جمال عيد لـ"العربي الجديد": مستقبل مصر أشدّ سوءاً

04 يوليو 2014
الحقوق والحريات في مصر، في غرفة الإنعاش (العربي الجديد)
+ الخط -

في الذكرى الأولى للثالث من يوليو وفي تقييم حقوقي للعام الذي مرّ، يرى مدير الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان، المحامي المصري جمال عيد، أن ما يحدث في مصر هو أسوأ ما مرّت به البلاد أقلّه منذ ستينيات القرن الماضي. لكنه يؤكّد أن المستقبل أشد سوءاً.
ويشدّد عيد، في حديث خاص إلى "العربي الجديد"، على أن لا سبيل للحلّ سوى مواصلة الحراك الشعبي والمجتمعي بكل الطرق والوسائل، إلى حين الاتحاد على هتافات الثورة "عدالة اجتماعيّة.. كرامة إنسانيّة"، وحدوث انفراج.
ويتحدّث كذلك عن قضايا الإعدام بالجملة في مصر، وعن تصفية شباب الثورة، وعلاقات مصر بالولايات المتحدة الأميركيّة وبالدول العربية، ومصير الحقوق والحريات في مصر والدول العربيّة، مفرَقاً ما بين 30 يونيو/حزيران الذي شهد احتجاجات شعبيّة واسعة خرجت تطالب، وبسلميّة، بانتخابات رئاسيّة مبكرة، وبين الثالث من يوليو/تموز الذي كان بداية لأسوأ كابوس عرفته مصر.

وفي ما يلي نص المقابلة:


* ما تعليقك على الحكم في قضيّة "خلية الماريوت"، وخصوصاً أن من بين المتهمين ثلاثة صحافيّين؟
- قضيّة الماريوت مثل قضايا عدّة. ما كان يجب أن تصل إلى المحكمة أساساً، إذ لا نجد دليلاً يدين الصحافيّين إلا أن آراءهم مختلفة. أصبح الصحافي مداناً طالما لم يهلل ولم يحرّض على الكراهية والعنف ولم يدعم النظام القائم. لا يُغفر للصحافي المصري أن يكون محايداً أو مهنياً. لا بدّ له من تقديم فروض الولاء والطاعة.


* ثمّة قضايا أخرى مشابهة وصحافيّون معتقلون على خلفيّة قضايا عدّة. كيف ترى مستقبل الصحافة في النظام الجديد؟
- ثمّة أكثر من عشرين صحافياً معتقلاً. ولم يحدث أن كان هذا العدد من الصحافيّين في سجن في فترة واحدة. نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك كان ظالماً وضد حريّة الصحافة، لكن كان لديه خطوط حمراء، كذلك المجلس العسكري وكذلك الرئيس المعزول محمد مرسي. ما يحدث الآن لا علاقة له بالديمقراطيّة أو باحترام القانون أو بقيَم العدالة. ما يحدث في مصر الآن هو مرحلة انتقامية بدأت في الثالث من يوليو/تموز 2013 وما زالت مستمرة حتى الآن.


* كيف تقيّم مجال الحقوق والحريات في مصر منذ 30 يونيو/ حزيران 2013 ولغاية يومنا هذا؟
- أولاً، لا بدّ من إصلاح خطأ شائع، وهو الفرق بين 30 يونيو/حزيران والثالث من يوليو/تموز. ففي 30 يونيو، طالب المواطنون بمطلب مشروع، وهو الدعوة إلى انتخابات مبكرة. أما الثالث من يوليو، فكان البداية الحقيقيّة لأسوأ كابوس، أقلّه في حياتي.
حين يقارن كل مؤيد ومعارض لعهد عدلي منصور أو عبد الفتاح السيسي النظام الحالي بأنظمة مبارك والمجلس العسكري أو مرسي، يشعر بأنه كان ضدهم. لكن كان من الممكن مقاومة ظلمهم. أما الظلم الحالي فيجعل مصر، وخصوصاً مع أحكام الإعدام غير المنطقيّة التي تصدر، من ضمن أسوأ الأنظمة في العالم إلى جانب كوريا الشماليّة وبورما. زيمبابوي كانت في القائمة ولكنها تراجعت. بورما أيضاً بدأت تتراجع.

