لم يزر جنبلاط هذا المكان منذ عام ٢٠٠٨، حين أعلن عن استدارته السياسية عقب أحداث ٧ أيار (اجتياح حزب الله للعاصمة بيروت). وعلى الرغم من الاختلاف مع جعجع على مجمل الملفات وفي شتّى المجالات، يجد جنبلاط اليوم أنّ الحوار والنقاش لازمان مع كل الأطراف وبين بعضها البعض أيضاً. سبق أن زار رئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، ولو أنّ مشاكله متشابهة مع "الجنرال" (لقب عون)، فلا ضير في تفعيل موقعه الوسطي واستكمال جولته لتشمل جعجع.
كان اللقاء هادئاً وجلسته سلسلة، تخلّله تبادل هدايا ثقافية وكتب عربية وفرنسية، والقليل من المزاح و"المسايرة" والكثير من النقاش حول قضايا صغيرة وكبيرة. يجمع مسؤولون في الحزبين على إيجابية اللقاء وجديّته وعلى إيجابيته في الشكل وعلى المستوى الشخصي، أما أبعد من ذلك فلا نتيجة مستجدة ولا خلاصات تقدّم الحلول للأزمة اللبنانية على مستويي شغور رئاسة الجمهورية والانتخابات النيابية.
أفضى لقاء معراب (مقرّ إقامة جعجع، في كسروان)، إلى تكريس التباينات والاختلاف بين جعجع وجنبلاط على أبرز النقاط الداخلية، تحديداً الملف الرئاسي وقضية التمديد لمجلس النواب. وفي هذا الإطار أشارت مصادر لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "النقاش الرئاسي لم يتعدّ حدّ التشديد على ضرورة انتخاب رئيس جديد والخروج من الأزمة الحالية".
ويضيف أحد المشاركين في اللقاء أنّ "لا جنبلاط زار معراب لإقناع جعجع بسحب ترشيحه من هذا الاستحقاق، ولا الأخير أراد إقناع الأول بانتخابه في المجلس النيابي".
أما ملف التمديد فكرّس الاختلاف الجدي بين الرجلين، إذ شدّد جنبلاط وجوب المضي في هذا الخيار "على الرغم من ثمنة على حساب احترام الديموقراطية وحقوق الناس". مشيراً إلى عدم استعداد المؤسسات المعنية لإجراء الانتخابات وإلى غياب قانون انتخابي جديد، بالإضافة إلى الوضع الأمني الذي يهدّد إتمام استحقاق مماثل. أما جعجع فأبلغ ضيفه أنّ حزب القوات اللبنانية يعارض التمديد وأنّ كتلته النيابية لن تصوّت له في المجلس.
جنبلاط: لا تقسوا على حزب الله
ومن الهاجس الأمني الذي "سيعطّل" الانتخابات النيابية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، جاء الحديث عن ضرورة تحييد لبنان عن الحرب الدائرة في سورية. لا يختلف الحزبان أصلاً على هذا الموقف، باعتبارهما دعوا منذ انطلاق الثورة السورية إلى إبقاء ما في سورية هناك وإقفال الأبواب بوجه أي امتداد لها إلى الأراضي اللبنانية. لكن مشروع "تحييد لبنان" حمل معه احتكاكاً آخر بين الرجلين، إذ طالب جعجع بانسحاب حزب الله من سورية ومن المشاركة في معاركها، مشيراً (كما دائماً) إلى أنّ هذا التدخل دفع المجموعات السورية إلى دخول لبنان ومواجهة الحزب على الأرض اللبنانية.
لم يتردّد جنبلاط لحظة في تبرير مشاركة حزب الله في حرب سورية، مضيفاً أنّ "قوى ١٤ آذار تقسو على الحزب". وينقل أحد المشاركين عنه قوله خلال الجلسة: "لا سعد الحريري ولا أنا ولا أحد قادر على إجبار حزب الله على الانسحاب من سورية، فهذه قضية أكبر من ذلك بكثير". وطالب جنبلاط قوى ١٤ آذار من خلال جعجع، بتخفيف الضغط على الحزب.
وكان لجعجع ردّه أيضاً، إذ حمّل ممارسات حزب الله مسؤولية الاحتقان الحاصل في لبنان تحديداً في الساحة السنية، والخوف لدى الجميع من دخول "الإرهاب" إلى المناطق اللبنانية.
توافق على الوضع الإقليمي
يتّفق جعجع وجنبلاط إذاً على عناوين عدة، إلا أنّ أسلوب عمل كل منهما وأجندته السياسية ومصالحه الشعبية تقف عائقاً أمام ترجمة هذه العناوين إلى نقاط توافقية. إلا أنهما، بحسب المجتمعين، "يتّفقان بشكل كامل على تحديد الواقع الخطر في المنطقة، ناحية القلق من التشدد والخوف على المجتمعات العربية بمختلف انتماءاتها وتلويناتها المذهبية، تحديداً الأقليات". وكذلك يجمع الرجلان على ضرورة التيقّن من تداعيات تكوين تنظيم الدولة الإسلامية والحرب في سورية، وأيضاً على التنبه إلى ملف اللاجئين السوريين في لبنان الذي أصبح ملفاً خطراً.
وفي هذا الإطار يؤكد النائب في كتلة جنبلاط، الوزير غازي العريضي، لـ"العربي الجديد" أنّ "المواقف قد تتعارض في بعض الملفات الداخلية وقد لا نتّفق على كل شيء"، مؤكداً في الوقت عينه على "وجوب الحركة وعدم البقاء مكتوفي الأيدي حتى لو لم يحصل تفاهم على كل الملفات". يشير العريضي إلى أنّ شعار جنبلاط اليوم "الحوار مع كل الأطراف اللبنانية" مؤكداً أنه لم يتم طرح أي صيغة لجمع اللبنانيين في أي مشروع حواري.
من جهته، أكد عضو كتلة القوات اللبنانية، النائب أنطوان زهرا، الذي شارك في اللقاء أيضاً، أن الطرفين توافقا على "ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية وتحييد لبنان عن مجريات الأزمة السورية، مع اعتراف متبادل بمحدودية القدرة على حل المسألتين المرتبطتين بقرارات وتوجهات أفرقاء آخرين في البلد".
انتهى اللقاء بين جعجع وجنبلاط بتبادل كتب وتوقيعات وإهداءات. فقدّم الضيف لمضيفه كتابَي: "زوهار" (Zohar)، وهو كتاب باللغة الآرامية يتحدث عن الكباليين القدامى، وكتاب باللغة الفرنسية "Le rêve du Celte" (الحلم الاسكتلندي) كتب جنبلاط على صفحته الأولى عبارة: "عزيزي د. جعجع، إنه تاريخ الجرائم المرتكبة باسم الله... مع كامل احترامي/ وليد جنبلاط". أما جعجع فأهدى إلى ضيفه كتاب "فلسفة التاريخ" لهيغل وكتاب "نشأة المقاومة اللبنانية" للكاتب نادر مومني، كتب عليه "للتاريخ اتجاه واحد لا يجب تجاهله".