جاك جقمان نحّات شجر الزيتون

01 ديسمبر 2014
جاك جقمان منهمك في نحت قطعة من الزيتون(العربي الجديد)
+ الخط -
ينتشر في أزقة البلدة القديمة في مدينة بيت لحم وشوارعها، عبق رائحة كي خشب الزيتون ونجارته، الآتية من معامل المنحوتات الخشبية. ومن حاسة الشم، تتنقل إلى النظر، عبر مشاهدة قطع خشبية محفورة يدويّاً، في ساحة كنيسة المهد داخل المحال السياحية.

مهارات فنية
يطوّع جاك عيسى جقمان (35 عاماً) خشب الزيتون، مستعيناً بمهارته الفنية، وبسنوات الاحتراف الطويلة التي قضاها في ورشة النجارة الموروثة عن جده. مجسمات وتماثيل بأشكال وألوان وأحجام مختلفة. حبه لحرفة أجداده حمله لإتقان عمله منذ أن كان طفلاً لم يتجاوز الـ13 عاماً من عمره، مستفيداً من خبرات جده الذي علمه أسرار المهنة قبل وفاته.
ينهمك جقمان في حفر أحد التماثيل الضخمة. ويقول لـ"العربي الجديد": "ازدهرت صناعة الحفر على الخشب في مدينة بيت لحم لارتباطها الوثيق بالسياحة الدينية، فالمدينة تعتبر القبلة السياحية الأولى في فلسطين المحتلة".
ويتابع جقمان حديثه بالقول، إن "ارتباط شجر الزيتون بفلسطين، منح للحرفة شهرة كبيرة لدى الحجاج المسيحيين من جميع أرجاء العالم، والذين يحرصون على الاحتفاظ بتذكار، ما جعل الحرفة مصدر رزق مئات العائلات الفلسطينية".
وعن عدد مشاغل الحفر على الخشب في بيت لحم، يقول جقمان، "يوجد نحو 60 مشغلاً متخصصاً في هذه الحرفة ، نملك 10 منها، بالإضافة إلى ستة معارض منتشرة في ساحة كنيسة المهد، وشارع مغارة الحليب". ويستدرك جقمان "يعود اختيار خشب الزيتون لامتلاكه لوناً مميزاً يسمى محليّاً بـ"العرق"، يمكّن الحرفي من صبغه باللون المناسب لكل قطعة، حسب الحجم والشكل المراد تصنيعه".
وتبدأ عملية الحفر بتجفيف الخشب بشكل كامل ومن ثم تقطيعه، ثم نحته بخطوط ومتعرجات دقيقة باستخدام أدوات بدائية، تعمل على تطويع الخشب. ومن ثم تتم إزالة الزيادات والنتوءات وبعض الحفر باستخدام آلة الحف الخشبي "الجلخ"... إلى أن تصبح القطعة جاهزة لعملية الطلاء باستخدام مادة "اللكر"، التي تكسب القطعة لوناً لامعاً. ومن ثم تترك القطعة لتجف قبل أن تنتقل للمعرض، كما يشرح جقمان. إلا أن هذا العمل فيه العديد من المخاطر، أكثر شيوعاً "فقدان العاملين بها الأصابع بسبب الآلات الحادة".
ويشكو جقمان غياب الدعم الحكومي لقطاع الصناعات التقليدية بشكل عام، وحرفته بشكل خاص، ما يعرض استمرارها للخطر، "خاصة بعد هجرة العديد من الحرفيين لها، وعدم إقبال الأجيال الجديدة عليها". والسبب حسب جقمان، ما تعانيه المدينة من تراجع في معدل السياحة، "جراء مضايقات جيش الاحتلال، وجدار الفصل العنصري الذي يلتف كالأفعى حول المدينة".
ويبيّن أن تقلبات سوق السياحة تدفع العاملين إلى هجر الحرفة. يحرص جاك على تعليم أبنائه حرفة الأجداد رغم المصاعب، حتى لا ينتهي بها المطاف بالانقراض، كصناعة الصدف التي اشتهرت بها عائلته منذ عهد بعيد واختفت.
يستغرق الفنيون في إنتاج القطعة الواحدة من يومين حتى ستة أشهر متواصلة. ويبرر جقمان طول مدة إنجاز بعض القطع بالدقة العالية التي تحتاجها العملية، مشيراً إلى أن لديه قطعةً فنية تجسد سفينة النبي نوح، عمل عليها ثلاثة أشخاص على مدار عام كامل.
يقول السائح، بيتر أندريه، القادم من إيطاليا لزيارة مهد المسيح، إن المنحوتات الخشبية هي علامة مميزة جداً تربطه بالأراضي المقدسة، فقد لفتت المنحوتات الخشبية نظره، وقرر شراءها كهدايا. ويضيف اندريه، أن تنوع أشكال المنحوتات، جعله يقف طويلاً أمامها "تعلمت من تلك المنحوتات قصة العائلة المقدسة، وتعلمت منها مغارة الحليب، إنها ثرية بعبق التاريخ من دون أدنى شك".
أما السائح القادم من الولايات المتحدة، ألان إبراهامسون، فيقول لـ"العربي الجديد" إنه يفضل اقتناء منحوتات العائلة المقدسة، لأنها تشكل منظراً فريداً يمكن وضعه كتذكار في المنزل، خصوصاً على أبواب عيد الميلاد.
يذكر أن مدينة بيت لحم تشتهر بالسياحة الدينية حيث وصل عدد الحجاج لكنيسة المهد لغاية عشية ليلة الميلاد عام 2013 الى 2.5 مليون سائح، ويشكل النشاط السياحي 15% من الدخل القومي الفلسطيني.
المساهمون