تيسير أبو الروس... إسكافي من غزّة يُطعم 17 شخصاً

01 يوليو 2017
الشمس لا تضايقه (محمد الحجار)
+ الخط -
منذ الساعة السادسة صباحاً وحتّى أذان المغرب، يعمل تيسير أبو الروس (42 عاماً) إسكافيّاً، في مدينة النخيل في دير البلح وسط قطاع غزة. المارة يلاحظون وجهه الشاحب، والذي أنهكه العمل. مع ذلك، يمازحهم، وهذا أسلوب اتّبعه لجذب الزبائن منذ 17 عاماً، أي منذ بدأ العمل في هذه المهنة في عام 2000.

ما إن تنتهي ساعات العمل قبل غروب الشمس، حتى يعود إلى منزله في مدينة خانيونس، ويجلس وأفراد أسرته البالغ عددها 17، كونه متزوجاً من ثلاث نساء. الأولى لم تنجب أطفالاً، فيما أنجبت الثانية سبع بنات. ولأنّه كان يرغب في أن يكون له صبيان، تزوج الثالثة، التي أنجبت ثلاثة صبيان وأربع بنات. يعترف بأنّه متمسّك بالعادات والتقاليد، تلك التي تحبذ إنجاب أكبر عدد ممكن من الأبناء، خصوصاً الذكور. ولأن الزوجة الأولى لم تستطيع الإنجاب، رغم عمليات التلقيح، فضل الزواج مرّة أخرى بدلاً من الاستمرار في تكبّد تكاليف العمليات، بحسب ما يقول. وكانت النتيجة 14 طفلاً.

على كرسيّه القديم المهترئ، وتحت أشعة الشمس، يعمل مستعيناً بمطرقته الصغيرة وسندانه الحديدي اليدوي ومخرزه لإصلاح أحذية الغزيين. خبرته التي راكمها على مدى سنوات جعلته قادراً على إصلاح مختلف أنواع الأحذية، ليعيد إليها صلابتها، ويعتاش.

أبو الروس هو من بين عشرات الآلاف الذين توقفوا عن العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948، حين كان يُسمح للغزيين بالعمل داخلها. في ذلك الوقت، كان يعمل حدّاداً في إحدى الورش. لكن مع توقيع اتفاقيّة أوسلو في عام 1993، وتولّي السلطة الفلسطينية بعدها إدارة شؤون قطاع غزة ومدينة أريحا، عمل حدّاداً أيضاً في أحد المصانع الحدودية مع الأراضي المحتلة.



ساءت ظروفه مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في عام 2000، وتوقف العمل في المصنع بعدما احتل الجيش الإسرائيلي قطاع غزة، وعطّل العمل في أعداد كبيرة من المصانع. على مدى أشهر، بقي في البيت من دون أي عمل، إلى أن تعرّف على رجل يدعى محمد المصري، وهو مصري الجنسية يبلغ من العمر 50 عاماً، يعمل إسكافيّاً في قطاع غزة. أخبره عن وضعه، فعرض المصري عليه تعليمه المهنة، وهذا ما حصل. وبعدما تعلّمها، اتخذ من مفترق دير البلح مكاناً، في ظلّ عدم وجود إسكافي في تلك البقعة الجغرافية. يقول لـ "العربي الجديد": "كان والدي حداداً، وقد ورثت عنه هذه المهنة"، موضحاً أنّه كان يمكن لهذه المهنة أن تكسبه مالاً معقولاً في قطاع غزة لو أن الكهرباء والأدوات كانت متوفرة فيه. لم يستطع أن يطلق مشروعاً أو يفتتح ورشة خاصة به بسبب التكاليف المرتفعة التي تفوق قدرته، لذلك كانت مهنة الإسكافي حلّاً مقبولاً.

خلال عمله (محمد الحجار) 


في البداية، عمل مستعيناً بأدوات بسيطة هي عبارة عن مطرقة وسندان صغير، وكان يجلس على حافة الطريق. لكنّ صديقه المصري الذي توفي بعد سنتين من تعارفهما، كان قد أعطاه كلّ عدته قبل وفاته. حتّى أنّ بعض زبائن المصري باتوا يقصدونه، ظناً منهم أنه شقيقه، وقد ورث عمله.

المعاناة بالنسبة لأبو الروس تكمن في تأمين الطعام والمستلزمات الأساسية لـ 17 فرداً هم أفراد عائلته. وهؤلاء ينتظرون منه يوميّاً جلب الطعام. من هنا، سعى إلى الاستفادة من برنامج الأسر الفقيرة التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، وبات يحصل على 400 دولار كل ثلاثة أشهر. وحين طلب المساعدة من بعض المؤسسات الخيرية، رفضوا الأمر، لأنه متزوج من ثلاث نساء، ما يعني بالنسبة إليها أنه يملك المال، ولا حاجة له إلى طلب المساعدة.

يستخدم أدوات بسيطة (محمد الحجار) 


أكبر أبناء أبو الروس هي جواهر، وتبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، وأصغرهم جنى وحنين وأحمد الذين ما زالوا رضّعاً. يقول لـ "العربي الجديد" إنّه "في أحيان كثيرة، نعتمد على وجبة واحدة في اليوم، بسبب عدم قدرتي على إحضار المزيد من الطعام لجميع أفراد الأسرة. لكن في أيام أخرى، يكون الرزق جيّداً، خصوصاً في أيام نهاية الأسبوع."

اليوم، يعاني أبو الروس من ألم في ظهره، ما أثّر على عمله وإنتاجيته، خصوصاً في فصل الشتاء. ورغم الشمس الحارقة، وارتفاع درجة الحرارة صيفاً، إلّا أنّه يفضّل العمل في هذا الفصل. في الوقت الحالي، ينصحه الأطباء بالعمل ساعات قليلة، بل وترك المهنة لأنها ستساهم في تفاقم حالته الصحية مستقبلاً. لكن ما من خيار آخر بالنسبة إليه.

ويشير أبو الروس إلى أنّ انعدام الكهرباء في قطاع غزة في الآونة الأخيرة جعل الناس أكثر إقبالاً عليه، خصوصاً أن عمله لا يحتاج إلى الكهرباء، فهو يعتمد على أدوات يدوية بسيطة تتطلب جهداً جسدياً ووقتاً أطول بالمقارنة مع الآلات.