* كيف ترى عودة استخدام فزاعة الإخوان المسلمين وتصفية رموز ثورة يناير؟
- الظلم لم يصل مداه بعد. الأسوأ آت قبل الانفراج. وعلى الرغم من هذا الظلم والقمع الذي ليس له حدود، فإن عقارب الساعة لا تتراجع إلى الخلف.
مصر ليست دولة مختلفة عن بلاد العالم. فلو نظرنا إلى أميركا اللاتينيّة أو زيمبابوي وبورما، نجد أن المجرم لم يفلت من العقاب. فقد أفلت بعض طغاة أميركا اللاتينيّة أكثر من 10 أو 15 سنة، لكنهم حوكموا في النهاية.

* وجود رموز من شباب الثورة في كل قضيّة في مصر، هل هو أمر مضرّ أم مفيد؟
- الثورة الحقيقيّة نجحت على الرغم من كل القمع، لأن الناس تجاوزوا الخوف وعبّروا عما في داخلهم، لكون القمع الشديد يُقابل بمقاومة شديدة. والمثال على ذلك، أن رئيس الجمهوريّة فاز في الانتخابات بـ98 في المئة من الأصوات، وبعد خمسة أيام من توليه الحكم خرجت تظاهرة ضدّه.
وأتمنى أن تصل الرسالة إلى القضاة. وأسألهم: ما هو شعوركم عندما ترون أن الشباب الذين هتفوا لدعمكم في العام 2005 هتفوا ضدكم في المكان نفسه في العام 2014؟ أنا غاضب لكني متفائل بالمستقبل.

* الحراك السياسي في الشارع على مستوى تحركات الإخوان المسلمين أو شباب القوى السياسيّة، هل هو فعّال أم يؤدي إلى مزيد من الاعتقالات؟
- شكّلنا "شبكة محامين من أجل الديمقراطيّة"، بخاصة لرصد الفعاليات الإيجابيّة أو السلبية المؤثرة على حالة الديمقراطيّة في الشارع، منذ أبريل/ نيسان الماضي. وقد تبيّن لنا أن العدد الأكبر من الاحتجاجات والتظاهرات لم يكن للإخوان، بل لقوى مدنيّة وليبراليّين وعمال وطلبة. وهذا مؤشّر إيجابي. ما يحدث الآن من مقاومة، فيه روح الإبداع. المهم أن تقاوم. الوسيلة أنت تحدّدها بدءاً من التظاهر في الشارع، وصولاً إلى أن تكون صحافياً يكشف الفساد.
حجم المقاومة الآن يؤكد أن الانتخابات الرئاسيّة لم تكن معبّرة عن حقيقة الموقف في الشارع. فالغاضبون الرافضون أكثر عدداً. لكن للأسف ليسوا منظمين مثل الإخوان، ولا يملكون وزارة داخليّة أو إعلام مثل النظام الموجود. لكن ستأتي لحظة ويجتمع الناس ويحقّقون مطالبهم من الكرامة والعدالة الاجتماعيّة.

* ما هي أبرز اعتراضاتكم على قانون الجمعيات الأهليّة، كمنظمات مجتمع مدني أعلنت مراراً وتكراراً رفضها له؟
- منذ العام 2011 تُطرح مسودات لقانون الجمعيات. ومع كل جولة يكسبها الحكم المستبد، كانت النُسخ تعدّل وتصبح أسوأ، حتى ظهرت آخر نسخة. هي فعلياً أسوأ من القانون الذي أعدّه جهاز أمن الدولة مع وزارة التضامن الاجتماعي المصريّة، في عهد مبارك في العام 2010. إذاً الحديث عن مادة بعينها لا يجدي مع قانون لا يدعم الرقابة الإداريّة، وإنما يخلق مجتمعاً مدنياً بوليسياً الآن.
في أيام مبارك، كان هناك ما بين ستين وسبعين جمعيّة حقوقيّة. معظمها كان متواطئاً، بينما عشر جمعيات منها كانت جادة. الآن لدينا نحو 160 جمعيّة حقوقيّة، وما زال العدد الجاد منها نحو عشر جمعيات فيما الباقية أصبحت تهلل.


