حقق مانشستر سيتي فوزاً كبيراً على ليفربول بخمسة أهداف مقابل لا شيء، ضمن قمة هذا الأسبوع من الدوري الإنكليزي، في نتيجة وصفها الكثيرون بأنها أقرب إلى المفاجأة، خصوصاً بعد انتصار الليفر على آرسنال قبل مباريات الفيفا، بالإضافة لطول فترة عدم الهزيمة لزعيم ميرسيسايد أمام نجوم ملعب الاتحاد.
وجاء التفوق هذه المرة كاسحاً على جميع المستويات، ليشارك السيتي غريمه اليونايتد قمة البطولة، ويعلن غوارديولا عودته الحقيقية للتألق في المواجهات القوية بالبريمييرليغ، لذلك يعتبر هذا الفوز أكثر من كونه مجرد ثلاث نقاط، لأنه وضع السيتي على الطريق الصحيح مرة أخرى، بعد فترة طويلة من الشكوك والانتقادات.
ثلاثي الخلف
كان أمام بيب عدة خيارات قبل المباراة، إما اللعب بمهاجم واحد صريح وتحته ثلاثي من صناع اللعب، أو وضع ثنائي هجومي في الأمام مع تقليل عدد المشاركين في الدفاع أو بالوسط، واختار في النهاية مزيجاً بين الخصائص، بالاعتماد على جيسوس وأغويرو في الأمام، لاستغلال ضعف دفاعات ليفربول وبطء ثنائي العمق أمام مينوليه، مع التضحية بساني وبرناردو من التشكيلة الأساسية، لوضع مدافع إضافي بالخلف أمام إيديرسون، لذلك لعب الثلاثي دانيلو، ستونز، أوتاميندي بين كلاً من ميندي ووالكر، ليراهن المدرب الكتالوني على خطة 3-5-2.
أما يورغن كلوب فواصل على نفس النهج، فيرمينو مهاجم وهمي وتحته ماني وصلاح، مع الدفع بالثلاثي فينالدوم، كان، وهيندرسون في الوسط، أمام رباعي الدفاع الأخير بالقرب من المرمى، ليلعب ليفربول بخطته المعهودة، 4-3-3 دون أي تغيير. ورغم الطرد الذي أثر على النتيجة وجعلها أكبر في النهاية، إلا أن السيتي كان الطرف الأقرب من البداية، بسبب تحركات دي بروين المثالية في وبين الخطوط، ولعبه دور صانع اللعب الصريح بالتبادل مع سيلفا، ليصل أغويرو بسهولة إلى الشباك معلناً تقدم فريقه منذ البداية.
ليفربول فريق سريع وقوي أمام الكبار، يضغط بقوة ولا يتمركز أبداً بالخلف، لذلك لجأ السيتي إلى تمركز خمسة لاعبين دفعة واحدة أمام المرمى، حتى يحرم خصمه من ميزة الضغط العكسي، ونجح في ذلك بعض الشيء لكن ليس بشكل كامل، لأن الضيف أيضاً عرف كيف يهاجم من القنوات، بالتحديد بين ستونز وأوتاميندي، وبين أوتاميندي وميندي أسفل الأطراف على اليسار، لكن رعونة صلاح أفقدت فريقه فرصة التعادل مبكراً، وبالتالي يُحسب لغوارديولا لعبه بثنائي هجومي أمام الليفر، لكنه خاطر بعض الشيء في الخلف خصوصاً عند المرتدات السريعة، وتمركز 3 ضد 3 في الثلث الأول من الملعب.
زمن الأظهرة
نتيجة لقوة المدافعين بالكرة وميل لاعبي الوسط إلى لعبة التحولات ومشتقاتها، صار اللعب الهجومي قائم على استراتيجية الكرات الطولية، رفقة الاختراق العمودي من الخلف إلى منطقة الجزاء. وبالتشديد على قوة الخطط الدفاعية وميل معظم المنافسين الحاليين إلى غلق مناطقهم أولا قبل التفكير في الهجوم، كالبرتغال 2016 وأتليتكو على طول الخط، وحتى ريال مدريد في المواجهات الكبيرة، باتت الحاجة إلى استغلال الأطراف ملحة وضرورية لأقصى درجة ممكنة، لأن العمق سهل غلقه وصعب اختراقه، لذلك يكمن الحل في صعود الظهيرين إلى الثلث
الهجومي الأخير.
كلما تأزمت الأمور مع زيدان، يلجأ إلى الحل السحري بلعب الكرات القطرية تجاه الأطراف، والاعتماد على ثنائية كاريخال ومارسيلو، في تخطي المدافعين ولعب العرضيات داخل منطقة جزاء. كذلك لجأ أليغري في بعض المواجهات إلى وضع ثلاثي دفاعي صريح بالخلف، حتى يعطي للبرازيلي داني ألفيش الحرية الكاملة بالصعود للهجوم، وليس غريباً بوصول هذا الثنائي الكبير إلى نهائي أهم بطولة أوروبية بالموسم الماضي، لأن الريال واليوفي ومن بعدهما موناكو هم أفضل فرق القارة العجوز استخداماً للأظهرة طوال التسعين دقيقة.
