جريمة الزواج من قاصرات

04 ديسمبر 2015
+ الخط -
شهدت مجتمعات في بعض الدول العربية، مثل اليمن والسعودية ومصر والأردن والمغرب ولبنان، وخصوصاً المناطق الريفية والقرويّة منها، تفشّيا ملحوظاً لظاهرة زواج القاصرات من رجال كبار، او حتى من الشباب، وتعود الظاهرة، في معظم الأحيان، إلى أسباب مادية بحتة، فحاجة وليّ الأسرة للمال، وطمَعه أحياناً، دفعانه إلى بيع ابنته إلى أحد التجار"الرجال"، القادرين منهم على دفع المهر، مهما غلا ثمنه، كما أن المال، يعميه عن فهم حقيقة هذا الزواج وأبعاده، وتأثيره السلبي على ابنته القاصر، والنتائج الوخيمة التي سوف تعانيها ابنته من هذا الزواج الجائر، وغير المتكافئ، والذي في حقيقته، تجارة بجسد ابنته، ولو كان زواجا شرعياً وموثقاً على الورق.
الزواج من قاصر جريمة استغلال جنسي فاضح لهذه الطفلة، كونها لا تملك فكرة عن معنى الزواج والزوج والمسؤوليات وواجبات زوجة، فالزواج منها لا يبني تلك الأسرة السليمة و المثالية، بل هي عملية بيع وشراء طفلة وُضعَت دمية تحت رحمة رجل في عمر أبيها يفرّغ فيها كل ما لديه من احتياجات ورغبات، فيملك تلك المتعة المريضة في استغلال طفلة واقتحامه جهازها التناسلي غير مكتمل النمو، وانتهاكه طفولتها البريئة في مقابل قطعة من الشوكولا، فإن أبَت الرضوخ له، يضطر لاستخدام الترهيب والعنف والتهديد والاغتصاب الأليم، والذي يحدث على حساب صراخ وبكاء والسطو على جسد طاهر طفولي، مكانه في المدرسة الابتدائية مع الطالبات، ما يجعل تلك الفتاة تواجه مشكلات نفسية وعقلية وجسدية خطيرة، تصل إلى قتل النفس أحياناً.
وبالإضافة إلى المشكلات الجسدية الكثيرة التي تواجه الزوجة القاصر، من أمراض وتشوهات، هناك المشاكلات النفسية، ومنها الحرمان العاطفي من حنان الوالدين، والحرمان من عيش مرحلة الطفولة الطبيعية، وحدوث حالات الصدمة النفسية المبكرة التي تؤدي إلى الهستيريا والفصام، والاكتئاب، والقلق واضطرابات الشخصية واضطرابات في العلاقات الجنسية مع الزوج، وذلك ناتج عن عدم إدراك الطفلة طبيعة العلاقة، ومن ثم فشل العلاقة، قلق واضطرابات عدم التكيف، نتيجة المشكلات الزوجية، وعدم تفهم الزوجة ما يعنيه الزواج، ومسؤولية الأسرة والسكن والمودة. والإدمان نتيجة لكثرة الضغوط، نوعاً من أنواع الهروب، الخوف من المجتمع ومن الناس، الخوف من الظلام والبعد عن الوالدين، وجود الخوف (القلق) من الشدة الجسدية من الزوج، وهي حالة مرضية، تستدعي التدخل الطبي، وعدم اكتمال النضج الذهني، فيما يخص اتخاذ القرارات، وما يترتب عليها بالنسبة للعناية بالطفل، وواجبات الزوج والعلاقة مع أقاربه.
الزواج من القاصرات كفر وظلم بعينه، وكل من يقدم على هذا الفعل الشنيع من الرجال يكون قد تجرّد من الانسانية والرحمة والعطف، أو حتى من المشاعر، فهل هو إنسان سويّ لحظة اغتصابه طفلة بعمر بناته أو حفيداته ؟ هل هو إنسان سويّ، حين يلقي كل ما لديه من دناءة الجسد والشهوات على جسد طفلة بريئة، ما عرفت غير الدمى وتمييز الألوان وإلقاء الأحرف الأبجدية في حياتها؟هل هو أبٌ سويّ، حين يتاجر بطفلته في مقابل مبلغ بحجة صعوبة وضعه المادي الراهن، والذي سوف يكفيه شهوراً أو سنوات عاشت فيه طفلته باكية محترقة القلب، تائهة ومتفاجئة بوضعها، وبحياتها التي أتت على غفلة من أمرها؟
لا أدري، كأننا في مجتمعٍ وحشيّ نسي سكانه لقبهم بشراً، يقولون ويقولون الكثير عن اختراق حقوق الأطفال وحقوق الإنسان ويمنعون ويقرّون القوانين والأنظمة والنصوص. لكن، هل يجدي ذلك نفعاً في الواقع؟ هل قامت فعلاً تلك القوانين والنصوص والعقوبات الشكلية فقط بالحد من ظاهرة الزواج من القاصرات واغتصاب الطفولة؟ لا أظن، بل تزداد يوماً بعد يوم. لا أدري إلى أين وصلنا من الجهل والتمرد على المنطق وعلى الطبيعة واكتساب أكبر قدر من أنانية النفس والجشع والقسوة، لكنني أعلم أنه يجب على الحكومات ومنظمات حقوق الطفل والإنسان القيام بعمل جدي، وإقرار عقوبات لا رحمة فيها، لمن يزوج ابنته دون الثمانية عشر عاماً، فهذه طفلة. وقد أصبحت هذه الظاهرة مترنحة ما بين اجتهاد القاضي وطمع أهالي وفتاوى شيوخ دين، ما دروا أن ديننا الحنيف هو رسالة للترغيب والعطف واحترام الذات والنفس البشرية، فالزواج من قاصر اعتداء جنسي بثوب شرعي ومجتمعي، جريمة علنيّة للتجارة البشرية، فارحموا أطفالكم، يرحمكم الله.



3193C8E7-6990-445B-9F87-657C3F7F3209
3193C8E7-6990-445B-9F87-657C3F7F3209
فرح العبدالات (الأردن)
فرح العبدالات (الأردن)