جسور الحبّ والانتحار

18 سبتمبر 2014
بين طرفي الحياة النقيضين: الحبّ والموت (Getty)
+ الخط -
في باريس، حيث تنساب مياه نهر السين، انهار مؤخّراً جزء من سور "جسر الفنون"، بفعل ثقل الأقفال التي يعلّقها العشاق تخليداً لمشاعرهم الجميلة، التي أعطت الجسر اسمه الأشهر: "جسر العشّاق".

في بلادنا تكاد الجسور تنهار من وطأة أقفال مختلفة، هي رمز للحبّ وأشياء أخرى. بين مصر وسورية ولبنان والعراق... جسور كثيرة كانت تظلّلها الأشجار وتسكنها العصافير، كما سكنتها لقاءات العشّاق الفارّين من عيون الأهل ورقابتهم، وقيود الأعراف، لكنّها تخلّت عن رومنسيّتها، لأنّ الظروف الاقتصادية جعلتها متنفسّاً عائلياً، حرم العشاق ملعبهم الهادئ ذاك.

كذلك قضى التلوّث على الكثير من الأشجار، فصارت قاحلةً، شكلاً وروحاً، وساهمت الرقابة الأخلاقية على تحرّكات الأحبّة المتنزّهين، سواء كانت "رسمية" أو مدنية، في هجرة الكثير من المحبّين للجسور. كثيرة هي الجسور العربية التي يمكن تسميتها "جسور العشّاق".

بطريقة ما، لكلّ مدينة جسرها الرومنسي. لعلّ كوبري قصر النيل أشهر جسور القاهرة المرتبطة بالعشّاق، الذي جعلت السينما المصرية شهرته عربية.

لكنّه يوماً بعد آخر لم يعد حكراً على من صنعوا مجده الرقيق ذاك، إذ زاحمتهم بقوّة العائلات، التي بسبب الأزمة السكّانية وضيق المساكن، جعلت الجسور ملاذهم الاجتماعي والنفسي.

في الضفّة الأخرى، تورد إحصائياتُ عمليات الانتحار أنّ الجسور هي أكثر المناطق التي تشهد حالات انتحار.

وقد خُصّص مؤخراً في ولاية كاليفورنيا الأميركية، 76 مليون دولار أميركي لبناء سياج عند طرفي "جسر البوابة الذهبية" كإجراء وقائي، قد يخفّف من عمليات الانتحار فوق الجسر الشهير باسم "جسر الانتحار"، الذي تخطّى عدد المنتحرين من فوقه منذ افتتاحه العام 1937 ألفاً وخمسمئة منتحر، بينما تخطّاه جسر "نانجينغ يانغتزي" الصيني، الذي سجّل منذ 1968 إلى اليوم أكثر من 2000 حالة انتحار، وضعفها من المحاولات الفاشلة! فهل يكمن سحر الجسور وسرّها، في أنّها، كأداة تواصل، تلهمنا التواصل والتفاعل بين طرفي الحياة النقيضين: حبّاً وموتاً؟
دلالات
المساهمون