جلسات شاي للاستجمام في السنغال

18 اغسطس 2017
للشاي طقوس مختلفة (Getty)
+ الخط -

يعشق السنغاليون الشاي ويعدّونه مشروبهم الأوّل، في حين يحافظون على تقاليد تحضيره ويحرصون على تقديمه إكراماً لضيوفهم.

تناول الشاي في السنغال واحد من أبرز الطقوس اليومية التي يحرص عليها سكّان البلاد، إذ يجمع أفراد العائلة الذين يكرّمون به ضيفهم ويعبّرون له من خلاله عن الحب والتقدير. يأتي ذلك في جلسات مسامرة ومؤانسة لتمضية الوقت وتفقد أحوال الأهل.

والشاي الذي يُعَدّ المشروب الشعبي الأوّل في السنغال، يحضَّر في كلّ الأوقات والظروف ويوضَع على موائد الفطور صباحاً ويستهلك بعد القيلولة وكذلك مساءً وبعد وجبة العشاء. ويتناول السنغاليون الشاي خلال العمل وفي جلسات المقاهي واجتماعات الأصدقاء والعائلة في البيت. وعلى الرغم من أنّ شروط إعداد الشاي تفرض نفسها على من يحضّره، فإنّ السنغاليين تمكنوا من تكييف جلسة الشاي لتتوافق وكل الظروف. في الإدارات ومكاتب العمل على سبيل المثال، يحرص عمّال المقاهي على إعداد الشاي وفق أصوله وتقديم كؤوسه على أوان تقليدية مزيّنة بوريقات النعناع.

ولا يفارق كأس الشاي حتى المتجوّل في الأسواق أو الباحث عن وسيلة نقل، إذ يعرض الباعة الكؤوس التي تمتاز بنكهتها الخاصة على قارعة الطرقات مستفيدين من حاجة المتجوّلين وأصحاب المحلات التجارية والسائقين إلى تناول الشاي الثقيل الذي يمنحهم الطاقة ويخلّصهم من وجع الرأس.

وتحتفظ جلسات الشاي في السنغال بخصوصيتها سواء في ما يخصّ الأدوات القديمة أو النكهة الأفريقية المميزة أو طريقة التحضير التي لم تتغيّر منذ القدم ولم تتأثر بالطرق الحديثة التي راحت تتبعها الشعوب الأخرى. وتكثر تلك الجلسات في المجتمع السنغالي إذ يحلو احتساؤه في أجواء حميميّة ودافئة وسط العائلة والأصدقاء. وعلى الرغم من اختلاف عادات قبائل السنغال، فإنّ القاسم المشترك بينها جميعاً هو تقديم الشاي كخطوة أولى لتكريم الضيف.

بحسب التقاليد السنغالية، لا يمكن رفض دعوة إلى جلسة شاي، إذ تهدف تلك الدعوة إلى اجتماع الناس فيسهل تبادل الأحاديث بين الجميع وإصلاح ذات البين بين المتخاصمين. وتلك الجلسات تكون مريحة تستوعب جميع الحاضرين وتعكس خصوصية الحياة الأفريقية البسيطة واللمّة العائلية.




يقول عبده بلاكيه وهو عامل، إنّ "الشاي هو المشروب الأول في السنغال وليس القهوة. وهو يتميّز بطقوسه ودلالاته التي تعكس حرارة التواصل والكرم وحسن الضيافة. فخلال جلسات الشاي يُصار إلى الإحاطة بالأحوال الاجتماعية وإلى تداول آخر الأخبار". يضيف أنّ "السنغاليين يفضّلون ارتشاف الشاي بطريقة خاصة تجعلهم يستمتعون به، وذلك من خلال إصدار أصوات بالفم والتقاط فنجان الشاي بأصابع اليد اليمنى. كذلك يحرصون على تناوله بعد وجبة الأرزّ والسمك الدسمة كوسيلة لتنظيف الجهاز الهضمي من كميّة الدسم التي تناولوها". ويشير إلى أن "شرب الشاي وبما أنّه طقس يومي، فهو أفضل طريقة لتمضية الوقت نظراً إلى طول مدّة تحضيره. ولأنّه من أصول الضيافة في الثقافة السنغالية، يهتمّ سكان البلاد كثيرا بجلسات الشاي وأدوات تحضيره ويسارعون إلى اقتناء المتميّز منها".

وتعكس أواني الشاي عشق السنغاليين له وحرصهم على حسن الضيافة. على الرغم من الاختلاف والتفاوت من مكان إلى الآخر، فإنّ تلك الأواني ومواد الشاي موحّدة بين كلّ المناطق مع اختلاف بسيط في كيفية إعداده ومدّة غليه واستخدام أوراق النعناع والصمغ العربي الذي يضيف إليه رغوة ومذاقاً.

ويختلف الشاي السنغالي عن الشاي العربي كثيراً، إذ هو ثقيل ومرّ لا يستسيغه المرء في البداية. وتحضيره يكون بغلي الماء والشاي لفترة من الزمن تختلف بحسب كمية الماء والشاي وحجم الإبريق، ليُضاف السكّر إليه في النهاية وكذلك وريقات النعناع أو الصمغ العربي بحسب الذوق. ويترك لفترة قبل أن يصبح جاهزاً للتقديم في كؤوس صغيرة الحجم. يُذكر أنّ السنغاليين لا يقبلون التنازل عن تلك الطريقة في إعداد الشاي، إذ يرونها ضرورية لاستخراج الطعم القوي الذي أدمنوه والمحافظة على خصائص الشاي وفوائده. وهم يشربونه بكثرة إذ يعدّونه نقياً وخالياً من المواد الضارة.

وعلى الرغم من تعاظم سلطة الشاي وتغلغل ثقافته في المجتمع السنغالي وتأثيره المتزايد في حياة الناس وطريقة عيشهم، فإنّ ذلك لا يعني أنّ ظهوره كان مرحّباً به لا سيّما في الريف، حيث اختلف الناس حول جواز تناوله. فثمّة من يُعدّه مُحرّماً بدعوى ما فيه من تضييع للوقت والمال بالإضافة إلى اختلاط الناس فيه.

تجدر الإشارة إلى أنّه في بداية ظهور الشاي، اقتصر تناوله على رؤساء القبائل وعليّة القوم، قبل أن ينتقل سحر الشاي إلى الجميع مع انتشاره وازدهار تجارته في غرب أفريقيا.

دلالات