ويتفق مختصون واقتصاديون على أن أول خطوة نحو إعمار غزة، هي فك الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ فوز حركة "حماس" بالانتخابات التشريعية في يناير/كانون الثاني 2006، وفتح كافة المعابر التي تربط غزة مع الاحتلال في ظل عدم قدرة معبر كرم أبو سالم الذي يُعدّ حالياً المنفذ التجاري الوحيد مع القطاع على استيعاب متطلبات الإعمار.
ويربط قطاع غزة ستة معابر، أغلق الاحتلال نصفها، وهي معبر المنطار (كارني) الذي دمره الاحتلال أواخر شهر مارس/ آذار 2011 وكان يُعتبر من أكبر المعابر التجارية، ومعبر الشجاعية (ناحل عوز) الذي أُغلق في الأول من شهر أبريل/ نيسان 2010، وكان مخصّصاً لدخول مشتقات الوقود، ومعبر صوفا، في حين لا يزال يعمل معبر كرم أبو سالم بقدرات محدودة، ومعبر إيرز ورفح مع الجانب المصري والمخصصين للأفراد فقط.
ويقول الخبير الاقتصادي ومسؤول العلاقات العامة والإعلام في الغرفة التجارية في غزة ماهر الطباع، إن شرطين أساسيين يجب أن يُنجزا للشروع في عملية إعمار غزة، أولهما فتح المعابر التجارية المرتبطة بغزة والسماح بدخول كافة الواردات من دون شروط مسبقة أو تحديد كمية ونوعية المواد.
ويشير الطباع في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن أي آلية قد يطرحها الاحتلال وتنصّ على مراقبة البضائع الواردة ستهدف بشكل غير مباشر إلى عرقلة عملية الإعمار وتطيل أجَلها وتبقي الوضع الاقتصادي في القطاع على حاله.
ويلفت الى أن الشرط الثاني يتمثّل في توفير نحو 10 مليارات دولار كأموال خاصة تشمل عملية الإعمار وترميم ما دُمّر خلال العدوان في مختلف القطاعات الحياتية، إلى جانب تحريك عجلة مشاريع التنمية والتطوير وترميم البنية التحتية، بما يمهدّ لتنمية مستدامة تعالج مشاكل البطالة والفقر.
ويوضح الطباع أن القطاع تعرّض منذ ثماني سنوات لهجمات عسكرية إسرائيلية متكررة، خلّفت دماراً واسعاً في كافة المنشآت الحياتية والقطاعات الاقتصادية إلى جانب تدميرها مكونات البنية التحتية وتعميق أزمات القطاع، معتبراً أن إنهاء الحصار سيُساهم في إنقاذ ما تبقى من مقومات الحياة في غزة والشروع فوراً في عملية البناء والتي ستنعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي.
ويرى الخبير الاقتصادي أنه في حال فتح المعابر وإدخال مواد البناء بالصورة المطلوبة، يجب أن تكون الخطوة الثانية هي الشروع في ترميم الأضرار الجزئية، وتمكين القطاعات الاقتصادية ولا سيما قطاع الإنشاءات وإعادة بناء ما دُمر من منشآت اقتصادية أثناء العدوان على وجه السرعة، نظراً لدورها المهم في عملية إعمار القطاع وإغاثته.
ويقدّر الطباع المدة الزمنية التي تحتاجها عملية الإعمار بنحو خمس سنوات، ولكنه يوضح أن ذلك يتطلب إدخال نحو 400 شاحنة محمّلة بمختلف مواد البناء والإنشاء ولا سيما الإسمنت والحديد والحصمة يومياً إلى غزة، مشدداً على أهمية الموازاة بين خطة إعمار القطاع وبين خطط تطوير وتنمية المرافق الحيوية في غزة وتحديداً في قطاع المياه والكهرباء والإسكان.
ويحتاج قطاع غزة في الوضع العادي لألف شاحنة يومياً من مختلف السلع والبضائع، ولكن معبر كرم أبو سالم لا يستوعب دخول أكثر من 450 شاحنة في اليوم، ويغلق لما يزيد عن 130 يوماً في العام، رغم وجود قائمة تحتوي على نحو 100 صنف وسلعة ممنوعة من الدخول.
