومة الانتقالية، لا سيّما بعد اتفاق طرفي التفاوض على إقرار نظام الفدراليّة في البلاد.

وتنقضي بعد غد الجمعة، المهلة الثانية التي حدّدتها "إيجاد" للطرفين المتحاربين في الدولة الجديدة، منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، للاتفاق على حكومة انتقاليّة ووقف دائم لإطلاق النار، من دون إحراز أيّ تقدم يذكر، مع استمرار المعارك في مناطق الجنوب المختلفة، واستنفاد "إيجاد" أوراق الضغط كافة، تزامناً مع انشغال المجتمع الدولي والإقليمي بالحرب ضد تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش)، والتي سحبت بدورها الاهتمام بالشأن الجنوبي.

وبات وضع "إيجاد" ومصداقيتها مهزوزين، بعد مطالبات الوفد الحكومي المفاوض بنقل مقرّ التفاوض من أديس أبابا الى كينيا وعدم ثقة الأطراف الجنوبية المفاوضة في معظم الدول التي تمثلها "إيجاد"، خصوصاً بعد تورّطها في المسرح الجنوبي. ويُصعّب ذلك مهمات الوساطة ويعقّد الحلول، خصوصاً وأنّ الأطراف المتفاوضة عادة ما تنظر إلى مقترحات "إيجاد" بنوع من الريبة والشكّ، وعادة ما تبحث في داخلها عن مصالح تلك الدول.

ومع تشكيك وفدي التفاوض في حياديّة "إيجاد"، عبر اتهامات تُوجّه الى دول في حد ذاتها، واتفاق "أصحاب المصلحة" مع ذلك الاتجاه، (الأحزاب الجنوبية والمعتقلون العشرة ومنظمات المجتمع المدني)، تصبح "إيجاد" عاملاً من عوامل تأخير الوصول الى حلّ سلمي لقضيّة دولة جنوب السودان، علماً أنّها بدأت بقضيّة سياسيّة، كان من السهل حلّها في ظل وجود وساطة حقيقة محايدة لا مصلحة لها في الحرب. لكنّه ومع مشاركة بعض دول "إيجاد" في تغذية الحرب، عبر دعم أحد أطرافها، تطوّرت المشكلة إلى حرب أهلية وانزلقت نوعاً ما إلى حرب قبليّة.

وعُلّقت الوساطة، الأحد الماضي، المفاوضات الجنوبية ــ الجنوبية لتُستأنف في السادس عشر من الشهر الحالي. وعلى الرغم من تحديد موعد الجولة لإحداث اختراق في ما يتعلق بالاتفاق على نظام الحكم الفدرالي، الذي ظلت جوبا ترفضه، لكنّ عقبة أساسية بقيت قائمة وتتعلّق بشكل ومهمات الحكومة الانتقالية ومقرّها وحجم التمثيل داخلها، الى جانب عدد وزرائها ومدتها ومهمات رئيس الدولة ورئيس الوزراء. وقادت هذه المسائل الوساطة الى تعليق المفاوضات، باعتبارها قضايا أساسية تتطلب قرارات من قادة وفدي التفاوض (سلفاكير ومشار).

وتُصعّب عقدة إضافية الوصول إلى حلول سريعة، تتمثل في دخول مصر إلى المسرح الجنوبي بقوة، خصوصاً بعدما أصبحت جوبا أخيراً ملعباً للصراع الإقليمي، وسط معلومات مؤكدة حصلت عليها "العربي الجديد"، عن أنّ القاهرة تعاونت مع جوبا عبر مدّها بمعونات عسكرية، وقد وُجدت في إحدى ساحات القتال بقايا أسلحة وذخيرة للجيش الجنوبي، عليها علامة صناعة مصرية.

وسبق للمتحدث الرسمي باسم الوفد المفاوض لمجموعة المتمردين، يوهانس موسى، أن كشف عن تقارير وصلتهم من قبل قواتهم في الميدان، تشير إلى وجود سلاح مصري، لكنه حرص على التأكيد أنّهم لم يستقصوا جليّاً المسألة، ما يشير الى أنهم لا يريدون اتهام مصر صراحة، خصوصاً وأن الأخيرة سبق وأن فتحت معهم خطوط تواصل.

ونشطت أخيراً الحركة الدبلوماسية المصرية ــ الجنوبية، وتبادل الطرفان مجموعة من الزيارات كانت آخرها زيارة وزير الخارجية الجنوبي، برانابا بنيامين، الى القاهرة، لترتيب زيارة مرتقبة لسلفاكير الى مصر. ويُزعج هذا التقارب الخرطوم وأديس أبابا، لا سيّما وأنّ ظهور مصر كلاعب جديد في المسرح الجنوبي، يرتبط بقضيّة سد النهضة الإثيوبي، إذ تخشى الدولتان من التمدد المصري في جوبا، ما يمكن أن يشكل ضرراً كبيراً عليهما، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في إذكاء الصراع الجنوبي ــ الجنوبي.

وفي سياق متّصل، ينفي المستشار الإعلامي للرئيس الجنوبي، ويك أتينج لـ"العربي الجديد"، وجود "تعاون عسكري بين القاهرة وجوبا أو استخدام سلاح مصري في المعارك". ويقول: "يمكن أن نجد سلاحاً قادماً من السودان ولن يكون مكتوب عليه صنع في السودان"، في إشارة إلى اتهام الخرطوم بدعم المتمردين.

وكان خبير كيني سلّم أخيراً الأطراف المتفاوضة في أديس أبابا والوساطة، مقترحاً جديداً لحلّ الأزمة في جنوب السودان، شرح فيه النظام الأفضل للدولة الوليدة، وصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وضمّنه تجارب دول مماثلة. ويُنتظر أن تعكف الأطراف المختلفة في الجولة الجديدة على دراسة المقترح الذي وجد تجاوباً من وفدي الحكومة والمتمردين.

المساهمون