ثلاث لغات تحدد مصير بلد عربي

15 سبتمبر 2018
+ الخط -
يلخص الغياب العربي في قمة الثلاثي، الروسي التركي الإيراني، في طهران الأسبوع الماضي، الحال العربي، ويعرّينا أمام أنفسنا، فهذه القضية العربية تناقش بثلاث لغات غير عربية، فيما يغيب العرب ولغتهم.. ما أهم الخلاصات من هذا المشهد المليء بالإهانات؟
أولا، هناك فراغ عربي غير مسبوق، حيث لا ثقل لأي دولة عربية، في ظل التآكل الذي نخرها، وقوّض عراها، فمصر خارج المعادلة، تبحث عن رغيف الخبز بعد أن أهلك الجنرال البلاد والعباد، والعربية السعودية تائهة في جبال اليمن، تلاحق مليشيات أنهكتها ثلاث سنوات ونيف، من دون أن تحقق أيا من الأهداف التي ذهبت لأجلها، فالسعودية التي قال وزير خارجيتها يوما إن على الأسد أن يرحل حربا أو سلما لم تُدع إلى هذا المؤتمر، ولا حتى استشيرت في أجندته. لكن أليست الرياض نفسها هي من اختارت الوجهة الخطأ للقتال، كما اختارت الخصم الخطأ، عندما أشعلت النيران في بيتها الداخلي، واختلقت أزمة خليجية، فتحت أبواب الخليج لإيران، بعد أن كانت هذه تحاول جاهدة التسلل عبر النوافذ.
ثانيا، اقتتال الدول الخليجية على الغنائم في سورية قبل انتهاء الحرب، كما قال دبلوماسي خليجي، كان سببا ثانيا في غياب التأثير، على الرغم من أن الجميع اكتشف اليوم، وبعد أن بدأ غبار الحرب ينقشع، أنه لا يوجد أصلا غنيمة، بل بلد مدمر، أنهكته الحرب الأهلية التي أذكاها نظام مجنون وصلف، دفع الثورة إلى العسكرة، بعد أن كانت سلمية، ليزيد من كارثة العسكرة النار التي صبّها أشقاء بدعمهم جماعات مسلحة في مواجهة جماعات أخرى. وأدار العرب للأسف حربا بالوكالة بينهم في سورية، أسهمت، جنبا إلى جنب، مع الحرب الإقليمية والدولية بالوكالة القائمة هناك، في حرق الأخضر واليابس، ولم يبدع العرب إلا في تدمير روح الثورة وصبغها بالطائفية، مقدمين بهذا الجنون خدمةً مجانية لإيران. وبدعمهم فصائل متطرّفة أسدوا معروفا للنظام وللمجتمع الدولي المنافق، بتسهيل مهمتهم في وسم الثورة بالإرهاب، ثم انتهوا إلى أن جرّموا هم أنفسهم الثورة، وأقاموا محاكم التفتيش لها، كالتي تجري الآن في السعودية ضد كل من دعمها يوما، وعلقوا لهم المشانق.
تقع مسؤولية ضياع بلد عربي كبير، مثل سورية، على عاتق العرب قبل غيرهم، فهم من
 سمحوا لهذا النظام بالإفلات من نهاية محتمة، كان سيلقاها لو أنهم دعموا بنزاهة الثورة الشعبية السلمية التي انطلقت من درعا، أو على الأقل صدقوا في دعم الثوار، أو مارسوا ضغطا موحدا، واستخدموا نفوذهم لإجبار هذا النظام على إحداث تغييرٍ ما، يفتح شباكا في طريق التغيير الحقيقي، بدلا من هدم العمارة كلها على رؤوس ساكنيها. لكن ما ثبت، بعد سبع عجاف من ثورة سورية، أن الدعم العربي لم يكن من أجل الحرية، بل تصفية حسابات قديمة مع النظام على غير هدى ومن دون رؤية، وتحت سقف أميركي لم يتجاوزوه. والحقيقة الثانية أن خذلان الشعب السوري جاء عليهم بالوبال، فقد هزموا أمام إيران في سورية، وتتالت الهزائم بعدها في اليمن ولبنان، ولو أنهم نصروا السوريين، لما كانت صواريخ الحوثيين وصلت إلى نجران والرياض.

ثالثا، أنفقت دول خليجية على الثورة المضادة في مصر 33 مليار دولار، مع 120 مليار دولار كلفة شهر واحد من الحرب العبثية في اليمن، بحسب مجلة فورين بوليسي الأميركية، والتي ذكرت أنه، بعد ستة أشهر من اندلاع الحرب، إن تكلفة الأشهر الستة بلغت نحو 725 مليار دولار. وحتى مع التقديرات الأقل التي أشارت إليها صحيفة التايمز البريطانية، وقدرت فيها كلفة اليوم الواحد من الحرب بنحو مائتي مليون دولار، أي 72 مليار دولار سنويا، و216 مليار دولار في ثلاث سنوات، يبقى الرقم صادما. ألم يكن أجدى وأوفر بكثير لتلك الدول أن تدعم الديمقراطية، وتحترم تطلعات شعوب المنطقة نحو الحرية؟ ألم يكن أجدى بكثير دعم التعليم والصحة والتنمية في اليمن؟ مؤكّد وقتها أن اليمنيين والسوريين كانوا سيرفضون أي تدخل إيراني، من دون الحاجة لكل تلك الحروب. ولو دعمت تلك العواصم مصر القوية الديمقراطية، هل كانت تلك العواصم الثلاث، أو غيرها، ستجرؤ على الاجتماع لتقرير مصير بلد عربي بغياب القاهرة، وقبل ذلك وبعده، هل كان نظام الأسد أصلا بقي لو لم تدعم تلك العواصم الانقلابات على خيار الشعوب؟
C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.