لم تتخلَّ حركة "العدل والمساواة" التي تقود حرباً ضد النظام الحاكم في السودان في إقليم دارفور، عن هدفها باجتياح الخرطوم وإسقاط النظام الحاكم بالقوة، بعد ثلاثة أعوام على اغتيال زعيمها خليل إبراهيم. وكان رئيس الحركة جبريل إبراهيم، الذي خلف شقيقه خليل بعد اغتياله، بدأ ولايته على رأس الحركة بالقول "سندخلها ضحى"، تأكيداً لنيته اجتياح العاصمة السودانية وإسقاط النظام هناك بالقوة، وذلك كتكرار للخطوة نفسها التي سبق وقامت بها الحركة في العام 2008 من دون أن تحقق أهدافها كاملة.
وشهد الأسبوع الماضي معارك قوية بين القوات الحكومية السودانية وقوات "العدل والمساواة" في عدة مناطق في ولاية جنوب دارفور، نجحت خلالها الأولى في نصب كمين لقوات الحركة، مما أوقع خسائر كبيرة في صفوفها ودفعها للاعتراف بخسارتها لتلك المعركة، خصوصاً بعد أن أظهرت الحكومة اهتماماً كبيراً بالحدث عبر الرئيس السوداني عمر البشير، الذي توجّه إلى مسرح العمليات لمخاطبة القوات المشاركة في العملية، مما استفز الحركة التي سارعت إلى إصدار بيان حمل توقيع رئيسها، أكدت فيه أنها "لم تكسب في المعركة الاخيرة بمقاييس الكسب التي لديها أو التي يعرفها عنها الشعب السوداني طيلة سنوات الحرب، كما أنها فقدت في المعركة بعض رجالها فضلاً عن أسر آخرين، واستولى مقاتلو الحكومة على بعض آلياتها"، ولكنها لفتت إلى أن "الخسائر لا تتعدى ربع ما يتشدق به نظام الخرطوم ويحتفل به". ولمحت إلى تعرّضها للخيانة، من دون تحديد جهة باعتبار أن هناك من وشى بتحركاتها إلى الحكومة، الأمر الذي أوقعها في الكمين.
لكن جبريل إبراهيم أبدى حماسة أكبر في تحقيق أهدافه بإسقاط النظام، وشدد في البيان على أن "الاحتفالات لن تطيل عمر النظام ساعة واحدة بل ستعجّل بسقوطه، وأنا وإياه على موعد قريب"، مضيفاً "سنصل إلى النظام في مقر إقامته"، في إشارة إلى الخرطوم.
ويرى محللون أن الحركة عمدت خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى تنظيم صفوفها، بغرض تحقيق أهدافها بالثأر لمقتل قائدها، فضلاً عن تحقيق طموحها بالسيطرة على الخرطوم بالقوة، بعدما ورثت معدات وأموالاً هائلة عن نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، الذي كان أهم حليف استراتيجي لها، كما أنها استغلت الانفلات الأمني في ليبيا ونجحت في تهريب كميات كبيرة من السلاح.
وعلمت "العربي الجديد" أن الحركة دخلت في خلافات مع "الجبهة الثورية"، التي تضم فصائل دارفورية فضلاً عن "الحركة الشعبية قطاع الشمال"، وخطّت لنفسها طريقاً بعيداً عن ذاك التحالف. وذكر الجيش السوداني في بيان له صدر أخيراً، أن قوات "العدل والمساواة" تلقّت تدريباً مكثّفاً داخل معسكرات في دولة جنوب السودان، عبر مدربين أجانب، لتنفيذ عمليات تخريبية تستهدف مناطق البترول والمصارف.
