ثورة يناير تنادي بالاصطفاف

23 يناير 2015

في ذكرى ثورة يناير في مصر (25 يناير/2014/ الأناضول)

+ الخط -
ثورة يناير ذكرى وذاكرة تشكل منطلقاً حقيقياً في مسيرة الاصطفاف في مصر، الاصطفاف كما أكدنا قيمة وحالة وعملية وطاقة وإمكانية وروحاً سارية وممارسة عملية. وإذ تقترب الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير، في وقت مختلف عن ذكراها الأولى والثانية (2012-2013)، وإن كان مشابهاً لذكراها الثالثة فى العالم الماضي، حيث واقع الانقلاب العسكري، ومحاولات تمكن الثورة المضادة. ومن هنا، وجب التفكير في استثمار الذكرى المقبلة بشتى الطرق، لتتحول إلى بداية انطلاق جديدة، على الأقل على مستوى الخطاب السياسي للثورة، كيف نجعل من 25 يناير المقبل نقطة انطلاق جديدة في طريق الثورة المصرية؟ كيف يمكن استثمارها لتحقيق الاصطفاف الرمزي تمهيداً للاصطفاف الحشدي، بحيث تصبح الذكرى بمثابة ملحمة ثورية لمسار ثوري ممتد ومتراكم؟، كيف نبدأ الاصطفاف؟ ما الخطوات الأولية التي على الجميع تقديمها في هذا التوقيت؟ ما الذي تأخر فيه الجميع من القوى الثورية في تقديمه، وآن الأوان للمبادرة به لتحقيق الاصطفاف؟
يلاحظ المتابع لخطاب بعض القوى الثورية ومواقفها، خلال العامين الماضيين، تراجعاً كبيراً على مستوى الخطاب والممارسة الثورية، فلم يعد الحديث في خطابهم عن إسقاط النظام، بل إسقاط قانون التظاهر، كما تراجعت المشاركة في المظاهرات، بشكل كبير، لتصبح مشاركات رمزية موسمية، بل تحول موقف بعضهم من النظام، وبدأ الحديث عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وهو ما يطرح تساؤلات حقيقة حول رؤية القوى الثورية للنظام الحالي وطريقة التعامل معه؟ هل يميلون إلى لعب دور المعارضة من داخل النظام، أم يريدون إسقاطه؟ وهذا النقطة يجب حسمها بوضوح، لتحديد نقاط الانطلاق نحو رؤية توافقية جمعية، لإسقاط النظام، وليس معارضته فقط، حسم الرؤية هو الذي سيحدد مسيرة خطاب ثوري ناضج، يتحرك في مسارات ثلاثة: خطاب يشرع في التهيؤ للممارسة الواسعة للنقد الذاتي. خطاب دعوة إلى الاصطفاف الثوري بين الجميع. خطاب مقاطعة صريحة لأي استحقاق انتخابي.
ولا ينكر أحد حجم التضحيات التى بذلها المعارضون للانقلاب، على مدار عامين، في مشهد قياسي لم يحدث في تاريخ الانقلابات العسكرية المعاصرة، لكنها تحتاج إلى ترجمة سياسية تجمع كل المصريين حولها، لفتح أفق التوافق السياسي للعودة إلى مربع ثورة يناير مرة أخرى، بما يجعلنا نتساءل لماذا نقف عاجزين عن تطوير رؤى سياسية، تناسب حساسية المرحلة؟ أين الخيال السياسي من الذهنية الثورية؟ وما هو المطلوب، بل والواجب، والذي آن آوانه لإنجاز
مهمة التوافق والاصطفاف الثوري؟ لماذا أصبح الاصطفاف المؤدي إلى التوافق واجباً وحماية للجميع؟ ولماذا يعد التوافق آلية للحماية (توزيع الغرم الواقع قبل الغنم المحتمل)؟
صار فتح أفق للتوافق السياسي، الآن، ضرورة وواجباً لحماية ظهر المتظاهرين الشباب المقاوم على الأرض، بضم شباب آخر إليهم. وإن أي قوة ثورية لن تستطيع، وحدها، تحمل تكلفة إسقاط هذا النظام، وكلها، بلا استثناء، تحتاج إلى الاصطفاف مع بعضها. ومن ثم، إن مقولة الاصطفاف على طريق التوافق لم تعد مقولة سياسية ترفيهية، بل حمائية جامعة ومُجمِّعة، وهو ما يجب على الجميع أن يدركه، في هذا الوقت الدقيق الذي يتطلب تدبير عميق.
