جماعة "الأرقم"... نهج وأفكار

22 أكتوبر 2019
+ الخط -
تحدثت في التدوينة السابقة عن بعض الحركات الإسلامية في شرق آسيا وفي هذه التدوينة سنتوقف قليلاً في ماليزيا لنرى حركة من أهم الحركات الإسلامية التي يضع التاريخ أمامها علامات الاستفهام، فقد تعرضت هذه الحركة للاضطهاد من رجال الدين الماليزيين، وتعرضت للسجن والاعتقال على يد حكومة مهاتير محمد في تسعينيات القرن الماضي، وتُدعى هذه الحركة بجماعة (الأرقم).

البداية والنشأة
تُعرف ماليزيا بإنها دولة تتعدد فيها الأديان والأعراق، وفي الجانب الإسلامي تتنوع أيضاً الحركات الإسلامية المختلفة التى يبرز وجودها في الساحة السياسية والدينية وعلى رأسها حزب باص الإسلامي وحزب التحرير وحركة الشباب المسلم (أبيم) وهي الحركة التي نشأت عن طريق الطلاب المبتعثين للدراسة في مصر وتأسست هذه الحركة عام 1971 والتي كان يترأسها الزعيم الإسلامي أنور إبراهيم لفترة من الزمن، بالإضافة إلى موضوعنا في هذا المقال وهي حركة الأرقم.

نشأت حركة الأرقم أو مركز دار الأرقم للدراسات عن طريق أحد مشايخ الطريقة الصوفية والأشعرية ويُدعى أشعري بن محمد، وقد نبتت فكرة هذه الجماعة داخل صفوف الحزب الإسلامي حتى انشق عنها أشعري بن محمد في منتصف الستينيات من القرن الماضي، ومع بداية النشأة لم يذع صيت الحركة داخل المجتمع الماليزي فقد كانت ماليزيا في ذاك الوقت في صراع بين الأعراق الثلاثة المختلفة، ولكن مع منتصف السبعينيات استطاعت الحركة أن تنتشر داخل المجتمع الماليزي، فمن بيت بسيط في مدينة داتو كرامات في قلب كوالالمبور إلى مختلف المدن في ولايات ماليزيا انتشرت هذه الحركة وأفكارها التي كانت تحث على تنمية الفرد المسلم وتربيته تربية إسلامية صحيحة.


يقول بعض الباحثين إن هذه الجماعة قد تأثرت بفكر الإخوان المسلمين، ولكن هنالك أيضاً من ينفي صلة القرابة بين الحركتين، ولكن تبنت جماعة الأرقم فكر الإخوان المسلمين في تنمية المشاريع الاقتصادية المختلفة التي تستطيع أن تمول الجماعة وتنشر اسمها داخل المجتمع الماليزي.

المنهج والأفكار
كغيرها من الجماعات الإسلامية التى تعتنق المنهج الوسطي التي تساعد المجتمع الإسلامي أن ينهض، وتنميهِ بواسطة الأنشطة المختلفة التي تساعد على نشر الجماعة وتجنيد الأعضاء الجدد، وأنشأت الجماعة المدارس الدينية والمشروعات الاقتصادية والمنتجات الغذائية التي تحمل شعار الجماعة بهدف الربح داخل المجتمع الإسلامي وتشجيع المسلمين على شراء منتجاتهم.

كان المنهج الذي تسير عليه الحركة هو المنهج الإسلامي الوسطي المعتدل، وهو أحد الأسباب التي جذبت الكثير من الشعب الماليزي للانضمام لهذه الحركة، ومع الاعتماد على الطريقة الصوفية في مجال التربية والطريقة المحمدية انتشرت مراكز الحركة في أغلب الولايات الماليزية.

كانت أشرطة، تسجيلات وكتب أشعري بن محمد تحث المسلمين على التمسك بأخلاق النبي محمد صلي الله عليه وسلم والتحلي به كقدوة، واختلفت أيضاً هذه الجماعة عن جماعة الدعوة والتبليغ أنها كانت تربي أفرادها على تنمية المهارات القتالية والبدنية، وهو بالطبع مستحيل أن يحدث داخل جماعة الدعوة والتبليغ.

