جدلية الصحافي و"المواطن الصحافي" في مواقع التواصل

17 يونيو 2020
+ الخط -
لكل مهنة في العالم متخصصون ومشاهير يتقنون العمل فيها، والتخصصات في العالم كثيرة بعدد ما يحتاج إليه الإنسان في الكرة الأرضية من حاجات أو معرفة يستقي منها.

الصحافة والإعلام من التخصصات التي يحتاج إليها الإنسان في الحياة ويشكل ركناً أساسياً في يوميات كل فرد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالإنسان يحتاج إلى سماع الأخبار لعدة أسباب منها إدراك المخاطر المحدقة أو القريبة من الرقعة الجغرافية، أو معرفة ما يجري في العالم من أحداث وتطورات ومخاطر تجعله على استعداد إذا ما حلت في مكان إقامته، إلخ..

يتضمن تخصص الإعلام أقساماً واسعة وكبيرة من الفنون فهو الخبر والمقال والتحقيق والإذاعة والخطابة والمسرح والدراما والسينما بأنواعها. فالإعلام واسع بتخصصاته فهو مهنة تتضمن الصنعة والعلم ويعرف بالإنكليزية: Media مجموعة من قنوات الاتصال المستخدمة في نشر الأخبار أو الإعلانات الترويجية أو البيانات، ويعرف الإعلام بأنه الوسيلة الاجتماعيّة الرئيسية للتواصل مع الجماهير.

شهدت مهنة الإعلام اتساعاً كبيراً خصوصاً بعد تطور الاتصال الفضائي وتبعه التطور الرقمي بامتداد الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" ثم تطور مواقع التواصل الاجتماعي وحداثة الأجهزة اللوحية، إضافة إلى انحسار البعد الرقابي الذي تمارسه الأنظمة الدكتاتورية في الحد من التواصل ونشر المعلومات.


بعد كل ما سبق من عوامل ساهمت في حدوث مساحة عمل في مهنة الإعلام أصبحت المهنة أداة لا يقتصر امتلاكها على الأنظمة الحاكمة في البلدان بل تعدت ذلك إلى صنوف جديدة بينهم القادة السياسيون والأحزاب والحركات السرية والمعلنة بجميع توجهاتها والهواة والتجار ممن يطمحون إلى المشاركة في صناعة الرأي العام، إضافة إلى الأفراد أنفسهم من خلال منصاتهم الشخصية.

إن التوسع الذي حصل في قطاع الإعلام فتح الباب أمام انضمام الكثير من الموارد البشرية إلى العمل في مختلف المجالات لا سيما توجه العديد من فئات سياسية وحاكمة إلى ضخ أموال طائلة في منصات وقنوات اتصال هدفها تكوين الرأي العام أو توجيه رسائل سياسية أو فكرية معينة سواء من خلال تسويق الأخبار والمقالات أو صناعة الفيديو والصورة.

إن ظهور أياد جديدة في مهنة الإعلام واتساع عدد العاملين والفاعلين في السوشيل ميديا سواء من الصحافيين المحترفين أو الهواة حوّلا أنظار المتلقي من نوع المحتوى وأهميته إلى الشخص المرسل وشكله وعدد متابعيه في بعض المنصات.

التفاعل الإعلامي والاتصالي

في عالم الاتصال الرقمي الحديث لم تعد مخاطبة الجمهور وكتابة النصوص الموجهة إلى العامة حكراً على أحد سواء من الصحافيين المحترفين أو الهواة الذين استثمروا التفاعل الاتصالي في مواقع السوشال ميديا كوسيلة صحافية وأصبحوا ينشرون الأخبار في وقت يسابق المؤسسات الكبيرة.

أما في مهنة الإعلام فالجدال كثير وواسع بين جمهور من الصحافيين العاملين في مؤسسات وعدد من الناشطين الذين توسعوا في مواقع التواصل الاجتماعي وحصدوا شهرة لا يستهان بها أمام صحافيين عملوا لسنوات في مؤسسات عريقة دون أي يكون لهم جمهور في منصاتهم الشخصية أو لم تسعفهم الحداثة لتجعلهم نجوماً حقيقيين يجمعون الشهرة والخبرة والاحتراف.

الفرق بين الصحافي و"المواطن الصحافي"

أسئلة كثيرة تدور حول الفرق بين الصحافي والناشط، فإن مهنة الصحافة لا تقتصر على خريجي تخصص الإعلام من الجامعات، في وقت لا تلتزم فيه المؤسسات الإعلامية بتوظيف كوادر درست الإعلام بطريقة أكاديمية وأغلب العاملين في المؤسسات الصحافية هم أفراد يحملون تخصصات أخرى، قلائل بينهم من يستهويه العمل في الإعلام، وكثيرون بينهم لم يجدوا فرصة عمل في مجال تخصصوا فيه أكاديمياً، وهناك من وجد في الإعلام مدخولاً مالياً أعلى من تخصصه.

