جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات غير مسبوقة في السجون المصرية

30 مارس 2014
+ الخط -

 قال هيثم أبو خليل الناشط الحقوقي المصري، مدير مركز"ضحايا" لحقوق الإنسان: "إن عمليات التعذيب تستخدم على نطاق "مرعب" في السجون المصرية في غياب تام للقانون، ومراكز الاحتجاز غارقة في حلقة رهيبة من انتهاكات حقوق الإنسان، تصل إلى حد الاعتداءات الجنسية والاختطاف القسري لمحتجزين".
وأضاف في حوار خاص مع "العربي الجديد" "أن السلطات الحالية ليست لديها الرغبة في اتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على هذه الممارسات والانتهاكات، وتتعمد وبشكل منهجي إساءة معاملة المعتقلين من رافضي الانقلاب العسكري الذي قاده الجيش ضد أول رئيس منتخب".
وأفاد بأنه حصل على "معلومات وأدلة ذات مصداقية" حول تعرض موقوفين للتعذيب أو الاغتصاب على يد قوات الأمن، لإرغامهم على الإدلاء باعترافات غير صحيحة أو ترهيبهم من التظاهر أو معارضة السلطات الحالية في إطار سلسلة من الجرائم ضد الإنسانية في السجون المصرية.
وأوضح أنه من بين أساليب التعذيب التي ذكرها المعتقلون، الضرب والصعق بالكهرباء في أماكن حساسة، وغيرها من أعضاء الجسم ، ووضعهم في زنازين جماعية بأعداد كبيرة جدا، بالإضافة إلى الحرمان من الطعام والماء والنوم، والتهديد بالاغتصاب أو بالقبض على قريبات المعتقل.

هنا نص الحوار:

 بداية، كيف ترى أوضاع حقوق الإنسان في مصر؟

على الرغم من خروج الشعب المصري في ثورة 25 يناير/ كانون الثاني مطالبا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، إلا أننا نعود للأسوأ في ظل الانقلاب العسكري الدموي، بعد أن عادت دولة الخوف وانتهاكات حقوق الإنسان، اعتبارا من الثالث من يوليو/ تموز من خلال استمرار القمع وتقييد الحريات، إضافة إلى ارتكاب جرائم التعذيب والاغتصاب بحق المعتقلين والمعتقلات، فالديمقراطية لا يصنعها إلا الديمقراطيون، وهؤلاء انقلبوا على الشرعية  مع الأسف، وبعد الثالث من يوليو، فإن الأمر تجاوز كلمة "انتهاك حقوق"، فلم تصبح هناك حقوق لكي تنتهك، ولا إنسان لكي تكون له حقوق، فمصر بالفعل، تسير ولكن نحو أسفل القاع، وليس نحو الديمقراطية، بعد أن حقق الانقلاب أرقاما قياسية في اعتقال وقتل المصريين وتعذيبهم، وتلفيق القضايا والاعتقالات الجائرة التي طالت أكثر من 23 ألف مصري.
ولابد أن نعترف بأن ما تم رصده من انتهاكات، ليس كل الحقيقة، لأنها للأسف، عصية على الوصف، وفي حالات كان من الصعب توثيقها، ورغم ذلك فإن الأرقام القياسية في اعتقال المصريين وتعذيبهم، هي الأعلى في العالم، بل إن إضراب أطفال المؤسسة العقابية، جعلنا الدولة الوحيدة في العالم التي يضرب فيها أطفال - فضلا عن كونهم معتقلين - عن الطعام.

ماذا عن الانتهاكات التي يتعرض لها المواطن في السجون المصرية ؟

 حصلنا في الفترة الأخيرة على معلومات وأدلة ذات مصداقية، حول تعرض موقوفين للتعذيب أو الاغتصاب على يد قوات الأمن، لإرغامهم على الإدلاء باعترافات غير صحيحة، أو ترهيبهم لمنعهم من التظاهر أو معارضة السلطات الحالية في إطار سلسلة من الجرائم ضد الإنسانية في السجون المصرية.
فلدينا شهادة موثقة عن التحرش الجنسي من قبل عناصر الداخلية بالبنات في سيارات الترحيلات وأقسام الشرطة، بل وداخل السجون، وأثناء إجراء كشوف العذرية لعدد منهن.
كما تم توثيق حالة لاعتداء جنسي كامل على طالب أزهري، في الفرقة الثانية بكلية العلوم، عضو في حزب النور، في قسم ثان شرطة مدينة نصر، ولدينا توثيق لانتهاكات مروعة في حق حوالي 25 ألف معتقل نتيجة التكدس الهائل واستحالة المعيشة في ظل الأوضاع غير الآدمية، وانتهاكات في المؤسسات العقابية يندى لها جبين الإنسانية، ومنها تعريض الأطفال للكهرباء وتعذيبهم، والتحكم فيهم عن طريق أطفال جنائيين محبوسين في قضايا آداب وقتل ومخدرات.

