أنهى البرلمان الكويتي جلسة ماراثونية عاصفة استمرت لمدة 23 ساعة مستمرة دون انقطاع، ناقش فيها ثلاثة استجوابات، انتهت بطلب طرح الثقة بوزيرين ونجاة رئيس مجلس الوزراء، الشيخ جابر المبارك الصباح، من أي مساءلة، فيما قرر رئيس البرلمان، مرزوق الغانم، عدم عقد جلسة يوم الأربعاء لحاجة النواب إلى الراحة، ليؤجل بذلك مشروع تمرير قانون التقاعد المبكر مجدداً.
واستبقت الحكومة جلسة يوم أمس، والتي وصفت بأنها الأطول في تاريخ البرلمان الكويتي، بمحاولة فاشلة لتنسيق المواقف وحث النواب على إبطال الاستجوابات عبر عدم التوقيع على "ورقة طلب عدم التعاون"، التي تحيل أي وزير مستجوب إلى التصويت على مدى أهليته وكفاءته.
وفي تفاصيل الجلسة التي بدأت صباح أمس الثلاثاء، قدم النائبان عمر الطبطبائي، وعبد الوهاب البابطين، استجوابهما لوزير النفط والكهرباء والماء، بخيت الرشيدي، حيث طالب النائبان بطرح الثقة عنه وعزله من الوزارة بسبب الفشل في العديد من المشاريع النفطية الضخمة، أبرزها مشروع مصفاة فيتنام، ومشروع الداو ومشروع الوقود البيئي، بالإضافة إلى تقاضي العشرات من كوادر المجال مكافآت مالية ضخمة لا تتناسب مع طبيعة وحجم عملهم، ووجود العشرات من قضايا الفساد ضدهم بحسب تقارير ديوان المحاسبة، كما أن الوزارة ارتكبت بحسب زعم النواب عدداً من الجرائم البيئية.
وتحدث الرشيدي مدافعاً عن نفسه قائلاً إن القضايا المطروحة قد مضى عليها الزمن، وأنه لم يتولى الوزارة سوى منذ 155 يوما حتى الآن، وأنه لا يصح تحميل أي وزير جديد مسؤولية قضايا حدثت قبل 10 أعوام وناقشها المجلس مراراً وتكراراً.
وشهدت الجلسة هرجاً ومرجاً، عقب قيام النواب المنتمين لقبيلة الوزير بالدفاع عنه، متهمين المستجوبين بالعنصرية القبلية، كما أن عدة صفقات حدثت بين النواب أدت إلى جمع المستجوبين لـ10 أسماء من أجل "ورقة عدم التعاون" في مفاجأة كبيرة.
وانتقل مجلس الأمة بعدها لمناقشة الاستجواب المقدم من النائب حمدان العازمي لرئيس مجلس الوزراء، حول العديد من القضايا، أهمها قضية سحب الجنسيات من المعارضين وقضية البدون، حيث طالب رئيس الوزراء بعقد جلسة سرية للاستجواب وطرح الموضوع على المجلس الذي وافق بالأغلبية على هذا الطلب، لتغلق القاعة أمام الصحافيين.
وفشل المستجوب في الحصول على 10 أسماء لنيل كتاب "طلب عدم التعاون"، فيما وقف نواب معارضون ضد الاستجواب، أبرزهم النائب محمد هايف المطيري، بعد حصوله على ضمان حكومي بإرجاع بعض الجنسيات المسحوبة قبل شهر رمضان.
وبعد رفع السرية، انتقل المجلس إلى مناقشة الاستجواب المقدم لوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند الصبيح، والتي كانت قد عبرت استجواباً ماضياً قدم لها في غضون شهرين، ليكون هذا الاستجواب هو الرابع لها في غضون 4 سنوات فقط.
وقال مقدم الاستجواب صالح عاشور إن الوزيرة تعمدت إغلاق جمعية نفع عام، من دون تقديم مبررات قانونية وقامت بإفساد سوق العمل الكويتي وفشلت في سياسة إحلال العمالة الوطنية بدلاً من العمالة الوافدة.
