يعتمد النظام السوري لإخضاع غوطة دمشق الشرقية، التي تستعصي عليه وتبدي مقاومة شرسة، نهجاً ينطوي على خطوتين؛ خطوة أولى عسكرية تتمثل في القصف الجوي المتواصل، خصوصاً على مدينة دوما. وخطوة ثانية سياسية، تتمثل في طرح هدنة، أساسها وقف إطلاق النار المتبادل، مقابل السماح بإدخال مساعدات غذائية. وهذا النهج يقع ضمن سياسة "المصالحات"، التي ينتهجها النظام مع المناطق الثائرة، بالتوازي مع سياسة التجويع، في ظل القصف المكثف.
وأوضح رئيس المجالس المحلية في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، نزار الصمادي، لـ"العربي الجديد"، أن "الطيران الحربي يستهدف تجمعات المدنيين، مما يتسبب في سقوط العديد من الشهداء والجرحى، وذلك في محاولة من النظام للضغط على الحاضنة الشعبية، لتقوم بدورها بالضغط على المقاتلين لتوقيع المصالحة"، وهذا، بحسب الصمادي، لا يمكن أن يحصل لأن "أصحاب الحق بالصلح هم الشهداء، وما على الأحياء إلا السير في ركابهم".
وحول الهدنة المقترحة من النظام مع المقاتلين في مدينة دوما، قال الصمادي إن "طرح الهدنة جاء استناداً لاستراتيجية التجويع، أو التركيع، في إنجاز ما يسميها مصالحات، وهذا ما نرفضه لأننا على يقين من أن النظام لا عهد له، ويذبحنا عندها أذلاء، ونحن اخترنا الموت رافعي الرأس"، لافتاً إلى أن "الكثير من الذين قبلوا الهدنة بشروط النظام، تم اغتيالهم أو لا يزالون في المعتقلات".
وأضاف: "طلبنا من النظام، لإثبات جديته في مسعاه، أن يقدم بوادر حسن نية، عبر فتح ممر إنساني لإدخال مساعدات غذائية وطبية، إضافة إلى إخراج الجرحى، مع ضمان حياتهم، وكذلك إخراج المعتقلين من أطفال ونساء وكبار السن، غير أنه لم يستجب".
الهدنة ممكنة بعد سحب الأجانب وبوجود مراقبين
وأوضح رئيس المجالس المحلية في الغوطة الشرقية أنهم، وبحسب الواقع الحالي، يرون أن ما يمكن إنجازه هو "عبارة عن وقف القصف المتبادل بين الطرفين، في كامل الريف الدمشقي، في حين تتواصل المعارك على خطوط التماس"، مرجعاً ذلك إلى أنهم "يقومون بواجبهم في الدفاع عن أرضهم وعرضهم، في مواجهة أجانب جلبهم النظام، وهذا الأمر تقره كل القوانين والشرائع".
وأضاف: "أما الهدنة المتضمنة وقفا كاملا لإطلاق النار، فلا يمكن أن تتم إلا بعد سحب الأجانب عن الجبهات، وبوجود مراقبين دوليين يشرفون على خطوط التماس بشكل كامل". فالنظام، بحسب الصمادي، "يحاول أن يدفع كل منطقة للتفاوض على حدة، فيقوم بوقف إطلاق النار في بعض المناطق، ويكثفها في مناطق أخرى، كما يدخل مساعدات إلى منطقة، ويطلب من المقاتلين فيها عدم السماح لأهالي المناطق المجاورة بالدخول لمنطقتهم، أو الاستفادة من تلك المساعدات، كما حدث في جنوب دمشق، مما تسبب في حدوث اقتتال بين المقاتلين وشق الصف".
وحول ظاهرة وجود أجانب في صفوف مقاتلي المعارضة، قال الصمادي إن "تخلي المجتمع الدولي عن الشعب السوري، وتركه يذبح بدم بارد، دفع عدداً من الأشخاص إلى مناصرة السوريين، وهم مستعدون للخروج فور وقف القتال". وتساءل مستهجناً: "لماذا يتحدث الكل عن المهاجرين المناصرين للشعب السوري، في حين يتم إهمال وجود عشرات آلاف المقاتلين الأجانب التابعين لدول معينة، ومنظمين في ميليشيات معروفة عالمياً؟". وفوق ذلك، يقوم النظام بتجنيس هؤلاء المقاتلين الأجانب، الذين يستقدمهم، ومثال ذلك، يقول الصمادي، جرى تجنيس أكثر من ألفي أفغاني، كانوا في بلدة السيدة زينب، ناهيك عن العراقيين والإيرانيين.
" |
واعتبر الصمادي أن "هناك تغييراً ديموغرافياً في سورية. وفي حين لجأ ملايين السوريين، ليتم توطينهم في دول عدة، يأتي النظام بالأجانب الموالين له ويوطنهم في أرضنا".
وحول ما يجري من أحاديث حول مسألة التقسيم، من قبل بعض الجهات والأوساط، ربط رئيس المجالس المحلية في الغوطة الشرقية ذلك، بطرح "بعض أطراف المعارضة الخارجية، أن لا حل في سورية إلا بالتقسيم"، وقال: "بدأنا نلمس هذه التوجهات على الأرض، حيث تترك حمص لمصيرها الأسود، عبر تهجير أبنائها، وتُطهّر القلمون وجنوب دمشق من سكانها، والآن الغوطة الشرقية، إضافة إلى توجيه الدعم بشكل انتقائي، وتركيز مكاتب الحكومة المؤقتة في الشمال فقط، رغم أننا نملك من المؤسسات والكوادر والفعاليات الإدارية والخدمية، ما يؤهلنا لأن نكون محافظة متكاملة".
لا مصالحة مع من تلطخت أيديهم بالدماء
ورأى الصمادي، أن "المصالحة تكون بين أفراد المجتمع، وتبنى على أساس نبذ الطائفية والتقسيم، ولا توجد مصالحة مع من تلطخت أياديهم بالدماء، فالقضية ليست قضية أشخاص، بل قضية هيكلية نظام فاسدة بشكل كبير جداً". وأضاف: "نحن نريد اليوم شريكاً سياسياً حقيقياً، لنبني معه الحل السياسي، يقبلنا كشركاء ولا يرانا إرهابيين، وهذا لا يتوفر في النظام. وحتى المجتمع الدولي، الذي يتكلم عن الحل السياسي، غير جاد في ذلك، وعليه، فإن أية ضمانات حقيقية يتطلبها حل سلمي مع النظام غير موجودة؛ الجميع هم أطراف تحكمهم مصالحهم".
وخلص إلى القول: "تشهد سورية، اليوم، حرب الكل ضد الكل، ابتداء من الفصائل وصولاً إلى الدول الكبرى، وفوضى السلاح باتت قريبة، وسورية ستكون مع استمرار الأزمة، من دون حل ترعاه الدول الكبرى، كفيروس نقص المناعة، الذي ينتقل إلى كل الدول".