لكن مراقبين يرون أن كل توجّهات الحركة تؤكد أنها تعمد للمخاطرة باجتياح الخرطوم، عبر الاستفادة من تجاربها السابقة واللعب على الصراع الداخلي في صفوف الحزب الحاكم، عبر دغدغة مشاعر بعض قادة الحزب الحاكم الطامحة في السلطة، والتي تم إبعادها أخيراً، فضلاً عن مخاطبة تخوّفات الإسلاميين من إبعادهم عن السلطة، لا سيما أن التوجّه الإسلامي نفسه يربط بين الطرفين، وإن كانت الحركة تبنّت أخيراً توجّهاً ليبرالياً قد يُنظر إليه كجزء من التكتيك المرحلي.
بينما يرى مراقبون آخرون استحالة الخطوة، بالنظر للاعتراضات التي سبق وسجّلها رئيس الحركة الحالي جبريل إبراهيم، وانتقاده لخطوة الحركة في 2008 بدخول الخرطوم، ويعتبرون أن الحركة يمكن أن تنفّذ عمليات نوعية في إقليم دارفور للفت انتباه العالم للقضية، لا سيما بعد تراجع الاهتمام بها في ظل انشغال العالم بالتنظيمات الإرهابية التي ظهرت أخيراً، فضلاً عن إجبار الحكومة للنظر للحركة كقوة فاعلة أسوة بـ"الحركة الشعبية" لتحقيق مكاسب تفاوضية.
وفي الحالتين يعتقد مراقبون أن المعارك الأخيرة من شأنها أن تؤثر على العلاقة بين الحكومة و"المؤتمر الشعبي" بزعامة حسن الترابي، إذ يُنظر للحركة على أنها ذراع عسكري لـ"المؤتمر الشعبي" المعارض. كما سيكون لهذه المعارك أيضاً تأثيرات على عملية الحوار الداخلي برمتها، لا سيما أن الحكومة ترى أن الحركة لا تنفصل عن "المؤتمر الشعبي".
ويتوقع المحلل السياسي أحمد الطيب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تشهد الأيام المقبلة مواجهة شرسة بين الحكومة وحركة "العدل والمساواة"، وخصوصاً أن الحركة أصبحت قوة لا يمكن الاستهانة بها، كما أنها تُعتبر الأكثر تنظيماً. ولم يستبعد أن تخطو الحركة نحو الخرطوم، ولكنه رجّح أن تميل نحو تنفيذ اغتيالات نوعية وتفعيل خلاياها النائمة في الخرطوم لجذب الانتباه.
اقرأ أيضاً: السودان وجنوب السودان يتجهان للحرب؟
وحركة "العدل والمساواة" هي واحدة من الحركات الدارفورية المسلّحة التي تشنّ حرباً ضد الحكومة في إقليم دارفور، منذ ما يزيد عن اثني عشر عاماً. وهي حركة ثورية ذات توجه إسلامي، انشقت عن حركة "تحرير السودان" في العام 2001 بقيادة خليل إبراهيم، والذي شغل منصباً وزارياً في حكومة البشير، قبل المفاصلة الشهيرة بين إسلاميي الحكم وخروج عراب النظام حسن الترابي من السلطة.
ينتمي أعضاء الحركة بمعظمهم إلى قبيلة الزغاوة، والحركة تبنّت شعار "عدم التهميش ورفع الظلم"، ورفعت جملة مطالب بينها التداول السلمي للسلطة والتوزيع العادل للثروة، وخصوصاً أنها من أطلقت "الكتاب الأسود"، وهو الكتاب الأول من نوعه الذي يُجري تقييماً حول توزيع السلطة والثروة بين المجموعات السكانية في السودان.
عرفت الحركة عدة انشقاقات، لكنها ظلت من أقوى الحركات عسكرياً وتنظيمياً، وشكّلت هاجساً للحكومة السودانية، وفشلت كافة المحاولات لإقناعها بتوقيع اتفاق سلام نهائي مع الحكومة، على الرغم من توقيعها على تفاهمات معها، إذ سبق أن وقّعت اتفاق حسن النوايا وبناء الثقة، ضمن المفاوضات التي رعتها قطر في فبراير/شباط 2009 فضلاً عن الاتفاق الإطاري في العام 2010، لتعود وترفض التوقيع النهائي على اتفاقية سلام الدوحة.
