عادت لغة التهديد إلى الواجهة الإعلاميّة في ما يخص تأليف الحكومة اللبنانيّة، وذلك بعد أن غابت هذه اللهجة منذ اغتيال الوزير السابق محمد شطح في نهاية كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، والفترة التي لحقتها مع زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى لبنان. جوهر تهديدات قوى الثامن من آذار ينطلق من أن لا حكومة لا ترضي رئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، ستـُكتب لها الحياة. يقول هؤلاء إن وزراءهم سينسحبون من حكومة كهذه، حتى لو كانت ضمن صيغة الثلاث ثمانيات؛ أي ثمانية وزراء لقوى الثامن من آذار، وثمانية لقوى الرابع عشر من آذار، وثمانية لرئيس الجمهورية، ميشال سليمان، ورئيس الحكومة المكلف، تمام سلام، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط.
الخلاف لا يزال على حاله. عون يُطالب بإبقاء وزارة الطاقة والنفط ضمن حصته، على أن يتولاها صهره جبران باسيل. الإصرار على هذه الوزارة، ينطلق من كونها تُدير الثروة الجديدة في لبنان، أي الغاز. مصادر سلام تؤكّد أن هذا الأمر محسوم: "مداورة شاملة، تسحب الطاقة من حصة باسيل". طُرحت خيارات كثيرة لتدوير الزوايا. منها إعطاء وزارة الخارجية لعون، لكنه مصرّ على موقفه.
المعطيات المتوافرة حتى كتابة هذا التقرير هي على الشكل التالي: رئيس الجمهوريّة، يُصرّ على أنه حان الوقت لتأليف الحكومة، لكن مستشاريه يقولون إن مشاورات التكليف مهمة الرئيس المكلّف. ويُضيف أحد المستشارين بأن سليمان ينتظر في الساعات 48 المقبلة زيارة من سلام، يُقدّم خلالها تشكيلته الحكوميّة. لكن هل سيوافق سليمان على التشكيلة التي سيحملها سلام؟ لا جواب. أحد مستشاري الرئيس يقول بوضوح: "يؤلف، ولا يؤلفان" في إشارة إلى دور سلام.
في المقابل، يقول مستشارو سلام إن الأخير يتشاور مع مختلف القوى، لكنهم يؤكّدون أن الحكومة قريبة، "خلال 24 أو 48 أو 72 ساعة" يردّ أحد المستشارين. يكاد لسانه يزلّ بالقول "أو خلال الـ 94 الساعة المقبلة" لكن مهاراته الحسابيّة تخونه. لا يملك سلام جواباً للسؤال الأساسي: هل يُقدّم على تشكيل حكومة يُدرك أن بعض وزرائها سيستقيلون؟ الأسئلة الأخرى توجد أجوبة لها: مداورة شاملة، وإصرار على تشكيلة الثلاث ثمانيات.
المؤكّد أيضاً أن موقف جنبلاط من الحكومة المفترضة سيكون منسقاً بالكامل مع رئيس مجلس النواب، نبيه بري. الأخير أرسل اليوم لسلام عبر لقاء الأربعاء النيابي دعوة إلى التريث. سلام بدوره سيزور بري ليضعه في الصورة النهائية للحكومة قبل تسليمها لسليمان.
من يُراهن على أن تشكيل الحكومة قريب يُراهن على رغبة بري الشديدة في سحب وزارة الطاقة من يدي عون، وهو الذي خاض ضده العديد من المعارك في الحكومة السابقة عند نقاش موضوع النفط والغاز. لكن هؤلاء يُدركون أن هامش بري في الحركة، لا يُمكن أن يتخطى موقف حزب الله. لا يُمكن له تأمين الغطاء النيابي لحكومة لا يوافق عليها حزب الله ضمناً. وينطلق قائلو هذا الكلام من أن حزب الله في حاجة نظرياً إلى تشكيل حكومة، لكن لا أحد يدري ما الذي يجري داخل الحزب، وتأثره بالملفات الإقليميّة. ويُضيف أصحاب هذه النظريّة أن الاتصالات لا تزال جارية بين بري وحزب الله وجنبلاط في سبيل الخروج بصيغة حلّ، ومن الصيغ المطروحة، أن ينسحب حزب الله تضامناً مع عون، على أن يبقي جنبلاط وبري على وزرائهما. ويُشير أحد الذين يعملون على هذا المسار أن حزب الله يسعى إلى إيجاد صيغة حلّ، "لكن هذا لا يعني أن يسعى إلى تأليف حكومة".
أما بخصوص لغة التهديد التي خرجت بها بعض الصحف اللبنانيّة صباح اليوم، فإن مصادر سياسيّة عدة تربطها بامتناع جنبلاط عن إصدار موقفه الأسبوعي يوم الاثنين الماضي، وعدم تأكيده أنه سيتضامن مع وزراء الثامن من آذار في الانسحاب من الحكومة المشكلة في حال قرر هؤلاء الانسحاب. وتُشير مصادر مطلعة في هذا المجال إلى أن جنبلاط حسم موقفه اليوم، من حيث الانسحاب من الحكومة في هذه الحالة. وتستبعد مصادر قوى الرابع عشر من آذار تشكيل الحكومة، إذ في رأيها لا يملك سلام وسليمان الجرأة الكافية للقيام بخطوة كهذه.
في مقابل هذا النقاش، يُشير زوار السعوديّة إلى أن الأخيرة لا تزال على موقفها من حيث ضرورة سحب وزارتي الخارجيّة والداخليّة من يدي فريق الثامن من آذار. السعوديّة عملت على إسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لكن إسقاطها النهائي يستوجب تشكيل أخرى. وتُصرّ السعوديّة على ضرورة تعيين وزير خارجيّة آخر، بدل الوزير الحالي، عدنان منصور، حتى لا يكون للنظام السوري منصة غير مباشرة في المنابر الدبلوماسيّة العربيّة والدولية. لا بل، تتهم السعوديّة منصور بأنه يتولّى عمليّة النطق باسم النظام السوري، وكسر الإجماع العربي.
أمّا في ما يخصّ وزارة الداخليّة، فإن السعوديّة مهتمّة بإعادة إمساك الوضع الأمني، خصوصاً مع عودة الاغتيالات لشخصيات قوى الرابع عشر من آذار، وانتشار القوى المتشددة، والتي تتهم السعوديّة النظام السوري وإيران بتغذيتها بطريقة غير مباشرة للاستفادة منها إعلامياً وسياسياً.