ثورة بلا رقص.. ثورة لا تستحق

20 نوفمبر 2014
كل ما يخص يناير لا يصلح لاستخدامه في الأفراح(Getty)
+ الخط -

لعلك تعلم أن أغنية "تسلم الأيادي" التي تم إنتاجها خصيصاً لمباركة عزل محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013 كانت تستخدم، وربما ما زالت، في الأفراح المصرية.

هذه المعلومة لم أكن أصدقها، لولا أني شاهدتها بنفسي في فرح ضخم وفخم، في فندق يطل على نيل القاهرة، وعندما وجدتني منزعجاً، انسحبت إلى خارج القاعة بصحبة صديق، وقد واجهني لحظتها بسؤال صعب: لماذا لم يرقصوا سابقاً على أغاني ثورة يناير؟ طالما أنهم يحبون الرقص على أغاني الثورات!!.


(2)

في مارس/آذار 2011، اختارت إذاعة مصرية محلية استضافة الشاعر نصر الدين ناجي، مؤلف أغنية "إزاي" التي غناها محمد منير لثورة يناير.

تحدث الرجل عن كون الأغنية كانت عاطفية أساساً، ثم عندما قامت الثورة، رأوا أنها تصلح لتصبح وطنية ثورية، وقد كانت.. وكنت أتابع الحوار في سيارتي باهتمام.. حتى بدأت فقرة أسئلة المشاهدين عبر رسائل المحمول.. واحدة من الرسائل كانت تطرح سؤالاً على الشاعر يقول: ما معنى كلمة "أتمعشق" والتي وردت في الأغنية..

سكت الشاعر قليلاً، ثم قال: أتمعشق أي أزداد عشقاً.

في هذه اللحظة فكرت، أنه ربما هناك مشكلة في الطريقة التي اختارها البعض للتعبير عن الثورة وأفكارها.

لاحقاً، وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه. ذهبت لحضور حفلة موسيقية غير تقليدية في "مسرح الجنينة" في حديقة الأزهر، المسرح معروف باستضافته فنانين مستقلين. هذه المرة يستضيف "سادات" و"فيفتي" و"عمرو حاحا"، نجوم موسيقى المهرجانات الشعبية الراقصة..

المسرح مزدحم، والكل في حالة انتظار بشغف لهذه التجربة الجديدة، نجوم المهرجانات في مواجهة الجمهور المعتاد لموسيقى الفرق المستقلة.

تناغم الجمهور مع الموسيقى بسرعة. وضمن الأغنيات التي تم تقديمها، أغنية تقول "الشعب يريد.. بخمسة جنيه رصيد". في مقاربة مع هتاف ثورة يناير "الشعب يريد إسقاط النظام". الأغنية تبدأ بموسيقى النشيد الوطني المصري، ثم تنتقل إلى هتاف يقول "الشعب يريد.. موضوع جديد"، ولعلها كانت من أكثر أغنيات الحفل التي تفاعل معها الحضور بالتصفيق والتشجيع والرقص.

لوهلة، شعرت بقدر من القلق من استخدام شعار سياسي مهم مثل "الشعب يريد إسقاط النظام" داخل أغنية مهرجانات.. حتى وقت الحفل كنت ما زلت أرى الثورة في مكان آخر. أعلى وأرفع، ولها قدر من القدسية.. لكن مع انتهاء الحفل، وفي طريق العودة إلى المنزل، كنت أفكر في أن هذه الأغنية ربما تقترب من مطالب الثورة وأفكارها بشكل مباشر أكثر من غيرها من الأغنيات التي حظيت بشعبية كبيرة بين جمهور الفرق المستقلة.

يبدو كأن المشاهير، يفضلون الغناء لشخص أو جهة. أكثر من الغناء لصالح فكرة أو ثورة.


(3)

بمرور الوقت، كنت أتابع الجدل حول محاولات تسمية أغنية معينة بـ"أغنية الثورة"، ومطرب محدد بـ"مطرب الثورة". هنا اكتشفت، أنه بالتزامن مع إعلان مبارك تخليه عن منصبه، في 11  فبراير/شباط 2011، ظهرت عدة أغنيات لمشاهير الغناء في مصر. أغاني تم انتاجها بسرعة جداً، وبدعم واضح من محطات التليفزيون، الحكومي منها والخاص. فغنى عمرو دياب أغنية "مصر قالت"، وهي أغنية مبهمة جداً.. تتحدث عما يبدو وكأنهم شهداء الثورة، دون ذكر كلمة ثورة أو يناير أو إسقاط للنظام. وظهر فيديو للأغنية على قناة المطرب الرسمية على يوتيوب، عبارة عن علم مصر تظهر عليه صور لشهداء الثورة من الشباب وبعض ضباط الشرطة. دون ظهور للمطرب نفسه.