في عام 1981 أطلقت الجماعة مؤتمر (دورة التفاهم الإسلامي) وقد كان إلزاماً على الحاضرين في هذا المؤتمر أن يرتدوا الزي الإسلامي الجلباب والعمائم، حتى الأطفال كان أهلهم يحثونهم على ارتداء الملابس الإسلامية ليعطوا نظرة إسلامية خالصة وانطباعاً روحانياً في داخلهم وهذا أحد عوامل الأفكار التي تم زرعها داخل الأطفال إلى أن صاروا كباراً وما زالت أفكار الحركة تعيش داخلهم.

على كل حال، كبقية أغلب الجماعات الإسلامية التي تنتشر أفكارها ويقدس أفرادها مؤسسيها، كان لمؤسس الجماعة أشعري بن محمد صيت واسع بين أفراد جماعته، وكانوا يتناولون أحاديثه على أنها كلام موثوق ولا يمكن الشك فيه، ويمكن أن يكون هذا أحد العوامل التي أدت إلى إنحدار أفكار الجماعة، فقد أعلن أشعري بن محمد عن بعض الأفكار الغريبة التي لم ينزل الله بها من سلطان، فقد أخبر أتباعه أنه يستطيع أن يؤجل الممات وادعى المهدية. تقول شاريفة زاليها وهي باحثة في مجال الإسلام السياسي في ماليزيا أن أشعري بن محمد كان يؤمن أنه المهدي وأن له قوى خارقة ومع ذلك كان هنالك الكثير من أتباعه الذين استمروا في تأييده ومن آمن بإفكاره.

نهاية جماعة الأرقم
بسبب الأفكار المنحرفة التي تبناها أشعري بن محمد، أعلنت ماليزيا أن هذه الحركة هي حركة منحرفة عام 1994، فبعد قضاء أكثر من 26 عاماً في طريق الدعوة، تلقت الجماعة صدمة أدت إلى مصادرة أموال وأنشطتها الاقتصادية، وهرب مؤسس الجماعة أشعري بن محمد إلى جنوب تايلاند وتم القبض عليه هناك بصحبة بعض جماعته، واحتجز حتى عام 2004، ومن ثم لم يستمر أشعري بن أحمد في دعوته حتى توفّي عام 2010. ولكن واصلت زوجته الدعوة حتى قيل إنها كتبت كتابين تؤكد فيها أن زوجها كانت لديه قوة خارقه من الله، وقد منعت السلطات الماليزية تداول هذه الكتب أو نشرها.

على كل حال، فإن أنشطة هذه الجماعة ممنوعة منعاً باتاً في ماليزيا، ويحظر على أي شخص الترويج لنشر أفكار هذه الجماعة.

مناقشة
إن أغلب زعماء الجماعات والحركات الإسلامية تأخذهم العزة بالنفس ويعلنون أنهم مدعومون من الله وهذا يرجح أن يكون بسبب الإيمان الكامل الذي يحمله أفراد هذه الجماعات تجاه قادتها ومؤسسيها، وكثيراً منهم من يعلن نفسه الإمام المهدي مثل شكري مصطفى مؤسس حركة التكفير والهجرة، وأيضاً جهيمان العتيبي صاحب حادثة احتلال الحرم المكي، وهنا أيضاً أشعري بن محمد الذي أغرته السلطة والقوة التي نَعم بها حتى انحرف عن الطريق المستقيم وأعلن نفسه الإمام المهدي.
C528EEBC-01F4-4C3F-B4A9-D3B0E7E0915F
عمر جمعة أحمد

باحث أكاديمي في مجال الحركات الإسلامية. أتحدث 5 لغات (العربية - الإنكليزية - الملايو - التايلاندية - الفرنسية).