من جهته، يربط المتحدث الإعلامي باسم وزارة الاقتصاد في غزة طارق لبد، بين عملية إعادة إعمار القطاع وبين بثّ الحياة مجدداً في المنشآت الاقتصادية المختلفة ولا سيما القطاع الإنشائي، الذي يعتبره العمود الفقري لعملية إعمار غزة، نظراً لأنه يمثل نحو 30 في المائة من المنظومة الاقتصادية في غزة ويوفر فرص عمل لما يزيد عن 35 ألف عامل.
ويشير لبد في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن القطاع الاقتصادي تعرّض لضربات متلاحقة منذ نحو ثماني سنوات، وتوقّفت المشاريع الإسكانية سواء التابعة للقطاع الخاص والهيئات الدولية أو العامة والمشاريع الحيوية كبناء المدارس والمراكز الصحية والمنشآت التجارية، موضحاً أن ثلاثية إعمار غزة تتمثل بتوفر مواد البناء عبر فتح المعابر وتوفر الأموال الكافية ووجود عزيمة على البناء وفق الخطط المرسومة.
وأصيب القطاع الاقتصادي خلال العدوان بمقتل عندما استهدفت الطائرات الإسرائيلية بشكل مباشر ومتعمد المصانع والمؤسسات الاقتصادية والخدماتية بمستوياتها المختلفة فضلاً عن الأراضي الزراعية، فبلغت قيمة الخسائر المالية للقطاع الصناعي والتجاري والخدماتي نحو 960 مليون دولار، في حين بلغت خسائر القطاع الزراعي 350 مليون دولار.
وفي السياق، يوضح لبد أن "المصانع التي نجت من القصف والتدمير أصبحت بحاجة ملحّة إلى ترميم معداتها، لذا من الضروري رفع الحصار عن المعدات والماكينات والآليات الثقيلة الخاصة بأعمال البنية التحتية والتي يمنع الاحتلال دخولها منذ فرض الحصار".
ويلفت لبد الى أن كل اللقاءات العربية أو الدولية التي عُقدت من أجل إعمار غزة بعد عدوان 2008 ــ 2009 لم تلبِ الحد الأدنى من احتياجات القطاع، والكثير من المنشآت التي تضررت من الاعتداءات الاسرائيلية السابقة لم تحصل على أي تعويض مالي.
يُذكر أنه بعد عدوان 2008 ــ 2009 عُقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة بمشاركة 70 دولة وبعض المنظمات الدولية، في مدينة شرم الشيخ المصرية في مارس/آذار 2009، وجمع المؤتمر نحو 4 مليارات و481 مليون دولار من أجل إعادة الإعمار، لكن أياً من الأموال لم تدفع.
وفي السياق نفسه، يشدد وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان ناجي سرحان، على ضرورة الإسراع في إرسال الأموال التي ستصرف لصالح إعمار غزة خلال مؤتمر المانحين لإعادة إعمار القطاع والذي سيُعقد في القاهرة في 12 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، للشروع في عملية الإعمار وفق الخطة التي وضعتها حكومة التوافق الوطني.
ويقول سرحان في حديث لـ"العربي الجديد" إن "الخطة الحكومية لإعمار غزة ستستمر لثلاث سنوات في حال فُتحت المعابر، وتبدأ بمرحلة الإغاثة العاجلة الإنسانية وتوفير السكن المؤقت لمن هدمت بيوتهم، ومن ثم تدعيم البنية التحتية وبناء المنشآت الاقتصادية في مختلف القطاعات، بينما تتمثل المرحلة الثالثة بعملية التنمية المستدامة للقطاع".
وينبّه وكيل وزارة الأشغال إلى أهمية توحيد جهود كافة المؤسسات التي تُعنى بملف إعمار غزة، بما يلبي آمال سكان القطاع وإنعاش الوضع الاقتصادي، والى ضرورة توفر ضمانات دولية تمنع الاحتلال من استهداف المباني السكانية والمرافق العامة، مشيراً إلى أن تكلفة إعادة إعمار المباني السكانية فقط تُقدر بنحو مليار ونصف المليار دولار.
ويطالب سرحان السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة بالضغط على الاحتلال لزيادة كميات المساعدات الإغاثية العاجلة التي تدخل إلى غزة، والعمل على فتح كافة المعابر التي أغلقها الاحتلال خلال السنوات السابقة من أجل إدخال مواد البناء وكافة مستلزمات الإعمار من دون عراقيل.