لا يقتصر طموح هذا الملحق على سدّ بعض النقص في الكتابة النوعية لفلسطين وعنها، توثيقاً واستقصاء وتفكيراً وجدلاً، لأجل قضيتها ومعناها وما تمثّله لمسألة التحرر العربية ولسؤال العدالة على هذا الكوكب. فالطموح يتجاوز توفير مادة صحافية سجالية مستندة إلى الذاكرة النضالية، تأخذ من الفكر خلاصاته وهجسه بالممكنات وتجعل من الواقع رافداً عضوياً للأفكار. فالأخيرة لا يمنحها الانتماء والعافية والإمساك بالجوهري سوى الاتصال الوثيق بالواقع وبالناس - هذه الكلمة التي لا معنى للالتزام بدون إبقاء حياتها ومستقبلها أمران ماثلان في ضمير المشتغل في حقل الأفكار.
الطموح أن يكون هذا المنبر مساحة لتجميع أصوات ولجمع شمل العائلة الفلسطينية، وهي في الواقع ثلاث عائلات. الأولى هي الشعب العربي الفلسطيني وقد قطّع المشروع الاستعماري تواصل من بقي منه في وطنه المحتل، بعزل غزة وحصارها ومحاولات أسرلة أهل فلسطين العميقة (المحتلة عام 1948) وسجن جنوبها "الضفة الغربية" وراء الجدران والمعازل.
هذا واقع معروف، ومعروفة أيضاً حالة اللجوء التي ما زالت قائمة منذ 1948. بين خمسة وستة ملايين لاجئ تتوزّعهم مناف ومغتربات قسرية دون أن يخفت توقهم أو تتضاءل أشواقهم إلى العودة. هل تجمع الكلمات عائلة مشتتة؟ هذا ما نظن أنها تصنعه وما نأمل تقديمه.
العائلة الثانية، المشتتة اليوم، هي الحركة الوطنية الفلسطينية، التي يبدو السؤال عنها أكثر إحراجاً عاماً بعد عام. صحيح أن في شباب فلسطين ووثبات أجيالها الجديدة، في السنوات الأخيرة، ما يمنح أملاً حقيقياً، لكن هذه الوثبات تبقى ناقصة بدون التقاء دوائر الحركة الوطنية.
قبل عقد ونصف، شرح عزمي بشارة صعوبة قيام حركة وطنية فلسطينية بدون التقاء دوائر الحركة الوطنية الثلاث؛ دائرة فلسطين المحتلة عام 1948 ودائرة فلسطين المحتلة عام 1967 ودائرة فلسطين اللجوء. الآن نجد أن الدوائر الثلاث صرن خمس دوائر، بعزل غزة وحصارها وتدميرها، وبعزل القدس عن بقية "الضفة الغربية" وتفتيت نسيجها الأهلي وزرع خلايا استيطانية في معظم أحيائها.
أما العائلة الثالثة، فهي امتداد فلسطين العربي وتموقعها في العالم عبر الذين عناهم سؤال فلسطين. وإذ يتطلع هذا الملحق لجمع أصوات تمثلهم وتبيّن ملامحهم وشراكتهم في مشروع تحرر لا بديل عنه ولا مستقبل بدونه، فهو يعرف أن أياً من العائلات الثلاث لن تجتمع بدون الأخرى.
بين الدوائر الخمس ستتحرّك كتاباتنا في مسعى للجمع بينها، وتقديم مساحة ومنصة فكرية لحركة وطنية فلسطينية جريئة في مواجهة الاستحقاقات. ندرك أننا عائلة واحدة في مشروع التحرر، وما همّ إن طالت طريقنا أم قصرت.