وفي العاشر من مايو/أيار 2008، دخلت حركة "العدل والمساواة" بقيادة خليل إبراهيم إلى الخرطوم نهاراً، فيما عُرف بعملية "الذراع الطويل"، في تحدٍ واضح للحكومة السودانية وقتها وإشارة لوجود سند وظهر لتلك الخطوة، ووقتها كان البشير في السعودية وعاد في اليوم التالي ليُعلن عن انتصار قواته على الحركة، فضلاً عن قطع علاقات السودان الدبلوماسية مع دولة تشاد بعد اتهامها بدعم عملية "الذراع الطويل".
واستطاعت الحركة حينها الوصول إلى مداخل الخرطوم ودارت المعارك في مدينة أم درمان التي تُعتبر من مدن العاصمة الرئيسية، وكانت المرة الأولى التي تعمد فيها حركة مسلحة إلى القيام بتلك الخطوة. وقبل الهجوم على أم درمان، ظلت الحركة تُطلق تصريحات حول نيتها إسقاط النظام من داخل الخرطوم، لكن الحكومة قلّلت من أهمية تلك الخطوة.
وعلى الرغم من أن "العدل والمساواة" لم تحقق وقتها هدفها بالاستيلاء على الخرطوم وإسقاط النظام، فإن خطوتها أحدثت انقلاباً كبيراً داخل النظام نفسه وأظهرت الخلافات الكبيرة بين الأمن والجيش، وبعدها بعام واحد فقط عُزل رجل النظام القوي ومدير الاستخبارات السودانية صلاح عبدالله من منصبه. ووقتها تحدثت أوساط سودانية عن علاقة الرجل بعملية "الذراع الطويل"، وخصوصاً أن الحكومة تحدثت حينها عن وجود طابور خامس داخل أجهزة الدولة نسّق مع الحركة، ودفع "المؤتمر الشعبي" فاتورة خطوة الحركة بعدما طالت الاعتقالات عدداً من قياداته.
بعد الإطاحة بنظام القذافي، فقدت الحركة أهم حليف استراتيجي لها، فضلاً عن الرئيس التشادي إدريس ديبي الذي تحسّنت علاقته مع الخرطوم بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي هددت نظامه، واتُهمت الخرطوم وقتها بالوقوف خلفها رداً على دعم الأول للحركات المسلحة ضدها.
وظلّت "العدل والمساواة" طيلة الفترة التي أعقبت سقوط ومقتل القذافي، بعيدة تماماً عن أي أنشطة عسكرية، وبقيت متواجدة في عدد من المواقع في دولة جنوب السودان، على الرغم من إعلان الحكومة من وقت لآخر ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2011، عن مخطط أجنبي إسرائيلي لضرب استقرار البلاد انطلاقاً من جنوب السودان، عبر الحركات المسلّحة التي تقود حرباً ضدها في إقليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
وكانت السلطات السودانية قد اغتالت رئيس "العدل والمساواة" خليل إبراهيم في ديسمبر/كانون الأول 2011، في إحدى مناطق كردفان عبر ضربات جوية، فخلفه شقيقه الأكبر جبريل إبراهيم، الذي تبنى منذ تقلّده المنصب الجديد، مطلب إسقاط نظام الخرطوم بشتى الوسائل، بما فيها الخيار العسكري. وفي أول تصريح له بعد تقلّده المنصب في 2012 قال إن "الحكومة لا تريد الحوار بل هي دمّرت بيئة الحوار وخلقت بيئة الثأر والانتقام".
اقرأ أيضاً: الرئيس السوداني يعفو عن معتقلين لـ "العدل والمساواة"