27 ابريل 2016
ثورة لم تستأذن سلطة ولا فصيلاً
ما يجري في فلسطين ثورة غضب، يتبدّى فيها الشُبان والشابات مستعدين لأن يسجلوا مبادرات لإيلام العدو وحسب، وإن كلفهم ذلك حياتهم. قلوب بيضاء، وسلاح أبيض يتسم بالبراءة وعشق الحياة الكريمة، وليس بالجريمة والموت المثير. وبتكرار هذه المبادرات، وردود أفعال قوات الاحتلال عليها، استُثير الشارع بروح الشباب الذين كتبوا، بدمائهم الزكية، استحالة الرضوخ للوحش، واستحالة استمرار الحياة معه على أرض واحدة، فهو الذي حدد بممارساته على مدار الساعة طبيعة الصراع، باعتباره صراعاً مديداً لا ينتهي إلا بانتهاء أحد الضدين، فليست مبادرات الطعن والقتل التي يعقبها استشهاد إلا شكلاً بعيد الدلالة، من أشكال الدفاع عن النفس وعن شرف وقيمة الحياة.
عندما بات الكفاح المسلح مكلفاً، وأفزعت حسبته الطبقة السياسية؛ كان لا بد من شكل آخر للنضال الوطني. تحدّث متزعمو السلطة والفصائل عن المقاومة الشعبية، لكنهم استخدموا هذا العنوان من باب دحض العمل العنفي المسلح، لكن المقاومة الشعبية لن تكون، بغير إجماع شعبي. والإجماع الشعبي لا يتحقق بغير رضا المجتمع، وقناعته بسلطته وفصائله وقواه السياسية. فالناس، قبل أن تذهب وراء زعامات، في رحلة الصبر والعصيان، تريد أن تكون هذه الزعامات قدوةً في زهدها وتفانيها ومثابرتها وثقافتها ونمط حياتها، وأن تكون موحدةً وجديرةً بالدعم الشعبي، وحاضرةً في ميادين الفعل اللا عنفي المقاوم. فعندما تشكلت البؤر الصغيرة لمقاومة الجدار، في قريتي بلعين ونعلين غرب رام الله؛ لم تستطع الفصائل حشد الجماهير الفلسطينية، أو لم تحاول أصلاً، ولو من باب حفظ ماء الوجه أمام المتطوعين الأجانب، ومن بينهم يهود متضامنون. فبعد أكثر من عشرين عاماً على إقامة السلطة وحضور الفصائل، لم تكن ثمة خطط لمراكمة عناصر المقاومة الشعبية، وثقافتها واقتصادها، لكي تصبح نمط حياة، وللتهيؤ لمرحلة عصيان شعبي لا عنفي، يرهق الاحتلال ويزيد من عزلة إسرائيل وكراهيتها في العالم.
كان كل شيء ترصده عيون الناس، وتجد نفسها مجبرة عليه، يباعد بينها وبين طبقتها السياسية. ثم أصبح الانسداد بليغاً في السياسة، كما في المقاومة. مقولة حل الدولتين استهلكت، وأحبطت كل مساعي الراغبين في حلحلة الأوضاع القائمة والمتفاقمة. كذلك استحالت مقوله الردع بالصواريخ إلى كابوس، وإلى نذير دمار وكارثة. انحشرت السياسة بين تنسيقين، أحدهما إجباري وشرط بقاء السلطة في الضفة، والآخر إجباري ومنصوص عليه في اتفاقات وقف النار، وشرط بقاء السلطة الأخرى في غزة. وبين التنسيقين، عاش الشاب الفلسطيني محبطاً، تكبر في وجدانه، في كل يوم، أسباب التصدي للوحش الذي لا يرفع يده عن الزناد. فلم تعد ثمة جدوى من المقاومة بالنيران، ولا جدوى من السياسة والمفاوضات. فقد قتل العدو، في مرحلة استقرار رأي القيادة الفلسطينية على منهج اللاعنف والمفاوضات، واستقر رأي قيادة حركة حماس على منهج المقاومة؛ نحو سبعة آلاف فلسطيني، لينتهي الأمر إلى فشل سياق اللا عنف بسبب العجز عن تخليق عناصره اللازمة، وفشل سياق المقاومة بالنيران، بسبب نيران العدو الإغراقية وبؤس غزة وحصارها واكتواء الناس فيها. وزاد هذا الخضم الفلسطيني ألماً ومرارة وخسارة تراجع مكانة القضية الفلسطينية في الإقليم العربي، وانفجار بعض مجتمعات دوله، على نحو كارثي، أصاب آخرين بالذعر وجرفهم إلى وجهة مغايرة. أصبح المحتلون متحررين من أيّ ضغوط، وتغالظت عربدتهم أكثر فأكثر. ولم يكن أبسط ولا أشد اختصاراً من الجواب على أي نداء استغاثة، من قول الآخرين: توحّدوا أيها الفلسطينيون أولاً!
