في هذا الصدد، يقول الكاتب العام للحكومة أحمد زروق، أثناء مناقشة ميزانية رئاسة الحكومة في مجلس نواب الشعب، يوم السبت، إن "الحكومة قدّمت 376 طلب تنبيه للجمعيات المخالفة للقانون وتلك التي تحيط شبهات بأنشطتها، كما تقدّمت للقضاء بـ 164 طلب تعليق للنشاط و64 مطلباً لحلّ جمعيات". ويؤكد زروق أن "القضاء استجاب إلى مطلب حلّ رابطات حماية الثورة فقط، ولم يستجب لبقية المطالب على الرغم من الاشتباه في نشاط هذه الجمعيات". ويُذكّر بأن "لرئاسة الحكومة مهمة إدارية بخصوص الجمعيات فقط، وأن مرسوم 2011 المتعلق بالجمعيات، يفرض على رئاسة الحكومة التوجه للقضاء إذا خالفت الجمعيات القانون".
في السياق، ترى رئيسة نقابة القضاة في تونس، روضة العبيدي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "يوجد خلل كبير في كيفية عمل جمعيات عدة، نعرف بأنها تنشط في أعمال مشبوهة، مرتبطة ارتباطاً شديداً بالارهاب". وتدعو "الحكومة والمجتمع المدني وكل الأطراف المعنية إلى طاولة حوار، لحلّ المشاكل العالقة في هذا الموضوع". وتُضيف أن "توجيه الاتهام المتبادل في كل إشكال يطرأ بتونس لن يصل بنا إلى برّ الأمان". وتطالب العبيدي السياسيين بـ"ضرورة أخذ قرارات قوية تتعامل مع مسألة التمويلات المشبوهة لبعض الجمعيات، التي تعتبر كياناً موازياً للإرهاب، التي للأسف لم يتم حلها أو تعليق نشاطها حتى اليوم". وتشدّد على أنه "إذا تم كشف مصدر تمويلها فبالإمكان حينها كشف مصدر الإرهاب الذي يهدد تونس".
في هذا الإطار، يتردد في الساحة التونسية أن تحقيقاً قضائياً سيُفتح قريباً لبحث مئات الحسابات المصرفية المفتوحة في عدد من المصارف الخاصة، والتي تتضمن شبهات حول تمويل الإرهاب ومجموعة من الجمعيات الخيرية والتعاونية المشبوهة.
من جهة أخرى، يشير رئيس "الجمعية التونسية لمكافحة الفساد"، إبراهيم الميساوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن الجمعية "كانت من أوائل الذين قاموا بفتح ملفات الجمعيات المشبوهة، التي تكاثرت بشكل لافت بعد الثورة (2010)، نتيجة لضعف آليات الرقابة".
اقرأ أيضاً: تونس بعد "الثلاثاء الأسود"... رحلة البحث عن "الوحدة المقدّسة"
ويوضح بأن "المرسوم 88 الخاص بالجمعيات في الدستور الجديد، خرج من نطاق الترخيص إلى نطاق التصريح بالوجود وكتابة النظام الداخلي للجمعية ومراسلة رئاسة الحكومة، ما سيجعل وجود الجمعيات حتميا وناشطا". ويتابع الميساوي قائلاً إن "ضعف المراقبة المادية على الجمعيات واستحالتها، جعلا العديد منها يعمل بطرق مشبوهة، تحديداً لجهة التمويل الآتي أساساً من خارج البلاد، بقصد تمرير سياسات معينة عبر المجتمع المدني التونسي. وهنا يكمن الخطر، خصوصاً لدى الجمعيات الناشطة في تمويل التطرّف والإرهاب".
ويلفت الميساوي إلى أنهم "يرحّبون بالمرسوم القانوني الذي يُركّز على استقلالية ونزاهة وشفافية الجمعيات"، قبل أن يستدرك قائلاً إن "مبدأ الشفافية يصعب تحقيقه، اذ يوجب على الجمعيات إشهار جميع عملياتها المالية، لكن للأسف هذا لم يحصل في تونس، ويصعب تحقيقه لثغرات قانونية".
ولا يعارض الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي"، محمد عبو، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، مراقبة الجمعيات، ويقول إن "حزبه وبعض النواب المستقلين داخل مجلس الشعب، بادروا إلى وضع مشروع قانون أمام النواب منذ أسبوعين، يتمثل في إلزام السياسيين والجمعيات والأحزاب ووسائل الإعلام بالتصريح عن ممتلكاتهم ومصادر تمويلهم". ويضيف أن "مشروع القانون يهدف إلى مكافحة الإثراء غير المشروع، مما يعطي صلاحيات أكبر لدائرة المحاسبات بغية مراقبة هذه الجمعيات المشبوهة، التي تقوم بنشاطات مكلفة جداً، من دون التعرّف على مصدرها".
في سياق متصل، تُفيد النائبة عن "حركة النهضة" لطيفة حباشي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "الحركة مع تطبيق القانون إذا ثَبُتَ تورّط أي جمعية في نشاطات متعلقة بالإرهاب". وتضيف "لكننا أيضاً مع التأكد والتريث، حتى لا يتحوّل الأمر إلى إجراء آلي يجمع القرائن والأدلة".
وحول تأثير حلّ بعض الجمعيات على حرية التنظيم، تلفت الحباشي إلى أنه "في كل الدول، تشهد الديمقراطية توازناً صعباً بين الحرية ومحاربة الإرهاب. ونحن كديمقراطية ناشئة، نريد أن نحافظ على هذه الحرية لكن بانتباه".
أما المتحدث باسم "الحزب الجمهوري" عصام الشابي، فيرى في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، أن "معركة تونس ضد الإرهاب مختلفة الأبعاد"، مطالباً الحكومة بـ"تطبيق القانون وأن تكون العين الساهرة، وألا تتخلّف عن حلّ أي جمعية تخالف مرسوم الجمعيات، وإحالة كل متورط إلى المحاكم". ويُشدّد الشابي على "أهمية حرية التنظيم في تونس، التي تعتبر من صميم الديمقراطية الناشئة التي تعيشها البلاد، غير أنه لا ينبغي أن تكون الحرب ضد الإرهاب دافعاً للانحراف والتضييق على تنظيم الجمعيات".
يُذكر أن عدد الجمعيات في تونس بلغ 18413 جمعية حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، ويتمركز خُمسها بتونس العاصمة، واستُحدث أغلبها بعد الثورة وفق أحدث الإحصائيات الرسمية. وتتوزع الجمعيات على جميع ولايات الجمهورية، وتأتي ولاية تونس في المقدمة بـ3536 جمعية، في حين تتوزع باقي الجمعيات بأعداد مختلفة بين سائر الجهات، إذ تتمركز 850 جمعية بسوسة، في حين لم تسجل زغوان سوى 246 جمعية، وتوزر 236 جمعية.
اقرأ أيضاً: تونس واقتصاد الحرب