وضمن هذا التصور، من المهم أن نضع رؤية لآليات الاحتجاج خارج الحشد، يمكن تسميتها بالاحتجاج بالاصطفاف، ويقوم هذا النوع من الاحتجاج على قاعدة الاصطفاف بين كل الرموز السياسية والثقافية من التيارات الليبرالية واليسارية والإسلامية والقومية كافة، وغيرهم ممن يؤمنون بثورة يناير، لكنهم لا ينزلون إلى الشارع عادة. على هؤلاء واجب الاصطفاف والتعالي على الخلافات القديمة. وهذا أقل عمل لا يعتمد على الحشد، يمكن أن يقدموه، أن يظهروا للناس في شكل متوحد، كالبينان المرصوص، مهما كانت خلافاتهم البينية. ويمكن تنفيذ هذه الاصطفاف، من خلال خطوات بسيطة، مثل مؤتمر صحافي جامع، أو بيان جامع يوقع عليه مئات الرموز من شتى التيارات، ويمكن أن يتخذ ذلك الاحتجاج أشكالاً متنوعة أهمها:
الاحتجاج بمقالات الرأي: وهذا النوع من الاحتجاج يتفرع من النوع الأول المتعلق بالاصطفاف، ويقوم على قاعدة الاتفاق على سياسة تحريرية لمقالات الرأي بين جميع المعارضين بشتى ألوانهم، ينبذ فيها النبش في خلافات الماضي وتيئيس الناس، ويجري التركيز على كل ما يساعد ويشجع عملية التوافق والاصطفاف وتحفيز المعارضين.
الاحتجاج بالمقاطعة: يقوم على قاعدة "إذا لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل"، ويعني ذلك مقاطعة هذا النظام، ورفض التعامل معه إطلاقاً. ويمكن البدء من الآن بحملة لمقاطعة الانتخابات البرلمانية، بداية يعقبها، أو يتوازى معها، ترويج مقاطعة منتجات رجال الأعمال الفاسدين المؤيدين للنظام.
الاحتجاج الإلكتروني: يرتبط بعالم مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتم استثمار هذه المواقع في إشاعة روح التوافق والاصطفاف ونبذ الخلافات والعودة إلى التوحد الثوري، بدلا من استثمارها في الجدل والمشاجرات الكلامية التي تزيد الفرقة والشقاق، ويمكن البدء بصفحات القوى المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتم الاتفاق على سياسة تحريرية خاصة بهذه الصفحات من هذه المنطلقات السابقة. ويمكن لهذه الصفحات أن تطلق حملات إلكترونية عبر فكرة الهاشتاج الموحدة في التوقيت نفسه، وهو ما يتوقع أن يتجاوز المليون مشارك في أول إطلاقة، نظراً للأعداد الكبيرة المتابعة لهذه الصفحات، ونقترح هاشتاجات موحدة تصب في اتجاه التوافق والاصطفاف.
منذ ثورة يناير، ونحن نؤكد في مصر على قاعدة الاصطفاف في سكة التوافق مدخلاً للمحافظة على مشهد الاصطفاف الثوري الحضاري الذي ساهم في إنجاح الثورة، لكن، لأسباب عديدة، لن نخوض فيها، انفرط عقد هذا التوافق الجمعي، فتحول إلى ذكرى من ذكريات الثورة، نتذكرها وقت التباكي على ثورة حوصرت. دخلت الثورة بالفعل مرحلة حرجة، وتحتاج إلى جهود توافقية جمعية، لإنقاذها، بعدما تبين أن فصيلاً أو تياراً واحداً لا يقوى على حمايتها، أو إنقاذها، معارضاً في الشارع كان أو حاكماً في السلطة. يناير الثورة ذكرى الاصطفاف لا تزال تنادي الجميع بالاصطفاف.

ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".