في ظل هذا الإحباط، ومع استمرار جرائم الاحتلال؛ انفجر الغضب الشعبي العام، مستهدياً بدماء فلذات الأكباد الذين بادروا إلى عمليات الطعن إيلاماً للعدو، وجواباً على إيلامه لشعبهم، واستشهدوا إعداماً. فلم يستأذنوا سلطةً ولا فصيلاً. لقد قضوا من أجل محض فكرةٍ، مؤداها استحالة أن يرضخ الفلسطيني للوحش المنفلت.
عندما بات الكفاح المسلح مكلفاً، وأفزعت حسبته الطبقة السياسية؛ كان لا بد من شكل آخر للنضال الوطني. تحدّث متزعمو السلطة والفصائل عن المقاومة الشعبية، لكنهم استخدموا هذا العنوان من باب دحض العمل العنفي المسلح، لكن المقاومة الشعبية لن تكون، بغير إجماع شعبي. والإجماع الشعبي لا يتحقق بغير رضا المجتمع، وقناعته بسلطته وفصائله وقواه السياسية. فالناس، قبل أن تذهب وراء زعامات، في رحلة الصبر والعصيان، تريد أن تكون هذه الزعامات قدوةً في زهدها وتفانيها ومثابرتها وثقافتها ونمط حياتها، وأن تكون موحدةً وجديرةً بالدعم الشعبي، وحاضرةً في ميادين الفعل اللا عنفي المقاوم. فعندما تشكلت البؤر الصغيرة لمقاومة الجدار، في قريتي بلعين ونعلين غرب رام الله؛ لم تستطع الفصائل حشد الجماهير الفلسطينية، أو لم تحاول أصلاً، ولو من باب حفظ ماء الوجه أمام المتطوعين الأجانب، ومن بينهم يهود متضامنون. فبعد أكثر من عشرين عاماً على إقامة السلطة وحضور الفصائل، لم تكن ثمة خطط لمراكمة عناصر المقاومة الشعبية، وثقافتها واقتصادها، لكي تصبح نمط حياة، وللتهيؤ لمرحلة عصيان شعبي لا عنفي، يرهق الاحتلال ويزيد من عزلة إسرائيل وكراهيتها في العالم.
كان كل شيء ترصده عيون الناس، وتجد نفسها مجبرة عليه، يباعد بينها وبين طبقتها السياسية. ثم أصبح الانسداد بليغاً في السياسة، كما في المقاومة. مقولة حل الدولتين استهلكت، وأحبطت كل مساعي الراغبين في حلحلة الأوضاع القائمة والمتفاقمة. كذلك استحالت مقوله الردع بالصواريخ إلى كابوس، وإلى نذير دمار وكارثة. انحشرت السياسة بين تنسيقين، أحدهما إجباري وشرط بقاء السلطة في الضفة، والآخر إجباري ومنصوص عليه في اتفاقات وقف النار، وشرط بقاء السلطة الأخرى في غزة. وبين التنسيقين، عاش الشاب الفلسطيني محبطاً، تكبر في وجدانه، في كل يوم، أسباب التصدي للوحش الذي لا يرفع يده عن الزناد. فلم تعد ثمة جدوى من المقاومة بالنيران، ولا جدوى من السياسة والمفاوضات. فقد قتل العدو، في مرحلة استقرار رأي القيادة الفلسطينية على منهج اللاعنف والمفاوضات، واستقر رأي قيادة حركة حماس على منهج المقاومة؛ نحو سبعة آلاف فلسطيني، لينتهي الأمر إلى فشل سياق اللا عنف بسبب العجز عن تخليق عناصره اللازمة، وفشل سياق المقاومة بالنيران، بسبب نيران العدو الإغراقية وبؤس غزة وحصارها واكتواء الناس فيها. وزاد هذا الخضم الفلسطيني ألماً ومرارة وخسارة تراجع مكانة القضية الفلسطينية في الإقليم العربي، وانفجار بعض مجتمعات دوله، على نحو كارثي، أصاب آخرين بالذعر وجرفهم إلى وجهة مغايرة. أصبح المحتلون متحررين من أيّ ضغوط، وتغالظت عربدتهم أكثر فأكثر. ولم يكن أبسط ولا أشد اختصاراً من الجواب على أي نداء استغاثة، من قول الآخرين: توحّدوا أيها الفلسطينيون أولاً!
في ظل هذا الإحباط، ومع استمرار جرائم الاحتلال؛ انفجر الغضب الشعبي العام، مستهدياً بدماء فلذات الأكباد الذين بادروا إلى عمليات الطعن إيلاماً للعدو، وجواباً على إيلامه لشعبهم، واستشهدوا إعداماً. فلم يستأذنوا سلطةً ولا فصيلاً. لقد قضوا من أجل محض فكرةٍ، مؤداها استحالة أن يرضخ الفلسطيني للوحش المنفلت.