أكد ثروت نافع النائب السابق لرئيس حزب الجبهة الديمقراطية في مصر، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس الشورى المنحل، أن تشكيل حكومة منفى بات أمراً منطقياً تتم دراسته. ولم يستبعد نافع اعتراف دول غربية والولايات المتحدة بتلك الحكومة في حال إعلانها، على الرغم من تأكيده على دور الغرب وواشنطن في ما سماه "التخطيط للانقلاب".
ــ ما المدى الزمني الذي تصفه دائماً بأنه "ليس بعيداً" الذي يسقط بعده ما تصفونه بـ"الانقلاب العسكري" في مصر؟
* الانقلاب سيسقط، لكن تغيير الاستراتيجيات هو الذي يمكن أن يغير في توقيت سقوطه. صحيح أنه من المهم أن نستمر في التظاهر؛ لكن لا بد أن نبحث عن أفكار أخرى لوقف "شرعنة" الانقلاب، وأفكار أخرى لتفعيل مكسب سياسي لما يحدث في الميدان وفي التظاهرات ومقاومة الانقلاب سلمياً.
ــ ما أبرز ملامح تلك الاستراتيجيات؟
* في مقدمتها حكومة موازية مثلاً، فلا بد من تأسيس كيان موازٍ؛ تسمّيه "حكومة موازية" أو "حكومة منفى"، فالمهم أن توقف "شرعنة" الانقلاب.
ــ وهل سيعترف بها العالم؟
* هذا ممكن طبعاً، ونحن لا نخترع العجلة؛ فـ(المرشح الرئاسي عبد الفتاح) السيسي غيّر خريطة الطريق، ويستعجل في إجراء انتخابات الرئاسة، لأن الذين خططوا للانقلاب قالوا له "نريد رئيساً أمام رئيس، ودستوراً أمام دستور وبرلماناً أمام برلمان".
ــ من الذين خططوا له؟
* أعتقد أن الولايات المتحدة لها دور كبير في هذا الانقلاب، والدليل أن وزارة الخارجية الأميركية اعترفت أنها كانت على اتصال دائم بوزير الدفاع (السيسي)، وهذا لا يصح في أي دولة من دون علم الرئيس. وهنا أذكر أن أحد رجال الرئيس محمد مرسي قال له: إذا كنت تريد أن تعرف ما الذي سيحدث بعد 30 يونيو/حزيران، الكلام يكون مع عبد الفتاح السيسي. لذلك أنا مندهش من محاكمة مرسي بتهمة الخيانة العظمى، فالمفترض أن يحاكم بها عبد الفتاح السيسي، فإذا كان قد أجرى اتصالات بالخارجية الأميركية أو بغيرها من وراء مجلس الأمن القومي ورئيس الجمهورية فتجب محاكمته بتلك التهمة.
ــ إذا كانت واشنطن خطّطت للانقلاب، فعلى من تعوّلون في مسألة الاعتراف بحكومة موازية؟
* الغرب وأميركا يمكن أن يكونوا خططوا للانقلاب، لكنهم لم يعترفوا به رسمياً لأنها دول ديمقرطية تنظر إلى شعوبها، وهذه الشعوب قد تجبر حكوماتها على تغيير تلك السياسات.
ــ هل تعتقد أنه من مصلحة أميركا نجاح الانقلاب واستمرار حالة التناحر في مصر؟
* واشنطن لا يعنيها شيء في المنطقة سوى مصلحة إسرائيل، وحينما نقول أميركا خططت للانقلاب، نعني بذلك أنها خططت لمصلحة إسرائيل، والإسرائيليون قالوا في صحفهم إنّ السيسي هو أفضل كنز استراتيجي لنا بعد (الرئيس المخلوع حسني) مبارك ويجب ألا نتحدث عنه كثيراً حتى لا يكرهه المناهضون لإسرائيل. كما أن السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة هو الذي توسط لمصر عند أميركا من أجل أن توافق واشنطن على إمداد مصر بمجموعة من مروحيات "الأباتشي".
ــ هل كان لديك اتصال مباشر بمرسي، وهل أخبرته بهواجسك عن الانقلاب؟
لم يكن هناك اتصال مباشر به، وكنت أحضر لقاءاته الرسمية مع البرلمان، وطلبتُ من أحد المقربين منه أن يوصل له هواجسي لناحية الانقلاب، خصوصاً بعد ظهور حركة "تمرد"، وقلتُ نحن بصدد انقلاب عسكري، وقلتُ في البرلمان إن مصر تنهار ونحن في مرحلة اللادولة، فانزعج الدكتور عصام العريان من هذا الكلام، وكان رئيساً للهيئة البرلمانية للحرية والعدالة في مجلس الشورى. ثم تحدّثت مع العريان بعد ذلك وقلتُ له إننا مقبلون علي سيناريو ما حصل مع الاخوان عام 1954، فأجابني بأن التاريخ لا يعيد نفسه.