كما قال إن الوزيرة باتت عبئاً على الحكومة بسبب كثرة الاستجوابات المقدمة لها، وإنها تقوم بإجراءات تعسفية تجاه أي جمعية نفع عام تعارض قراراتها وتقول بحل مجلس إدارتها وفق الصلاحيات المخولة لها من دون مراعاة لتاريخ الجمعية وعدد المستفيدين منها، كما أن الوزيرة مسؤولة عن إغلاق نقابتين مهمتين هما نقابة البلدية ونقابة وزارة الإعلام بسبب رفضها منح ورقة "لمن يهمه الأمر" لفتح حساب لهما في البنوك كما هو معمول في القانون.
واختتم عاشور مرافعته بالقول إن جزءاً من سبب تراجع الكويت في إحصائيات مجالات التنمية يعود إلى سياسات الوزيرة والفريق المحيط بها.
وردت الوزيرة على الاستجواب بقولها إن الجمعية، التي تعرضت للاستجواب بسببها، قد قامت بمخالفات كبيرة جداً وسرقة ملايين الدنانير، كما أنها قامت بتزوير ملكية أرض تبخرت واختفت رغم أنها حصلت على قرض لشرائها.
وأضافت أن "الوزارة لن تتهاون بأي قضية فساد تحدث في الجمعيات قد تستغل لتمويل أنشطة مشبوهة أو لغسل الأموال أو دعم الإرهاب، وإن الحكومة الكويتية وقعت على اتفاقيات تنص على وجوب مراقبة الأموال الواردة والخارجة من هذه الجمعيات".
واستطاع النائب المستجوب الحصول على 10 نواب وقّعوا "طلب عدم التعاون" وطالبوا بطرح الثقة بالوزيرة، حيث وقع النواب المنتمون لقبيلة وزير النفط على الورقة في محاولة للي ذراع الحكومة وإجبار نوابها على الوقوف مع الوزير في جلس التصويت المقبلة عليه، كما وقع نواب قبليون آخرون الورقة بعد أن فشلوا في الاستجواب الماضي الذي قدم للوزيرة ذاتها.
وأعلن رئيس مجلس الأمة، مرزوق الغانم، في مؤتمر صحافي عقب الجلسة الماراثونية إنه يتوقع بناء على إفادة الكثير من النواب فإنه سيتم التجديد للوزيرين الرشيدي والصبيح ولن يسقطا في جلسة التصويت المقررة في الـ10 من هذا الشهر.
لكن هذا النجاح الظاهري للحكومة في عبور الاستجواب، يخفي خلفه أزمة كبيرة تجري داخل البرلمان الكويتي، حيث بات العمل الفردي للنواب هو من يسيطر على الأجواء، وقال نائب إسلامي في البرلمان لـ"العربي الجديد": "لم يعد أحد يثق بالآخر بسبب الإشاعات والأخبار المتواترة عن قرب حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة".
وتمزقت كتلة المعارضة بسبب الاختبارات القبلية والطائفية التي وضعت بها في الاستجوابات، ذلك أن أحد زعماء المعارضة وهو علي الدقباسي هدد زملاءه النواب في الكتلة بأنه سينشق عنهم إذا ما قاموا بالتصويت ضد ابن قبيلته وزير النفط بخيت الرشيدي، فيما وقف النواب المعارضون المنتمون لفئة الحضر ضد استجواب الوزيرة الصبيح، رغم أنهم أيدوا استجواب الرشيدي، وانجرف آخرون خلف سيل الوعود الحكومية بإعادة الجناسي لمن سحبت منهم، ليقفوا بذلك ضد استجواب رئيس مجلس الوزراء.
وكان من الملاحظ تواري زعماء المعارضة الآخرين وعلى رأسهم النائبان المتهمان بقضية دخول المجلس والتي سيجري الحكم النهائي فيها بتاريخ 6 من هذا الشهر، وليد الطبطبائي وجمعان الحربش، حيث فضّل كلاهما عدم الإدلاء برأيه في أي استجواب وبقيا في الجلسة صامتين، في إشارة إلى الحالة الصعبة التي وصلت إليها الكتلة المعارضة داخل البرلمان.