أيضاً غنت أنغام، في أغنية مدتها دقيقة واحدة، وأتت أخيراً على ذكر يناير، والأغنية من إنتاج التليفزيون المصري، وتم إنتاج فيديو مصور لها عبارة عن صور معتادة لمصر، وبعض اللقطات من ميدان التحرير، وصور للشهداء. أيضاً بصوت المطربة فقط دون صورتها.. وهو نفسه ما حدث سابقاً أيضاً في أغنية "إزاي" لمحمد منير..

غاب حضور المطربين بصورتهم، ربما لكون الوقت ضيق لا يحتمل ترتيبات التصوير، وربما، لأن الموقف في فبراير/شباط 2011  ما يزال ملتبساً، فالمعركة وإن كانت انتهت لصالح الثورة، إلا أن الحرب ما تزال مستمرة.. وقد غنى كل المشاهير سابقاً لصالح نظام مبارك السياسي. ومن باب الواجب يجب أن يغنوا للثورة، ولو بشكل مؤقت!


(4)

يبدو وكأن المشاهير، يفضلون الغناء لشخص أو جهة. أكثر من الغناء لصالح فكرة أو ثورة.

يناير، والأغاني التي أنتجت خصيصاً لها، تبدو وكأنها مترددة، جمل مبتورة. نصف معنى لنصف ثورة. لا شيء كامل. حديث مرسل طويل من جملة طويلة، "بلادنا جميلة ورحم الله الشهداء". لا حديث عن الانتصار، عن الحق، عن الظلم الذي كان والحلم الذي تحقق، لا حديث عن بداية جديدة، عن "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، فقط مجرد وصف سريع للحظة تبدو وكأنها غير عادية، ويبدو وكأن إنتاج الأغاني لها سيحقق مزيد من الشعبية.

ربما، تنجو من هذه الملاحظة، أغنية "كايروكي"، "صوت الحرية"، والتي تم نشرها على يوتيوب قبل يوم واحد من عزل مبارك. لعلها الأغنية الوحيدة التي تقول أن هناك صراع ما، تغيير ما، حرية ما.. وهو ما أستمرت كايروكي لاحقاً عليه.. في "أثبت مكانك"، "يا الميدان"، "ناس بترقص وناس بتموت"، "السكة شمال".. مواقف متتالية، وتبدو متسقة مع بعضها، ويبدو وكأن جمهورها واحد، لم يتغير. أو بمعنى أدق: لم يتسع.

لكن كل ما سبق، كل ما يخص يناير، لا يصلح لاستخدامه في قاعات الأفراح والرقص على ألحانه. على عكس "تسلم الأيادي"، و"بشرة خير".. أغاني دعم وتأييد ما جرى في 3 يوليو/تموز 2013.

هنا، دعنا نستدعي جملة من الفيلم الشهير "V for vendetta"، حين طلب البطل من فتاته الرقص عشية ليلة الثورة، وحين سألته: نرقص والثورة بعد قليل؟.. قال: "ثورة بلا رقص.. ثورة لا تستحق"، وهي عبارة مستقاة أساسا من إحدى مقولات إيما غولدمان.

ويناير، رغم كونها تستحق، إلا أنها أغفلت مسألة الرقص، لم تقدم للجماهير ما يصلح للرقص على ألحانه، ربما لكونها غير سابقة التحضير والترتيب. ربما لكونها دون قيادة واضحة.. تتعدد الأسباب.. ويغيب الرقص، ولأن الناس لم ترقص لأجل يناير، شعرت وكأنها غير متورطة بشكل مباشر فيها وبها، على عكس ما جرى لاحقاً..


(5)

حيث تنتهي السطور السابقة بقدر من الأمل. نهاية الأسبوع الماضي استضاف الإعلامي وائل الأبراشي في برنامجه "العاشرة مساءً" أربع بنات صغيرات يقدمن أغنيات وموسيقى.اتصل بالبرنامج المؤلف والملحن والمطرب والممثل والمنتج مصطفى كامل، صاحب أغنية "تسلم الأيادي"، ثم طلب المذيع من المطرب أن يغني أغنية عبر الهاتف مع البنات.. فقال: لنغني تسلم الأيادي.. وبدأ الغناء وحده دون مشاركة البنات.. وضعت طفلة رأسها بين يديها.. وقالت: نغني أي حاجة تختارها.. إلا الأغنية دي!.

المساهمون