ــ هل تعتقد أن التخطيط للانقلاب كان أكبر من قدرات النظام الذي انقلب عليه؟
* أعتقد أنها كانت مؤامرة ساذجة جداً، لكن التعامل معها هو الذي أعطانا انطباعاً أنها ذكية جداً، فلو شاهدت الإعلام قبل انقلاب يونيو، كنت ستدرك أنه إعلام موجه من قبل مؤسسات وأشخاص يريدون إيصال رسالة معينة. وحين تنتشر عبارة "الجيش هو الذي سيأتي بحقوقنا وسينقذنا من الفاشية الدينية"، فهي لا تقال اعتباطاً. وهي عبارة صدرت عن شخص يدّعي الليبرالية، مثل محمد البرادعي، الذي كنت أؤمن به كرجل وطني وليبرالي شريف، لكنني فوجئت به يطالب بتدخل الجيش، فكان ذلك يحتاج وقفة لإعادة تقييم للرجل. لا يمكن لليبرالي حقيقي أن يقبل بعودة الجيش للسياسة، حتى لو كنت ضد الأخوان المسلمين بالكامل، وحتى لو كان يرى أنهم جماعة غير ثورية إطلاقاً، ومنهجهم ليس منهجاً ثورياً.
ــ لكن الدكتور البرادعي دان بعد ذلك مذبحة رابعة العدوية، ورفض الاستمرار في السلطة.
* لم يتراجع البرادعي عن موقفه في سبيل الله والوطن، فأصدقاؤه في فيينا، ومنهم الرئيس النمسوي، وهو صديق للبرادعي، ومقرب منه جداً، قالوا له: قد لا تتمكن من دخول النمسا بعد ذلك، أو قد تلاحق قضائياً، كما أنه كانت هناك تحركات جادة وحقيقية لسحب جائزة نوبل منه، لذلك قدم البرادعي استقالته، وترك السفينة خوفاً على مكانته الدولية.
ــ ماذا تفعل لو أنك كنت مكان مرسي؟
* كنت استفدت من انتصاري بإقالة المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان وأكملتُ تطهير مؤسسات الدولة، وانتهزتُ الدعم المعنوي والشعبي الذي حصلت عليه بعد تلك الخطوة. نحن نعيش في دولة عميقة منذ أيام محمد علي، وهناك هيبة لرأس الدولة حينما يشعر مرؤوسوه بالقوة، ولو كانت ظهرت قوة، لكانت كل الفئران اختبأت في جحورها.
ــ ما هي أبرز ملاحظاتك على موازنة القوات المسلحة حينما تمت مناقشتها في مجلس الشورى المنحل؟
* بعيداً عن التسليح وكل ما يخص الأمن القومي، كانت هناك أمور أخرى طلبنا استفسارات عنها، وهو ما كان يثير حفيظة المؤسسة العسكرية، رغم أنني طالبت بزيادة موازنة الجيش من أجل زيادة التسليح، والأخطر من ذلك موازنة مؤسسة القضاء، إذ كانت لديها التحفظات نفسها في الرقابة على موازنتها، وبدأت أجنحة مؤسسات الدولة العميقة تتفق في ما بينها لإنهاء فكرة الرقابة على موازنتها، وقد ظهرت "مصائب" في موازنة وزارة الخارجية والتلفزيون.
ــ مصائب من أي نوع؟
* مثلاً السفير المصري في الولايات المتحدة حصل على شقة في مانهاتن بنيويورك، مساحتها 2500 متر، في مكان يصل فيه سعر المتر إلى عشرات الآلاف من الدولارات. وحينما سألنا وزارة الخارجية، أجابونا بأن السفير استأجر هذه الشقة لأنه يقيم حفلات خاصة في السفارة. أما المحكمة الدستورية، فقد وجدنا موازنتها 129 مليون جنيه، يتم توزيعها على 19 مستشاراً وعدد من الموظفين والإداريين.
ــ ما قيمة مذبحة رابعة وقبلها الحرس الجمهوري وبعدها رمسيس 1و2 عند المحكمة الجنائية الدولية، بينما مصر لم توقع على اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة؟
* مصر وقعت على الاتفاقية، لكنها لم توقع على الميثاق التأسيسي، وكنت قد طالبت أثناء وجودي في البرلمان، بضرورة أن توقع مصر على ميثاق المحكمة، والإخوان كانوا متأخرين في كل شيء، وهو ما ندفع ثمنه حالياً.
ــ وهل يعني ذلك أن المحكمة الدولية سيكون لها كلمة في هذا الأمر؟
* طبعاً، فحين يختلّ ميزان العدالة في دولتك، من حقك اللجوء للمحكمة الدولية، وتستطيع أن تطارد المتهمين دولياً بالقانون مثل عمر البشير في السودان الذي لم يوقع على الميثاق، وعلى الرغم من ذلك، صدر حكم ضد الرئيس، كذلك مثال تسيبي ليفني التي هربت من لندن بسبب مطاردتها دولياً. هناك إجراءات تمت على صعيد اللجوء إلى المحكمة الجنائية، وهو ما أثار حفيظة الانقلابيين لأنهم يعرفون خطورة هذا الملف.
ــ هل يعني ذلك أنه قد تصدر أحكاماً ضد أشخاص بعينهم في النظام تمنعهم من مغادرة مصر ومطاردتهم في الخارج؟
* بمجرد إدانة متهم معين، سيطارد في الخارج، ولو سافر، فسيذهب إلى السودان أو الدول غير الموقعة على اتفاقية المحكمة لأنهم قتلة.