جدران عربية وسط الشعوب وبين الدول

18 نوفمبر 2014

مواطنون ألمان يتسلقون جدار برلين (10يونيو/1989/Getty)

+ الخط -

تعالت معزوفة بيتهوفن الفرحة، وهي تخلد الذكرى الـ25 على سقوط جدار برلين، في حين كانت الدول في شرق المتوسط، وغربه، تنصت بخوف إلى المارش العسكري الذي أصبح يغلب عليها. وصار واضحاً أن سقوط الجدار في برلين سمح للسيمفونية بأن تصدح، في حين أن الجدران العربية التي بنتها الأنظمة بين الدول لا تساعد الموسيقى على الفرح.

ليست الخسارة في اللحن فقط، بل في الفرصة التاريخية التي منحها سقوط جدار برلين وتوحيد الألمانيتين وبناء الفضاء الأوروبي، لنجاح الانتقالات الديمقراطية.

مع انهيار الاتحاد السوفياتي، ونهاية أكبر ثكنة إيديولوجيا في تاريخ البشرية في شرق أوروبا، اتضح أن الفرصة في الانتقال الديمقراطي كانت سانحة أمام كل القارات، وأن القارة العربية الإسلامية هي التي انكفأت على حروبها وجيوشها، وتركت الفرصة الديمقراطية تضيع هباء. بل كان المنطقي جداً أن الأنظمة الشرق أوسطية تنهار مع انهيار جدار العار. فهي أكبر منه عاراً ولا شك، لكنها أيضاً، وأبداً، امتداد إستراتيجي وأيديولوجي وسلطوي للورم الستاليني الذي كان ينخر أوروبا الشرقية.

في أفريقيا، بدأت مع انهيار القارة الشرقية، تداعيات سقوط أنظمة الحزب العسكري الواحد، وتحركت موجة من الانتقالات الديمقراطية، جسدتها الندوات الوطنية التي عقدت في نهاية عهد الرئيس الفرنسي، فرانسوا ميتيران. وفي أميركا اللاتينية، ساهمت التلفزيونات والصحافة الحرة في سقوط الديكتاتوريات العسكرية، وظهور التجربة الأميركولاتينية، على قاعدة التوافق الوطني، وصل، أحياناً، إلى توافق بين الكنيسة والحركات المسلحة اليسارية والراديكالية، وقتها تم تطوير ما أصبح يعرف بلاهوت التحرير، أي التيار الديني المسيحي الذي يعارض النظام البوليسي أو العسكري.

عوض أن تنسحب علينا الحرارة نفسها، بقيت الأنظمة، ودفعت الدول ــ الدولة، ككيان، وليس كجهاز، والشعوب، ثمن بقائها.

مباشرةً، بعد سقوط الجدار، بدأت الحرب على العراق، وكان المنعطف الثاني، في الألفية الماضية، بعد منعطف الحرب العالمية الثانية، ينبئنا بضياع أندلس جديدة، بعدما كانت فلسطين الأندلس الأولى التي ضاعت مع ميلاد الحرب الباردة واقتسام العالم بين الحلفاء. ولم تكذب النبوءة، أو التشاؤم، وازدادت الهوة بين الأنظمة والشعوب، جدراناً أكثر سماكة من جدار برلين، وكان علينا أن ننتظر ربع قرن كاملاً، لكي تتحرك القارات الجامدة في جغرافيا العرب، وتولد موجة التحرير الديمقراطي.

وشعرنا أنه على الرغم من ضياع نصف قرن، أن الربيع الذي تحرك في موانئ جدانسك البولونية، يصل إلى جنوب المتوسط وشرقه. لكنه ربيع سرعان ما انقشع عن ردة أكبر، وسرعان ما ظهرت جدران عربية عديدة، أولاً بين الدول نفسها، إذ لا توجد دول اليوم تعيش جواراً تعاونياً، وثانياً بين الأنظمة نفسها، أي بين تلك التي حملها الربيع الديمقراطي، وتلك التي أغفلها في حركيته الكبيرة.

وظهرت جدران أخرى، في أوساط الشعوب نفسها، ولعل أكبر جدار هو الذي يجري، يومياً، بناؤه بالإسمنت الأيديولوجي المسلح، بين السنة والشيعة، وبين عموم الطوائف وبين التيارات الجهادية الحالمة بدولة الخلافة.

ووجدت الشعوب نفسها، في بلدان كثيرة، تعيش في هذا الطرف، أو ذاك من الجدران التي جرى بناؤها بين الديمقراطيين وبين الدول، وأحياناً بين الديمقراطيين والتيارات المدافعة عن استقلالية الحقل السياسي بالمصطلحات اللاهوتية.

لقد أضعنا دولة فلسطين، في منعطف الحرب الباردة، وتضاعفت الخسارة مع نهاية الحرب نفسها، وسقوط جدار برلين. واليوم، بعد أن وصلت إلينا الموجة الارتدادية للربيع الديمقراطي، زادت الخسارة في دول تقسمت، وأخرى في الطريق إلى الزوال، ولم نجن، إلى حد الساعة، سوى الجدران المتعددة الطبقات بين الدول ووسط الشعوب ذاتها، ولعل من السخرية المرّة أن هناك جداراً سميكاً حتى وسط القاعدة، بين أيمن الظواهري وأبو بكر البغدادي.

768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.