* كيف أساء تورّط بعض الرموز الحقوقيّة في علاقتها بالسلطة إلى المجتمع المدني، على المستويين المحلي والدولي؟
- نحن معتادون أن جزءاً مما يسيء لنا ظلماً، هو جزء بعض ممارسات المجتمع المدني، من منظمات حكوميّة وغير حكوميّة تزيد مساحتها لأنها لا تقف فقط عند المنظمات الجديدة بل والقديمة أيضاً، وعلى رأسها المجلس القومي والمنظمة المصريّة لحقوق الإنسان. ولا تقتصر هذه الظاهرة على مصر، فالمغرب واليمن يعانيان منها أيضاً. ونتيجة هجوم مؤيدي السلطة وفساد البعض وتراجع بعض المنظمات التي كان لها تاريخ حقوقي وكذلك الآلة الإعلاميّة، بدأت مصر تشبه الأردن المعروف بأنه يضمّ أكبر نسبة منظمات متواطئة في العالم العربي.

* كيف تقيّم زيارة وزير الخارجيّة الأميركيّة جون كيري لمصر، واجتماعه بعدد من المنظمات الحقوقيّة قبل أيام؟
- قبل الثورة أعلنّا عدم ثقتنا بالحكومة الأميركيّة ولا بسفارتها. وقد وُجهت لنا دعوات عديدة لمقابلة وزير الخارجيّة أو مساعده أو وفد من الخارجيّة، لكننا رفضنا. فتوقفوا عن إرسال دعوات. وأذكر أنه في فبراير/شباط 2010 كنا في مؤتمر مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في مصر، وكان معي مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان بهي الدين حسن، وقلنا له بوضوح إن السفارة الأميركيّة في القاهرة متواطئة مع نظام مبارك. وما زال هذا موقفنا. وبالتالي ننظر إلى هذه اللقاءات على أنها عبثيّة. فالحكومة الأميركيّة لم تُظهر إشارة واحدة لاحترامها للديمقراطيّة. الحكومة الأميركيّة تدعم الاستقرار من دون النظر إلى هذا الاستقرار ومعرفة ما إذا كان ناتجاً من الديمقراطيّة أم من قمع. وبالتالي لا نلتقي بهم ولا نهتم بهم. وبالنسبة إلى الذين قابلوه، فهذا خيارهم. لكن نصيحتنا لهم: وفّروا وقتكم لمساعدة الضحايا في السجون والشارع. فلقاء وزير خارجيّة ليس ميزة. أُفضّل أن أُقابل شاباً محبوساً في قسم أو نيابة وأدعمه، على أن أقابل وزير خارجيّة دولة لا صدقيّة لها في احترام حقوق الإنسان.

* ما الجديد في قضيّة مصادرة جريدة "وصلة" التي تصدر عن الشبكة؟
- كل ما يهمنا في موضوع "وصلة"، هو إنقاذ العامل. أنا توجّهت إلى النيابة وقلت: إن كانت "وصلة" جيّدة أو سيّئة فأنا المسؤول عنها، وليس لهذا العامل أي ذنب. وإذا كنا متّهمين بقلب نظام الحكم فهذا شرف لا ندّعيه. وإذا كانت تُموّل من الإخوان، فهذه نكتة عليكم إثباتها.
النيابة تفهّمت ووكيل النيابة تفهّم، وأفرج عن العامل. ولأنه يعلم الفبركة والتلفيق الذي أعده جهاز أمن الدولة في ما يتعلّق بالقضيّة ونحن تحدثنا في ذلك، قال إن "القضيّة لا تستحق". وأرسلها إلى نيابة قصر النيل، حيث حيّز نطاق الشبكة جغرافياً في مصر. نحن نعرف أن أمن الدولة لا يهتمّ بالقانون، وكل هدفها هو التضييق على الشبكة ومصادرة المطبوعة. الضغط الآن من أمن الدولة على النيابة هو لتحويل البلاغ إلى قضيّة، ولكنهم في الوقت نفسه لم يتقدّموا بما يفيد. والكرة في ملعبهم.
نحن توقفنا عن الاندهاش من إهدار القانون في مصر. فهذا أصبح سمة رئيسيّة. لكن حينما نأخذ موقفاً، نكون مستعدّين لتحمّل نتائجه. و"وصلة" جريدة تصدر منذ أبريل/ نيسان 2010 وهي جريدة ناجحة في الدور الذي تؤديه، ولن نتوقف عن إصدارها إلا إذا أغلقوا الشبكة. نحن المسؤولون عن "وصلة"، وندعم حريّة التعبير بلا حدود. وبالتالي لا نستطيع أن ندعم الصحافيّين أو الكتاب ونحن نغلق أفواهنا نتيجة القمع.

دلالات