جبهة النصرة... دوماً

29 فبراير 2020
+ الخط -
ليس بين من أعرفهم شخص واحد يعرف بدقة لماذا تحافظ تركيا على جبهة النصرة، بمسمّياتها المختلفة. 
ـ أحد اصدقائي، وهو من المتضلعين في الشؤون التركية والمتعاونين مع تركيا، أخبرني، حين سألته عن السر المحير: إن أنقرة لن تتخلى عن "النصرة"، لأن هذه هي الطرف الوحيد القادر على ردع جيش الأسدية، ومنعه من غزو المناطق المحرّرة. عندما لفتّ نظره إلى ما يعرفه أفضل مني، وهو تسليمها مناطق شاسعة من "المحرّر" من دون قتال، أو بأقل قدر منه، أعلن عجزه عن إيجاد تفسير لموقف تركيا.
ـ صديق ثان قال إن جبهة النصرة هي الطرف العسكري الذي سيحقن دماء الجنود الأتراك، عندما تحين ساعة المعركة ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد). عندما دخلت تركيا بجيشها إلى منطقة "نبع السلام"، من دون أن يكون في عداد مقاتليها أحد من "النصرة". سقط هذا التفسير بدوره، وتخلى صديقي عنه، وأقرّ بعجزه عن فهم الموقف التركي، وإيجاد تفسير مقنع له.
ـ صديق ثالث تبنّى تفسيرا يقول: قد تخرج تركيا من الحل السياسي بحصّةٍ أقل من التي تعتقد أنها تتناسب مع جهودها في الصراع، وما عانته خلال إدارته، وقدّمته من تنازلاتٍ لروسيا في سورية، وخصوصا حلب ومناطق خفض التوتر. وهي تحتفظ بجبهة النصرة لما يمكن أن يكون لدورها من تأثير على موسكو، في حال رغبت أنقرة بممارسة ضغوط غير مباشرة، لكنها مؤثرة، عليها. عندما قلت إن تركيا ترتكب خطأ استراتيجيا قاتلا، إن تركت قضيةً على هذا القدر من الأهمية لتنظيم اسمه جبهة النصرة. ومن المحال أن لا تكون قد تحاورت وتفاهمت مع الروس على حصتها من الحل، وبالتالي دورها فيه، وإن أردوغان ليس الرجل الذي يترك تقرير مصير تركيا لجبهة النصرة، إن كان لا يترك لأقرب مساعديه أي دورٍ لا يتولى الإشراف عليه بنفسه، مهما كان صغيرا. هذه المرة أيضا، ساورت صديقي الشكوك في تفسيره هدف تركيا من المحافظة على "النصرة"، حتى أنها أوشكت أن تدخل حربا كي لا تقضي عليها أو تحلّها، كما تعهدت في سوتشي، وأبقت عليها على الرغم من كلفتها البشرية الهائلة بالنسبة لعامة السوريين الذين رحلوا بالملايين، وقتلوا بعشرات الآلاف، وفقدوا كل ما كان لهم، وتشرّدوا وفتك الجوع والبرد بهم شيبا وشبابا، بينما جبهة النصرة في أحسن حال وأنعم بال، مع أن تركيا تؤكد أنها تنظيم إرهابي، بل ووقعت، قبل نيف وعام، وثيقة رسمية تعهدت فيها بالقضاء على هذا التنظيم، من دون أن تفي بتعهدها، على الرغم من الفسحة الزمنية التي منحت لها، والأشهر الكثيرة التي مرّت، من دون أن ترفع حمايتها عنها، وهي التي جدّدت، بعد كل لقاء مع الروس، التزامها بالتخلص منها، بل ودانتها باللغة الدولية الشائعة حيال الإرهاب.
ما سرّ الحظوة التي تمنحها تركيا لجبهة النصرة؟ هل هو دورها في تسليم مناطق واسعة كانت مسيطرة عليها للأسدية، أو تحجيم فصائل الجيش الحر والقضاء عليها، وغير ذلك من ممارساتٍ مشبوهة، يصعب أن تكون هي السبب، بما أن تركيا "تمون" عليها وتسيّرها كما تشاء، بشهادة أدلةٍ يصعب إنكارها؟ أخيرا، لا يُعقل أن تحافظ تركيا على جبهة النصرة، لتعطي الروس وإيران المسوغات الضرورية للقضاء على الشعب السوري، ولتدمير عمرانه.
لماذا تُبقي تركيا على جبهة النصرة؟ يقول بعض المازحين: لأن تركيا لا تملك القوة الكافية للقضاء عليها... ويضيفون: ألا تلاحظون تداخلها مع التنظيمات الإسلامية التركية التي تجعل المعركة ضدها معركة داخل تركيا أيضا؟ لا صحة طبعا للتفسيرين الأخيرين. تركيا لا تريد القضاء على الشعب السوري، وتملك من القوة ما يكفي لتدمير "النصرة" في أيام قليلة، فهل يتكرّم أهل العلم علينا، ويخبرونا لماذا تبقي عليها؟
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.