وعن هذا الأمر تحديدا، حدث ولا حرج، فبعد أن أعلن قادة الانقلاب الحرب على المستقبل، باعتقالهم الأطفال وتعذيبهم في المؤسسة العقابية، نسميها نحن -الحقوقيين- "المؤسسة الانتقامية"، إذ تم رصد العديد من الانتهاكات التي يتعرضون لها بداية من القبض على مئات الأطفال من رافضي الانقلاب بعد توجيه تهم غير واقعية وغير معقولة، لمن في أعمارهم واحتجازهم مع بالغين في ظروف صعبة، وأماكن غير آدمية، ومن يخالف أي أوامر يضرب بقوة ويصعق بالكهرباء ويعلق من قدمه، فضلا عن الإهانة البدنية والنفسية، وهو ما دفع بالعشرات منهم إلى الدخول فى إضراب مفتوح عن الطعام، مما يعرض حياتهم للخطر، ما يخالف قانون الطفل والاتفاقيات الدولية.

هل تتوقع مساهمة انتهاكات حقوق الإنسان في تغيير الأوضاع الحالية وإسقاط الانقلاب، كما كانت من أهم أسباب اندلاع ثورة 25 يناير؟

الأزمة تكمن في أن الإعلام الموجه يلعب الدور الإطفائي "الخائن" للوطن، فيقوم بترك النار التي تلتهم الوطن وأبناءه، بل ويصب الزيت على النار بشكل عكسي، لكني أعتقد أنه مع مرور الوقت سيزداد الوعي، خاصة أن ترشح المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، سيؤدي إلى تقارب كل القوى السياسية المعارضة للانقلاب، والذي أتمني أن يكون قريبا.

ما تقييمك لأداء منظمات المجتمع المدني والمراكز الحقوقية بعد الانقلاب، وما رأيكم في الاتهامات الموجهة لها بأنها تنفذ "أجندات" لحساب مموليها؟

الفائدة الكبيرة التي يمكن استخلاصها من انقلاب الثالث من يوليو، هي اكتشاف الوجه الحقيقي لمنظمات المجتمع المدني، فبعضهم يخاف من انقطاع "السبوبة" وغضب الممول وسطوة العسكر، والبعض الآخر يعمل طبقاً "لأجندة" بالفعل، وقليل منهم من يعمل بجدية من أجل الله والوطن.

 وماذا عن دور المجلس القومي لحقوق الإنسان؟

المجلس القومي لحقوق الإنسان من وجهة نظري، ليس له دور يخص حقوق الإنسان، بل يقتصر دوره على "التضليل" وتبرير انتهاكات حقوق الإنسان، كما حدث في مجزرة رابعة، وهذه قمة العمالة والخيانة للقضية الحقوقية من وجهة نظري.

 

ما تقييمك لمدى احترام السلطات المصرية لمبادئ وقوانين حقوق الإنسان، ودورها في الاعتداءات الدموية على الحق في التظاهر والتجمع السلمي؟

من واقع عملي الحقوقي، أؤكد أن السلطات الحالية ليست لديها الرغبة في اتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على هذه الممارسات والانتهاكات، وتتعمد وبشكل منهجي إساءة معاملة المعتقلين من رافضي الانقلاب العسكري الذي قاده الجيش ضد أول رئيس منتخب، فلا يوجد أي احترام، لأن هؤلاء مجموعة من القتلة أو المرتزقة الذين يقتلون بالأمر والأجر من أجل إرضاء "الأسياد".

