ثغرات قانونية حاسمة في أحكام مصر

22 مايو 2015
أُحيلت أوراق مرسي مع آخرين إلى المفتي (Getty)
+ الخط -

لم تنته مسألة "الأحكام المصرية الأخيرة" بحق الرئيس المعزول محمد مرسي وآخرين، فقد ثَبت أن محكمة مصرية تغافلت عن التأكد من حقيقة وفاة بعض المتهمين من الجنسية الفلسطينية، في قضيتي "الهروب من السجون" و"التخابر مع حماس وحزب الله"، والتي أمرت بإحالة أوراق ما يزيد عن مائة متهم إلى المفتي. وكانت المحكمة قد أصدرت حكماً بإحالة أوراق المتهمين، وعلى رأسهم الرئيس المعزول محمد مرسي، وقيادات جماعة "الإخوان المسلمين"، يوم السبت، إلا أن المفاجأة كانت في وفاة بعض المتهمين المحالين للمفتي، إضافة إلى أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ 19 عاماً تقريباً.

واعتبر قانونيون، أن "من حق المحكمة الحكم على المتهمين، طالما لم يثبت لديها بالأوراق الرسمية وفاتهم"، مشيرين إلى أن "المحكمة تغافلت عن طلب من السلطات المصرية التحقق من الأمر". وذهب البعض إلى القول بأن "الحكم على متوفين وأسير، يُثير علامات استفهام حول جدية المحاكمات، وشكوك حول تحريات الأجهزة الأمنية". وكشفت الأسماء المحالة للمفتي في قضية "الهروب من السجون"، عن وجود ثلاثة شهداء على يد العدوان الإسرائيلي قبل سنوات من اندلاع الثورة المصرية (25 يناير 2011)، وأسير فلسطيني منذ 19 عاماً.

وضمت قائمة الشهداء كلاً من: حسام الصانع، المتهم رقم 2 في القضية واسمه الكامل، حسام عبدالله إبراهيم الصانع، (فلسطيني الجنسية)، والذي استشهد في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الضربة الأولى للحرب بتاريخ 27 ديسمبر/كانون الأول 2008. كما ورد اسم تيسير أبوسنيمة، المتهم رقم 37 في القضية، (فلسطيني الجنسية)، والذي شارك في العملية العسكرية لحركة "حماس" في أسْر الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" في عام 2006، واستشهد في العدوان الإسرائيلي في عام 2009.

كما ورد اسم رائد العطار، المتهم رقم 71 في القضية، (فلسطيني الجنسية)، وهو القائد في "كتائب عز الدين القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، والذي استشهد في عملية اغتيال من قبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014. أما المعتقل، فهو، حسن سلامة، المتهم رقم 35 في القضية، (فلسطيني الجنسية)، ومحكوم عليه بالمؤبد من قبل الاحتلال الصهيوني في عام 1996، وما زال مسجوناً لدى الاحتلال منذ 19 عاماً.

اقرأ أيضاً: مطالبات بإلغاء لقاء السيسي وميركل احتجاجاً على أحكام الإعدام 

ورأى وزير العدل السابق، المستشار أحمد سليمان، في الحكم "إخلالا بمعايير المحاكمات العادلة إلى حدّ كبير". وأضاف سليمان في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "بالنسبة للمتوفين فكان على المحكمة الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية، وإسقاط التهم، لأنهم لم يكونوا في موقع الحادث مثار الاتهام"، مؤكداً أن "الأزمة في القضية تكمن في تحريات الأمن". وتابع "إن المحكمة كان لديها صلاحيات في مطالبة النيابة والسلطات المصرية بالتحقق بشأن وفاة متهمين في القضية، ولكنها لم تنفذ ذلك، وتغاضت عن تلك الجزئية القانونية وأصدرت حكمها".

وشدد أن "الحكم يثير علامات استفهام حول جدية التحقيقات والقضية بما يتناسب مع قضية بهذا الحجم"، مشيراً إلى أن "القضية لا تسقط بالحكم على متوفين، ولكن يشوبها خلل قانوني". ولفت إلى أن "الأسير الذي حُكم عليه، لا بد وأن يُحكَم عليه بالبراءة لعدم وجوده وقت وقوع الحادث، بسبب احتجازه في السجون الإسرائيلية، أما المتوفون فتنقضي الدعوى الجنائية بوفاتهم". وأردف: "إن الدفع ببطلان القضية بموجب الحكم على متوفين وأسير، لا يجوز، ولن يكون هناك تأثير كبير على القضية من الناحية القانونية". 

