جلدي خشب!

جلدي خشب! لا يلين ولا يقشعر. أنا الهائم على وجهي في بيداء حياتي. لا ماء ولا شجر. هذا القلب أضناني، أعرّضه للنفحات قسراً، فلا يهب من رقدته. مضى شطر العمر، ويح نفسي، في رحلة تيهي وشتاتي. ومسيري إليك، يا أنت، ومصيري بين يديك. وحياتي لهو وزهو ودعة مستقيلة من هم المسير والمصير. يا لوعة المشتاق اسق تربة القلب بماء الحب، عساها تهتز أرضه، وتربو وتنبت من كل أنس بهيج!
عُبيدك المسكين المريض المتعب طحنته ماكينة حياة الزخرف والبهرج الكاذب. عبيدك لا يعرفك، لكنه يحدث نفسه أنه يحبك. كذاب أشرّ. يرجو، كأي عاجز، ويتمنى على الله الأماني.
قلبي خشب!
وفي أذني يرن الذهبْ.
وفي عيني، زخارف من صخبْ.
وما الدنيا، يقول القريب،
سوى كبد في تعبْ.
وإن تعجب لأمري،
فمن عجب..
أقول كلام القوم،
وأنا دعيّ النسبْ.
تعبت من تعبي. بين أشواق السماء وغرائز الأرض. تائه بلا دليل ولا خريطة ولا عزم كعزم الجبال الرواسخ. موزع أشتاتاً، ممزق كل ممزق، وحاذي الرحلة يبث في أذني أن أدرك ولا تتخلف، قد فاز الناس بالمال والجاه وأنت صفر اليدين منهما. ويركبني العناد، كأي مطية سهلة المركب، فأشمر عن سواعد الجد أخوض مع الخائضين في ما يؤول إلى الزوال ولو بعد حين.

وأنت يا نفسي، يا أمارتي بالسوء في كل وقت وحين. يا نفيستي، يا مادة وجودي وماهيتي. تسوقين هذا المريض المتعب نحو الشقاء والضنك سوقاً كأنك خصم يتربص به الدوائر. أما آن لهذه الغشاوة أن تنجلي! أما آن لهذا القلب أن يتيقظ من غفلة ويقوم من كبوة! أما آن لك، يا نفس، أن ترعوي؟!

لم تكن شيئاً مذكوراً. صنعك من نطفة إذا تمنى. في ظلمات رحم الشفيقة إذ تتلقاك بالحب والرعاية. ورباك في حضن الرحيمين وليدا. وأطعمك من جوع وسقاك من عطش. وتزعم أنك شببت عن الطوق. لا تأبه لقول الكريم حين يترفق في دعوتك، وهو العظيم المتعالي، أن يا عبدي من عرف الله حيزت له الدنيا بأسرها ومن فاته الله فاته كل شيء. وكان الإنسان أكثر شيء جدلا.

تفر من نفسك، يا صاحبي، فرار السليم من المجذوم، كي لا تشوش الذهن بالأسئلة المقلقة: من أين جئت؟ إلى أين أسير؟ وإلى ما أصير؟ لا فكاك. هذا العمر يمضي. كلما ذهب يوم ذهب بعضك. وأنت، يا صاح، تزاحم الناس بالمناكب والأكتاف ينتهبون دنيا زائلة! وتنسى، في غمرة الزحام والهوس، يوم تحمل على الأكتاف وتطرح في الحفرة وحيداً.