جسر جربة... حلم الجزيرة التونسية

16 أكتوبر 2018
تعيش جربة حالة عزلة لصعوبة الوصول إليها (Getty)
+ الخط -


جزيرة جربة هي أكثر المناطق السياحية التونسية إشعاعا في العالم، جمال وشواهد تاريخية دينية وعسكرية وثقافية وتراثية من كل الأصناف والاختصاصات، شاهدة مثل مدن تونسية أخرى على تزاحم الحضارات التي أرادت ان تستوطن منذ آلاف السنين في تونس، غير أن هذه البلاد نجحت في هضمها وتحويلها إلى جزء من مكونات الشخصية التونسية، كما يقول المؤرخ الكبير حسين فنطر.

لكن الوصول إلى جربة يظل عسيرا اذا لم يكن جوا، فالوصول إليها برا يكون عبر مدينة جرجيس والقنطرة الرومانية أو عبر البطاح "العبٰارة" بحرا، وهي معاناة طويلة تتطلب صبرا ودربة على الانتظار لما يفوق الساعات أحيانا، تحت الأشعة الحارقة جنوبا أو الأمطار شتاء. 
في انتظار البطاح، طابور طويل من السيارات ينتظر الفرج، ولافتة لا تحمل توقيعا تقول بلغات مختلفة "الجسر حلم الجزيرة".

يقول خالد بائع "المطبّقة" (أكلة تونسية تقليدية تشبه البيتزا) إنه يعيش هذا المشهد منذ حوالى عشرين سنة، يبيع الشاي والمطبقة للسيارات، يقول لـ"العربي الجديد": "لا حل لهذه المعاناة إلا الجسر، لماذا لا يشيدون جسرا ينهي هذا التعب وييسر الوصول إلى الجزيرة ويزيد من زوارها وينعش الحركة الاقتصادية والسياحية"؟

يلخّص خالد بكل بساطة أحلام سكان الجزيرة منذ عقود، جسر يفك العزلة ويجنب الالتفاف بمسافة تفوق مائة كلم حول الجزيرة إلى مدنين وجرجيس للوصول إليها عبر الطريق الرومانية.

شيدت الطريق في عهد الإمبراطورية الرومانية في نهاية القرن الثالث الميلادي، وكان طولها 7 كيلومترات، يتوسطها قديما جسر متحرك يرفع بالسلاسل عند الحاجة فيقطع الطريق، ويمكّن في نفس الوقت السفن من المرور من جهة لأخرى.

وتؤكد المراجع التاريخية أن الطريق عرف تطورات كثيرة مع الزمن، فقد أمرالسلطان الحفصي أبو فارس عبد العزيز المتوكل بترميم الجسر الروماني، بعد هذا تعرض جزء منه للغرق بين 1431 و1432 ، ثم دمر جزءٌ كبير منه حوالي سنة 1551 إثر معارك بين درغوث باشا والإمبراطورية الإسبانية.

وأعيد بناء القنطرة الرومانية في سنة 1952 أثناء حكم محمد الأمين باي وأدخلت عليها تحسينات بعد الاستقلال في 1959، وأصبح طريقا للسيارات يسمح في نفس الوقت بنقل المياه العذبة للجزيرة عبر أنابيب كبيرة.

بين 2004 و2006، تم تشييد جسر مرفوع في وسط الطريق يبلغ طوله 160 مترًا وارتفاعه الأقصى 21.2 مترا، وهو يعوض الجسر القديم ليسمح بمرور السفن من الناحية الشرقية إلى الجهة الغربية وبالعكس.

أدخلت تحسينات جديدة على الطريق منذ أشهر بغاية توسعتها ومضاعفتها بعد زيارة رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى الجزيرة، ولكن يبدو أن حلم الجسر بدأ يقترب شيئا فشيئا، فقد أعلن الشاهد من بيكين بمناسبة منتدى التعاون الصيني الأفريقي عن التوقيع الرسمي لمذكرة تفاهم تتعلق بمجموعة من المشاريع الكبرى المزمع إنجازها في الجنوب التونسي، وتتعلق مذكرة التفاهم المبرمة بين الجانبين التونسي والصيني بإنجاز الدراسات الفنية والاقتصادية الخاصة بعدد من المشاريع الكبرى من بينها تطوير القطب الاقتصادي بجرجيس الذي يتوفر فيه مخزون عقاري يناهز الألف هكتار وإنجاز جسر يربط بين الجرف ومدينة أجيم (2.5 كلم تقريبا) ،وإنجاز الخط الحديدي الرابط بين قابس ومدنين وصولا إلى ميناء جرجيس على طول 140 كلم تقريبا.

ويجدر التذكير أنه سبق لوفد من الشركة الصينية الحكومية أن قام بزيارة لمواقع هذه المشاريع في ولاية مدنين وترمي هذه الاتفاقية التونسية الصينية إلى بناء شراكة متينة لاسيما في ضوء انضمام تونس لمبادرة الحزام وطريق الحرير في يوليو/تموز 2018.

وحتى يتحقق الحلم، ينتظر المواطنون البطّاح كل يوم من الجهتين، 25 سيارة في الرحلة الواحدة بمقابل زهيد لا يتجاوز ربع دولار، يتمنون ألا يتعطل أحدها حتى لا تتضاعف المعاناة، لأنه لا حل هناك، فالبحر من أمامكم والبر بعيد جدا من ورائكم.
دلالات