ثلوج وصقيع في تونس

15 يناير 2019
تحاول ما استطاعت فتح الطريق إلى منزلها(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يشتد الصقيع في المناطق الجبلية من تونس، وتشتد معه الحاجة إلى المساعدات من غذاء ووسائل تدفئة وأدوات صمود. موجة البرد مستمرة وأصوات المحتاجين ترتفع لكنّ كثيراً منها لا يصل

يخفي المشهد الجميل لتساقط الثلوج على مرتفعات عين دراهم وطبرقة وجندوبة وتالة والكاف، بالوسط والشمال الغربي لتونس، أوضاعاً اجتماعية وإنسانية هشة للعديد من الأسر التي تتعمق معاناتها وتزداد عزلتها في مثل هذه الظروف القاسية، فتعيش نقصاً في العديد من المواد الغذائية الأساسية ووسائل التدفئة.

بعد هطول كميات كبيرة من الثلوج، انقطعت حركة المرور، وعزلت بعض المناطق في الشمال الغربي التونسي، ما أدى إلى منع الانتقال وتعليق الدروس في بعض المؤسسات التربوية. تشهد ولاية الكاف تواصل سقوط كميات هامة من الثلوج في ساقية سيدي يوسف ومرتفعاتها، ما تسبّب في انخفاض كبير في درجات الحرارة. وللغرض، سارعت اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث إلى الانعقاد بصفة عاجلة لمتابعة مستجدات الوضع في ظل تواصل موجة البرد وتساقط الثلوج.



وأطلقت العديد من الأسر نداء استغاثة لعجزها عن توفير وسائل التدفئة في ظلّ الانخفاض الكبير في درجات الحرارة، مؤكدة نقص الغاز والمواد الغذائية الأساسية كالدقيق والزيت.

تؤكد نورة الصعدلي (32 عاماً، أم لثلاثة أطفال)، من عمادة البرك بالعيون، لـ"العربي الجديد"، أنّ عائلتها تعيش في غرفة واحدة، إذ إنّ زوجها عامل يومي والدخل ضعيف. تقول إنّ تساقط الثلوج والأمطار عمّق من معاناتهم، فالبرد شديد وأولادها بأعمار خمس وثلاث سنوات وسنة واحدة، وليس لديهم ما يكفي من الملابس والأغطية لمثل هذا الطقس، كما أنّها لم تجلب يوماً حفاضات لرضيعها بسبب الظروف المادية الدقيقة للأسرة. تتابع أنّها احتفظت ببعض الحطب للتدفئة، لكنّها غير قادرة على اقتناء مواد غذائية، فتستنجد بالجيران لإطعام أطفالها، وتعوّل على منحة الـ180 ديناراً تونسياً (نحو 50 دولاراً أميركياً) التي تتقاضاها الأسرة، داعية السلطات إلى التدخل العاجل لمساعدتها.




ويلفت الشاب وليد الغزواني، من محافظة جندوبة، إلى أنّ تساقط الثلوج متواصل وأنّ العديد من المواد الغذائية شهدت نقصاً واضحا قبل وصول موجة البرد وزادت حدتها مع الظروف المناخية الحالية، مبيناً أنّ هناك تدخلات من لجنة مجابهة الكوارث، وقد جهزت آلات لفتح بعض الطرقات وتسهيل حركة المرور، خصوصاً في عين دراهم. يقول معتمد العيون، من محافظة القصرين، عثمان كرتلي، إنّ هناك نقصاً واضحاً في العديد من المواد الغذائية الأساسية، خصوصاً الدقيق، رغم توافر الغاز حالياً، مبيناً أنّ بعض الطرقات مقطوعة، وأزمة البرد والثلوج قد تزداد حدة في الأيام المقبلة، لكنّها صعبة على الطبقات الاجتماعية الهشة التي لا تملك وسائل ولا إمكانات لمجابهة مثل هذه الظروف المناخية.



يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ نسبة الفقر مرتفعة في المنطقة، فهي من أكثر المحافظات التونسية فقراً، مشيراً إلى أنّهم في صدد جمع تبرعات لبعض العائلات التي لا تجد مأوى ولا مواد أساسية ولا ملابس كافية. ويبين أنّ مساعدات الدولة تقتصر على بعض الأغطية والمواد الغذائية، لكنّها تظلّ غير كافية في مثل هذه الظروف، إذ لا بدّ من لفتة أوسع من المنظمات والفاعلين في المجتمع المدني. يتابع الغزواني أنّ الجمعيات شبه غائبة عن العمل في منطقة العيون، ما يعني أنّ أصوات العديد من الفئات الفقيرة والعائلات المعوزة لا تصل، وبالتالي لا بدّ من تضافر جميع الجهود لإعانة هذه العائلات، خصوصاً أطفالهم الذين لا يجدون أبسط الاحتياجات.



تؤكد الناشطة في جمعية "تالة" علياء بن الكافي، لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك نقصاً واضحاً في مواد أساسية، كالدقيق والزيت والبيض وأسطوانات الغاز ووسائل التدفئة، مبينة أنّ نداءات عديدة تصل من عائلات تحتاج إلى مساعدات عاجلة في المواد الغذائية والأغطية في المناطق والقرى ذات المسالك الوعرة، وهؤلاء لا يمكنهم الحصول على الحطب للتدفئة، ما يعقّد وضعهم المعيشي في ظل تواصل موجة البرد وتساقط الثلوج. توضح بن الكافي أنّ موجة البرد مستمرة، ولا بدّ من تحرك المجتمع المدني كي تمرّ هذه الفترة بسلام ولا تكون قاسية على سكان مناطق الشمال الغربي.



من جهته، يلفت المسؤول في الدفاع المدني، رئيس الرابطة الوطنية للأمن والمواطن، معز الدبابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الوضع صعب وقد منع العبور إلى العديد من المناطق بسبب تساقط الثلوج، مضيفاً أنّ اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث قررت إغلاق المنافذ المؤدية إلى مدينة عين دراهم تحسّباً لارتفاع مستوى الثلوج.

وكانت وزارة الصحة قد أعلنت أنّها فعّلت المخطط الاستثنائي لمجابهة موجة البرد الحادة في عدة جهات بالشمال والوسط الغربي للبلاد، ومواجهة تأثيراتها السلبية على صحة المواطنين، خصوصاً أولئك الذين تتطلب أوضاعهم الصحية تدخلات وعناية خاصة، مضيفة أنّه جرى في هذا الإطار تعزيز الاهتمام بمرضى القصور الكلوي، وذلك بإيوائهم في المراكز الصحية، لضمان تمكينهم من الخضوع للعلاج، خصوصاً في حال انقطاع الطرقات.




ودعت وزارة الصحة جميع المواطنين في مختلف الجهات إلى أخذ الاحتياطات اللازمة لتفادي حوادث الاختناق بأول أوكسيد الكربون وذلك بالحرص على مراقبة وسائل التدفئة التقليدية (الفحم والحطب)، وحثتهم على اتباع أساليب الوقاية من الالتهابات التنفسية الحادة.
دلالات
المساهمون