مع ظهور ما يسمى "صحافة المواطن" تتعدد التعريفات والتوصيفات التي تفرق بين الصحافي والمواطن الصحافي ولأن الاثنين يتداولان المعلومات سواء الأخبار أو نشر مقاطع الفيديو التسجيلية أو بتقنية البث المباشر.

بداية يعتبر الأصل في العمل الصحافي أن يتم التوثق من المصدر حفاظاً على صدقية الوسيلة الإعلامية، ولهذا فإن الصحف ومحطات التلفزة الكبرى تعتمد على مراسليها وعلى وكالات أنباء عالمية ببناء أركان القصة الصحافية من خبر ومعلومة واقتباس وصورة.

والفرق بين ما يسمى صحافة المواطن والصحافة التقليدية يجب أن يبقى واضحاً للعيان: وسائط التواصل الاجتماعي والمدونات وشرائط الفيديو المرفوعة على يوتيوب كلها تشكل وجهة نظر خاصة وغير موضوعية لأفراد بالنسبة إلى أحداث تتعلق بالشأن العام، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أنها لا تتمتع بالصدقية في كثير من الأحيان.

وبناء على ذلك تُعرف صحافة المواطن بأنها تفاعل الشخص العادي مع الحدث وتوثيقه إما كتابياً أو التصوير بالفيديو، ونشره على مواقع التواصل "فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب، وغيرها" أو إرساله لوسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة لنشره أمام العامة.

أستاذة علوم الاتصال في جامعة بيروت العربية، الدكتورة مي العبد الله، علقت على تداول المعلومات في مواقع التواصل قائلة، "الصحافة مهنة ولها قواعدها وشروطها المهنية والصحافي هو كاتب يعمل في مؤسسة صحافية ملتزم بقواعد مهنته يتقاضى راتباً مقابل كتاباته. أما اليوم فكثيرون يكتبون وينقلون الأخبار ويعالجونها، ولكن هل هم مهنيون وملتزمون بقواعد مهنة الصحافة؟ وهل هم يعرفونها؟ في رأيي لا يمكن اعتبارهم صحافيين بل هم مجرد ناقلين للخبر دون خبرة ومهنية وهنا تأتي خطورة استعمال وسائل التواصل الحديثة للعب دور الصحافيين دون إدراك لخطورة الخبر المزيف أو غير الدقيق ودوره في الحرب الناعمة التي نشهدها في زمن المجتمعات التائهة".

أما الصحافية والكاتبة نيفين عبد الهادي، فكتبت في صحيفة الدستور الأردنية في الموضوع ذاته قائلة "طالما علت الأصوات بحثاً عن تحديد معالم واضحة لآليات وأدوات تبادل المعلومة ونشرها، كون هذه العشوائية والتخبّط أديا إلى الكثير من الفوضى بأحداث شهدتها البلاد، وخلقت إشاعات وأحياناً أزمات، الأمر الذي يجعل من الإصرار على تحديد تعريف واضح للصحافي وصاحب الحق في تقديم الخبر وحماية حقه به حاجة وليس ترفاً، خروجاً من مأزق هذه الفوضى التي لا تزال تحدث إرباكاً في مشهد الإعلام والمعلومة لدرجة مقلقة.

الحل ليس صعباً وفق خبراء ومراقبين، فتعريف الصحافي واضح في قانون نقابة الصحافيين، فهو عضو نقابة الصحافيين ودون ذلك لا يحق لأحد أن يطلق على نفسه هذا المسمى ويدّعي الانتماء إلى هذه المهنة، كحال باقي المهن التي تعتبر عضوية النقابة أساساً لامتهانها، الأمر الذي يحسم جدلية تعريف الصحافي، فضلاً عن حسم مرجعية المتضرر من قضايا الرأي بحصرها في هذه الحالة بنقابة الصحافيين.

ربما مـن الصـعب تحديـد أيـن تبتـدئ وأيـن تنتهـي ممارسـات صـحافة المـواطن، ورسـم معالم واضحة لها، وتحديد من هو الصحافي والصحافي المواطن، خصوصاً في بعض البلاد العربية التي ينتمي فيها أشخاص من مختلف شرائح المجتمع إلى نقابة الصحافيين كأعضاء بمختلف الدرجات ولا يقبل طلب انتماء الصحافيين العاملين فيها.

أخيراً يعرف الناقـد الصحافي وأسـتاذ الصـحافة والإعـلام بجامعـة نيويـورك، دجـاي روزن، صحافة المواطن كما يلـي: "هـي حينمـا يوظـف عامـة النـاس، المعروفـون شـكلياً بـالجمهور، الأدوات الصـحافية التـي فـي حـوزتهم لإخبار أناس آخرين عن حدث مهم. هذه هي صحافة المواطن".
4B8797AE-C8F4-4D3B-B3F2-36B089F6B293
يحيى سالم الخفاف

صحافي وباحث عراقي.. متخصص في التلفزيون والإعلام الحديث، وحاصل على شهادة البكالوريوس والماجستير في الإعلام.