جمال وجميلة

20 مارس 2018
الجزائريون في حالة نضال مستمرّ (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -



في مرات نادرة ظهرت الجميلة التي أخذت على نفسها وعدا بأن تحفظ عهدها مع المناضلين الشهداء، وألا تبتاع من شرف النضال وألا تحول الثورة إلى دكان. ظهرت جميلة الجزائرية التي رسم سمرتها بيكاسو، واستوقف نضالها جان بول سارتر وكتبت عنها سيمون دي بوفوار، وانبرت للدفاع عنها جيزيل حليمي، وشغلت الصحافة العالمية سنوات العنفوان الثوري في الستينيات في الجزائر. يحز في النفس ألا يكون هذا الظهور التلفزيوني الجميل لجميلة بوباشا، "الإرهابية" في حينه في عرف الاستعمار الفرنسي، والأيقونة الثورية في عرف الماجدين وأحرار العالم، حدثاً لافتاً في الجزائر، تعود إليه الصحف والوكالات وتناقشه القنوات المحلية في برامجها الأسبوعية، وتستعيد عبره مشهداً نضالياً وتاريخياً محرّضاً على الوحدة الوطنية، ومحفّزاً للمستقبل وباعثاً لأمل الخروج من محنة الظلام السياسي الذي يخيّم على البلد.

في المقابل تنشغل وسائل الإعلام بالجنون السياسي وبتصريحات مجانين السياسة. قبل فترة انشغلت وسائل الإعلام في الجزائر بناشطة سياسية وزوجها في إثارة سياسية محددة، مرة بزعم كونها تحت رصد وتهديدات الموساد ومرة بكون نسبها انتهى عند بيت النبي. وخلال هذا الأسبوع واصل مجنون آخر أحاديثه عن أن "الجزائر أفضل من السويد وأميركا" و"الرئيس رجل المعجزات". وحين تدير وسائل الإعلام وجهها قليلاً، تستبيح حبرها وأضواءها على برنامج "ألحان وشباب" الغنائي.

من المشروع أن يسأل أحدهم: "لماذا تعود وسائل الإعلام إلى تصريحات السياسي جمال ولد عباس مع كمّ من الفظاعة السياسية التي تُرتكب، ولا تعود إلى تصريحات جميلة بوباشا بالكيمياء الذي تفعله شهادتها التاريخية من شحنة إيجابية وإيقاظ للهمم؟ لماذا تخصص صحيفة كبرى مساحة لنشر خبر في صفحتها الثالثة عن تعيين حزب لمسؤول جديد في ولاية ما، ولا تخصص مساحة للعودة إلى شهادة الجميلة جميلة؟".

ويمكن أن يسأل أحدهم: "ما الذي ستخسره قناة أو صحيفة إن هي قررت أن تشيح بوجهها عن كتلة متخمة باللغة والخطاب الركيك من السياسيين، وتلقي بهم إلى آخر اهتماماتها، وتفتح صفحاتها ومجالها الزمني للعمق المجتمعي، للجزائر العميقة من حيث المكان والأشياء، للتجارب الشبابية الناجحة ثقافة واقتصاداً وابتكاراً كقيمة مضافة، للكُتّاب والكتاب والمسرح والموسيقى، وللاستقصاء عن الفساد وملاحقة الحكومة ومساءلة القرار؟". ثمة مشكلة عميقة في ترتيب أولويات الإعلام الجزائري في علاقة بالدور والوظيفة والتأثير، وبالفاعل السياسي والعمق المجتمعي، بالجاهز المنقول والأسئلة الحارقة، وبالمعنى النقدي للصحافة أكثر من أنها "كتابة ضبط".