لم يتعاقد السيتي في الصيف مع مدافع جديد، وتناسى تعويض منطقة الارتكاز بدماء جديدة لكثرة إصابات غاندوغان وكبر سن توريه، كل هذا من أجل شيء واحد فقط، تدعيم الفريق بأكبر قدر ممكن من الظهيرين يميناً ويساراً، لذلك تخلصت الإدارة الرياضية من كولاروف، كليشي، وسانيا، وتم تعويضهم بثلاثي مميز، بداية بالإنكليزي والكر ثم الفرنسي ميندي، وأخيراً اللاتيني دانيلو، ليحصل غوارديولا على رفاهية اللعب بأكثر من خطة، إما 4-3-3 كالعادة أو التحول إلى 3-4-2-1 أو 3-5-2 وفق ظروف كل مباراة وطريقة تمركز الخصم، كما حدث أمام ليفربول باللقاء الأخير.
غموض المركز
"لا أحد يعرف أين سيلعب دانيلو، ربما كمدافع أو ظهير، الكل في ملعب الاتحاد بانتظار المباراة للإجابة على هذا السؤال الصعب". هكذا كانت تعليقات مراسل قنوات "بي إن سبورت" الرياضية قبل مباراة السيتي وليفربول، لأن البرازيلي دانيلو فعلاً لعب هذا الموسم كظهير أيسر في المباريات الودية، ثم شارك على اليمين بمركزه الأصلي عند طرد والكر أمام إيفرتون، مع تمركزه أيضاً كجناح صريح على الخط ضد برايتون في الافتتاحية، حتى لعبه في مركزين جديدين أمام فريق يورغن كلوب، على أرضية ملعب الاتحاد.
بدأ لاعب الريال السابق المباراة كمدافع ثالث بجوار أوتاميندي وستونز، يغطي باستمرار خلف زميله والكر، ويراقب تحركات ساديو ماني أخطر نجوم ليفربول. ولجأ مدربه إلى هذا الحل لسهولة البناء من الخلف، وإمكانية نقل الكرة إلى الأمام دون خوف، لأن فريق المدرب الألماني لا يرحم أبداً في هذا الشق. ورغم أن دانيلو ضعيف قليلاً في التصرف بالكرة، إلا أنه تحسن بوضوح هذا الموسم، عندما حصل على الثقة ونال عدد دقائق أكبر، عكس ما كان يفعل أيام الميرينغي.
وبعد طرد ماني وخروج صلاح في أول الشوط الثاني، لجأ غوارديولا إلى الحل المنطقي، بالتحول من 3-5-2 إلى ما يشبه 4-2-3-1، من خلال صعود دانيلو خطوات إلى الأمام، والتمركز بجوار فرناندينيو في منطقة المحور، كثنائي ارتكاز صريح حول دائرة المنتصف، قبل أن يُخرج جيسوس ويُشرك ساني على الطرف الأيسر أمام ميندي، ليسيطر السيتي على المباراة بالكامل ويقلب النتيجة إلى مهرجان أهداف.
يملك دانيلو ميزة اللعب بالقدمين، مع سرعته في التحولات بالكرة ومن دونها، لذلك يستطيع التكيف مع أي مركز جديد سواء في العمق أو على الطرفين. وحتى في حالة عدم مشاركته أساسياً، فإنه بديل جيد جداً عند إصابة اللاعب الأساسي أو غيابه، لذلك ربما لم يتعاقد السيتي مع أي مدافع جديد، نتيجة عودة كومباني من الإصابة الطويلة، وبسبب التعاقد مع اللاعب البرازيلي هذا الصيف.
الثنائي الآخر
من المجحف تصنيف والكر كأفضل ظهير أيمن في العالم بالوقت الحالي، هناك كارفخال وألفيش وأكثر من خيار آخر، لكن يمتاز لاعب منتخب إنكلترا بقوته البدنية في المواجهات، لذلك يتفوق بسهولة في ألعاب الهواء، ويفتك الكرات من منافسيه بالعرقلة المشروعة، بالإضافة إلى أهم فائدة له على الإطلاق، بالصعود من دون الكرة في الأماكن الخطيرة. وخلال مباراة ليفربول، تحرك والكر بذكاء حتى دون أن يشترك في الهجمة، بقطعه المفاجئ من الطرف إلى العمق والعكس، ليُجبر الظهر المقابل بالعودة إلى الخلف، وينسف تركيز ارتكاز المنافس، حتى يحصل زملائه بالوسط على الفراغ اللازم لاستلام وتسليم الكرات إلى المهاجمين.
حصل دي بروين على نجومية المباراة، بعد مساهمته في أول أربعة أهداف، ولم يكن للبلجيكي أن يحصل على كل هذا الدعم، دون تحركات والكر المثالية على الخط، وإجباره دفاع ليفربول على التمركز بعيداً عن العمق. وفي الجهة المقابلة، يتفنن الفرنسي ميندي في لعب الكرات العرضية المتقنة، ليصنع الهدف الرابع لزميله ساني، ويفتح الجبهة اليسرى بسهولة عند الاستحواذ. واستفاد لاعب موناكو السابق من دخول ساني، لأن الألماني يدخل إلى العمق ويترك الطرف لانطلاقات الظهير تجاه الخط، فيما يعرف تكتيكياً بمصطلح "الأوفر لاب".
رقمياً، مرر دانيلو 115 تمريرة خلال المباراة، أما والكر فكانت له 83 تمريرة مع 4 صراعات هوائية ناجحة، بينما أضاف ميندي خاصية العرضيات القصيرة على القائم القريب، وهي اللعبة التي نجح فيها السيتي بالموسم الماضي، عند تحول دي بروين إلى الطرف وقيامه بدور الجناح، لكن الفرنسي قام بها على أكمل وجه هذه المرة، ليصل أصحاب الأرض إلى المرمى بنفس الكيفية، توجيه اللعب تجاه الأطراف، ثم كرة قطرية بالقرب من القائم القريب، ليضعها القابع داخل منطقة الجزاء في المرمى.