السلطات المصرية كثيرا ما تبرر مثل هذه الانتهاكات بزعم مواجهتها الإرهاب، ما حقيقة ذلك؟

  مصر فعلاً تعاني من خطر إرهاب حكم العسكر الذي قتل ودمر أبناء الشعب المصري، وأغلق المعابر في وجه إخوانهم في فلسطين، ومن وجهة نظري فإن الادعاءات بوجود "إرهاب" في سيناء أو "تكفيريين" هو كذب وتضليل لتوصيل رسالة إلى الغرب وأميركا، مفادها أننا نسعى لتحقيق مصالحكم وأمن إسرائيل ومستعدون دائما لمزيد من التنازلات مقابل أن تحافظوا على وجودنا في السلطة.

كيف قرأت مطالب بعض رجال الدين المسيحي والإسلامي؛ بعدم الاهتمام بحقوق الإنسان في الفترة الانتقالية، ودعوات قتل معارضي الانقلاب؟

هذا بالطبع مخالف للعهد الدولي الأول لحقوق الإنسان، ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اللذين ينصان على أنه لا تبرير لأي انتهاك لحقوق الإنسان تحت دعوى تهديد الوطن أو وجود خطر محدق به أو حتى حالة حرب، فلا يوجد شيء يبرر انتهاك حق إنسان، فهو أعظم وأهم شيء في الكون بأكمله.

كيف تنظر إلى السياسية الدولية في موضوع حقوق الإنسان داخل مصر؟

 للأسف، هناك فجوة شاسعة بين السياسة وحقوق الإنسان، فكلاهما لا يتقابل مع الآخر إلا في حالة المصالح المشتركة، وفي حالة مصر أو دول العالم الثالث، فالسياسة الدولية لا تحترم إلا حقوق الأقوياء ومصالحهم التي هي أغلى من أرواحنا، ناهيك عن الدور التآمري على المستويين الإقليمي والدولي في دعم الانقلاب ومحاولة التغطية على جرائمه بالسكوت أو عبر بيانات هزلية لغسل ماء الوجه.

 
هل من الممكن ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم ومحاكمتهم ؟

بالطبع، وهذا ما يفعله الآن الكثير من المصريين الوطنيين في الخارج، فالجرائم التي ارتكبها الانقلاب جرائم ضد الإنسانية، ولا تسقط بالتقادم، وهناك توثيق محترم وكامل، قُدِّم أمام المحاكم الدولية، ونحن جادُّون في تصعيد هذه القضية لأنه لا يمكن السكوت عن تلك الجرائم القذرة.

و لماذا لم يتم تقديم هذه الأدلة إلى القضاء المصري؟

المؤسسة القضائية شريك أساس في الانقلاب على الشرعية، بعد أن تورط بعض قضاتها في الدماء وتقنين ظلم العسكر، من خلال الأحكام "المسيسة والظالمة " لمناصري الشرعية ـ بل وغض الطرف عن الانتهاكات التي تحدث لهم في السجون مقابل عدالة بطيئة لقتلة الثوار، منذ إسقاط المخلوع وحتى الآن، فلو كان في مصر قضاء مستقل لسقط الانقلاب، بل وربما لم تقم له قائمة.

هل سيظل الأمر كذلك؟ ومتى نصل إلى مجتمع خال من انتهاكات حقوق الإنسان؟

إن ما يجري هو مشهد أسود من مسلسل الانقلاب العسكري؛ يتم فرضه بالقوة وبالمخالفة للأعراف والقوانين، واستمراره مرتبط بدحر الانقلاب الذي عطّل كل مؤسسات الدولة، وسخّرها لتأديب المعارضة بصورة مأساوية تسيء للجميع، وحتى نصل إلى مجتمع خالٍ من انتهاكات حقوق الإنسان؛ لا بد أولا، من عودة الجيش إلى ثُكناته ومحاسبة كل من تسبب في تعطيل المسار الديمقراطي للبلاد؛ وتطهير مؤسسات الدولة وعلى رأسها الداخلية والقضاء؛ وبعد ذلك من الممكن أن نتحدث عن استحقاقات كثيرة.

ما هي الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان؟

الأمر يحتاج إلى تطوير في التعليم والإعلام والثقافة، حتى نخلق جيلا يؤمن بمبادئ حقوق الإنسان، ويعمل على ترسيخها جيلا بعد جيل، على أن يتبع ذلك آليات رسمية لتنفيذ هذه الثقافة على الأرض، بالحرص على إعلاء قيمة المواطن في وطنه.

دلالات
المساهمون