عندما يدخل المرضى المستشفى، لا يعلمون أنهم وإلى جانب تلقيهم العلاج قد يصابون بإحدى الجراثيم التي تنتشر في تلك المؤسسات الصحيّة. وهذا الخطر لا يستطيع أحد لجمه ولا القضاء عليه، إذ لا يُرى ولا يُعرف كيف ينتقل في الهواء.
تروي إيلينا التي عانى والدها الأمرّين قبل أن يفارق الحياة، أنه "دخل المستشفى لإجراء فحوصات. من ثم خضع إلى قسطرة (تمييل) المجاري البولية. وهنا بدأت رحلة المعاناة، عندما أبلغنا بأنه أصيب بجرثومة قاتلة. رحت أتساءل هل أرفع دعوى على المستشفى أم أستسلم للقدر؟". تضيف: "إصابته وضعته في غرفة عازلة في العناية الفائقة لأشهر، قبل أن يسلم الروح. هي فعلاً مأساة لا توصف. يدخل المريض المستشفى للتداوي من حالة، فيخرج بحالات، هذا إن خرج".
من جهته، يتحدث روبير مرعب عن معاناته قائلاً: "قبل سنتين أصبت في حادث مرور ودخلت المستشفى في حال خطرة. وصلوني بأجهزة تنفس اصطناعي، فأصبت بجرثومة كادت تودي بحياتي وقد طالت جهازي التنفسي. لكن بقدرة قادر نجوت منها". يضيف: "لا أعرف ماذا أسمي ذلك. هل هو إهمال في العلاج أم قضاء وقدر؟ بعد تجربتي المريرة، بت أخاف من دخول المستشفى".
غسل اليدَين ضرورة
في هذا السياق، يشرح المتخصص في الأمراض الجرثومية الدكتور بيار أبي حنا أن "خطر انتقال الجراثيم في المستشفيات يتراوح ما بين 1 إلى 5%. ولا تتوفر معطيات جديدة حول زيادة عدد الإصابات من جرّاء عدوى المستشفيات. لكننا نستطيع القول بتقدّم طبي في السنوات العشر الأخيرة للحدّ من انتشارها". يضيف: "اكتشفنا بكل بساطة أن غسل اليدين من قبل الجسم الطبي، يحدّ من تفشيها. لذا نشدّد على ذلك. هكذا نستطيع الحدّ من انتشار الجراثيم بنسبة 75%. وهذا ما تشدّد عليه أيضاً منظمة الصحة العالمية".
ويقول أبي حنا إن "إجراءات طارئة اتخذت في الولايات المتحدة للحد من انتشار تلك الجراثيم، أما عندنا فنجدها تتزايد. ولا بدّ من الإشارة إلى أن ربطة عنق الطبيب وسماعته الطبية مثلاً قد تنقلان الجراثيم في المستشفى".
من جهة أخرى، يؤكد "ضرورة عدم تناول المضادات الحيوية عشوائياً، لأن ذلك من شأنه أن يضعف مناعة جسم الإنسان". ويوضح أنه "من الصعب التوصّل إلى صفر التهابات. أما الأكثر عرضة لها، فهم الأطفال الصغار وكبار السن والذين يعانون من مناعة ضعيفة. لذا نحاول قدر المستطاع تجنّب القسطرة والتنفس الاصطناعي إلا في الحالات الطارئة والضرورية".
اقرأ أيضاً: النيابة العامة الصحيّة مطلب لبنانيّ ملحّ
دعوى ضدّ الإهمال
من جهته، يشرح المتخصص في الأمراض الجرثومية، الدكتور جاك مخباط، أن "للمريض الحق في رفع دعوى على المستشفى في حال ثبت الإهمال أو تقصير ما في العلاج، وبالتالي انتقال عدوى جراثيم المستشفيات وما ينتج عنها من التهاب حاد وتداعيات أخرى". وعن نسبة انتقال العدوى في المستشفيات، يقول إنها "تتراوح بحسب الحالة المرضية. مثلاً، في عملية الورك تسجّل نسبة العدوى 2% خصوصاً عند كبار السن".
ويتابع مخباط أن "نسبة انتقال العدوى تزداد اليوم نظراً لارتفاع الكثافة السكانية، بالتالي تتزايد العمليات الجراحية. أما الأبرز في هذا الموضوع، فهو أن زيادة انتقال العدوى يعود أيضاً إلى الاستعمال المكثف للمعدات الطبية من دون تعقيمها، واستعجال دخول المرضى الواحد تلو الآخر، من دون الالتزام بأصول التعقيم لا سيّما تعقيم الغرف. لهذا تعتمد اليوم المستشفيات طرق عدة للوقاية. هي تخاف على سمعتها، ووزارة الصحة العامة بالتنسيق مع الجمعية اللبنانية للأمراض الجرثومية وبرنامج مكافحة الأمراض الاستشفائية تطلب من الجسم الطبي الالتزام بالمعايير العلمية التي وضعتها والقائلة بضرورة أن يقوم كل مستشفى بالمراقبة الذاتية اليومية، مع تأهيل الممرضات والممرضين والفريق الطبي بشكل مستمر، حتى تظلّ المستشفى محافظة على التصنيف الاستشفائي الذي وضعته وزارة الصحة".
عدوّ شرس
يوضح نقيب المستشفيات، سليمان هارون، أن "المستشفيات صارت تعي إجمالاً خطورة انتقال عدوى الجراثيم فيها، لكن المشكلة التي نواجهها هي أنه أصبح لهذه الجراثيم مناعة ضدّ المضادات الحيوية. بالتالي تظهر أخرى جديدة أكثر خطورة. من هنا، لا بدّ من وضع خطة لترشيد استعمال ووصف تلك المضادات تجنباً لهذه الحالات المستعصية".
يضيف أن "الحرب التي نشنها اليوم ليست سهلة. ونطالب الناس بالتجاوب معنا للحد من انتقال العدوى، من خلال تجنّب إحضار الأزهار إلى المستشفى، إذ هي قد تنقل الجراثيم. كذلك لا بدّ من تفادي تناول الأطعمة في غرفة المريض، وتجنّب قدر المستطاع الانتقال من غرفة إلى أخرى".
ويشدّد هارون على أن "المسألة تحتاج إلى حملة توعية مكثفة وترشيد صحي مستمر. من جهة أخرى، كلما استقبلت المستشفيات حالات صعبة كلما كانت أكثر تعرضاً للجراثيم. لهذا نعمد اليوم إلى دورات مكثفة لتدريب الجسم الطبي على كيفية التعامل مع المرضى الأكثر تعرّضاً لانتقال الجراثيم".
ويتابع أن "نسبة الوفيات من عدوى الجراثيم في المستشفيات قليلة، أما نسبة انتقالها فتصل إلى 5% في حين تصل في غرف العناية الفائقة إلى 15% حتى ولو اتخذ المستشفى الإجراءات الضرورية كلها". ويشدّد قائلاً: "نحن نحارب عدواً قوياً جداً لا نراه ولا نعرف مكانه".
اقرأ أيضاً: من يراقب مطابخ مستشفيات لبنان؟