واتفق مع سليمان، المستشار القانوني لحزب "البناء والتنمية"، عادل معوض، قائلاً إن "المحكمة يمكن أن تصدر حكماً على أي شخص من أي جنسية، طالما أنه ارتكب جرماً على الأراضي المصرية". وأضاف معوض لـ"العربي الجديد"، أن "المحكمة في قضية الهروب من السجون والتخابر، من الطبيعي أن تصدر أي حكم على فلسطينيين طالما قاموا بأي عمل ضد القانون في مصر، ومن ثم إبلاغ الإنتربول الدولي لضبطهم". وتابع "في حالة القبض على المتهمين غير المصريين، يتم ترحيلهم إلى مصر بموجب صورة من حكم المحكمة، وفور تسليمهم يتم إعادة المحاكمة، لأن الأحكام الصادرة ضدهم كانت غيابية".

وعن الحكم على متوفين في القضيتين المشار إليهما، أكد المستشار القانوني لحزب "البناء والتنمية"، أن "المحكمة ربما أصدرت الحكم، ولا يوجد لديها إثبات رسمي بأنهم متوفون، وبالتالي تصدر الأحكام غيابية بحقهم".
ولفت إلى أن "حديث المحامين وأسر المتهمين في القضيتين لا تعتد المحكمة بها، طالما لا يوجد مستند رسمي يؤكد وفاتهم".

وأردف "من حق المحكمة الطلب من السلطات المصرية التدخل لدى أي دولة أجنبية، بشأن إثبات وفاة أي متهم في قضايا لديها". واعتبر أنه "ليس لديه علم من خلال مجريات القضية، بأن المحكمة طلبت التحقق من وفاة بعض المتهمين".

وشدد على أن "التهم الموجهة للمتهمين لا يوجد في أوراق القضية ما يدعمها، خصوصاً أن المتهمين في الاقتحام غير موجودين". وسأل "كيف تكون عقوبة من هرب من السجن هي الإعدام؟ وهو أمر يثير التعجب". وأكد محامٍ مصري، أن "الأحكام الصادرة لا يمكن أن تظهر بهذه الطريقة في ظل ظروف عادية، ولكن لأن المتهمين معارضون للنظام تصدر بحقهم هذه الأحكام الغريبة".

وقال المحامي، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "الأزمة تكمن في عدم رغبة المحكمة في الوصول إلى الحقيقة فعلياً، لأنه كان عليها إرسال طلب للسلطات المصرية للتدخل لمعرفة حقيقة وفاة بعض المتهمين".

وأضاف أنه "لا يوجد في قانون العقوبات الجنائية عقوبة الإعدام لمن يهرب من السجن. حتى إن فكرة تورط مرسي وآخرين في التخطيط للأمر غريبة جداً، كيف لرجال داخل السجن التخطيط لعملية كبيرة مثل اقتحام سجن".

من جانبه، قال أستاذ القانون في جامعة القاهرة، أيمن سلامة، في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، إنه "من حق السلطات المصرية مخاطبة أي دولة أجنبية، للاستعلام بشأن أي مواطن من تلك الدولة ارتكب جريمة في مصر".

وأضاف أنه "من غير الواضح أن السلطات المصرية خاطبت نظيرتها الفلسطينية، للاستعلام حول المتهمين في قضيتي التخابر واقتحام السجون"، مؤكداً أنه "في حالة معرفة هذه الجزئية، يُمكن الحكم على فكرة وجود متهمين متوفين".

وتابع "إن كل ما يتردد عن وفاة متهمين في القضايا المنظورة أمام القضاء، من دون وجود مستند رسمي وإثبات لذلك، فالمحكمة تتعامل مع الأمر باعتباره كأن لم يكن، وتتابع سير المحاكمات حتى يثبت العكس". وشدد على أن "الأزمة تكمن في كيفية إثبات محامي المتهمين وفاة بعض المدانين، وكان أولى بالمحكمة اتباع الأنظمة المتبعة في هذه الحالات والتأكد من حقيقة الحكم على متوفين".

اقرأ أيضاً الخارجية الأميركية: قرارات الإعدام بمصر تقوّض الثقة بحكم القانون

دلالات