يقترب الموسم الرياضي الكروي من نهايته، وتتضاعف الرهانات في الأمتار الأخيرة على كل الفرق التي تريد نجاحاً حقيقياً في النهايات، ويأتي دور اللاعبين المميزين في هذه الأوقات المصيرية من عمر المسابقات، وبالتأكيد نجوم الوسط تكون لهم اليد العليا في ترجيح كفة أنديتهم، مهما اختلفت الدوريات وتغيّرت أجواء اللعب، ولنا عبرة بالثلاثي العائد إلى نطاق التألق مؤخراً، ابن ألكانتارا، والهادئ الأرجنتيني، والمكوك الباسكي.
تياجو
تياجو ألكانتارا لاعب يملك DNA الكرة الشاملة، لاعب مهاري جداً، سريع ومنطلق، بالإضافة إلى إجادته للتمرير في أضيق المساحات. البرازيلي الإسباني يعتبر نموذجاً حقيقياً لفكرة التيكي تاكا المعروفة إعلامياً، والتي لا تعني شيئاً في النهاية، لأن الرهان يكمن في كيفية ملء الفراغات، والتمركز الذكي من أجل السيطرة على كافة أرجاء المستطيل الأخضر.
أثناء فترة وجوده مع بيب في الناشئين ثم الفريق الأول، اعتمد الفيلسوف كثيراً على اللاعب الشاب، لذلك خطفه سريعاً إلى بايرن ميونخ في جولته الجديدة، لأنه قادر على أداء دور الارتكاز المساند في خطة 4-3-3 أو "الديب لاينج" كصانع لعب متأخر ينقل الهجمة من الخلف إلى الأمام. يحصل تياجو على الكرة ويوزعها إلى الأمام، أو ينطلق بها ويصنع الأهداف، على طريقة تشافي هيرنانديز في الأيام الخوالي.
إذا قمنا بتنصيف تياجو تكتيكياً، فيجب القول إنه لاعب وسط صريح، CM كما يقول الكتاب، أي يتحرك على الدائرة، في الأسفل والأعلى، ويستطيع اللعب كلاعب ارتكاز مع قدرته على الصعود إلى الأمام، وشغل مركز لاعب الوسط الثالث أو صانع اللعب الحر خلف المهاجم الصريح، وهذه المقومات تجعله لاعباً نادراً للغاية، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة.
مشكلة تياجو الأساسية هي الإصابات العديدة التي أثرت كثيراً في مشوار لاعب بايرن، لكن مع عودته الأخيرة وفي حالة ابتعاده عن شبح الغياب، فإن قطعة جوارديولا الجديدة ستجعل خطط البافاري أفضل كثيراً، ومع غياب ألابا، يحتاج المدرب الكتالوني إلى خيارات تعطيه مرونة تكتيكية في مقبل المواعيد، ولاعب بقيمة وحجم ألكانتارا سيكون عاملاً مساعداً في اللعب بـ 3-4-2-1، سواء كارتكاز مساند بجوار ألونسو، أو لاعب وسط مهاجم صريح خلف المهاجم المتقدم في الثلث الأخير.
بيليا
يقدم لاتسيو موسماً استثنائياً بعد وصوله إلى المركز الثالث بالدوري الإيطالي، وصعوده إلى نهائي الكأس في انتظار السيدة العجوز، ليثبت فريق المدرب ستيفانو بيولي أنه خصم صعب المراس هذا العام، بتقديمه أداء مميزا وتحقيقه نتائج مبهرة، مع نخبة من الأسماء الرائعة، يأتي في مقدمتها الأرجنتيني لوكاس بيليا، النجم الأول للنسور في الكالتشو من دون منافس.
ليس السؤال أيهما أفضل، 4-4-2 أم 4-2-1-3 أم أي خطة أخرى، ولكن في ديناميكية الفريق، ومسألة وجود رابط شامل يسير الكل على خطاه. وبمعنى آخر، يصبح الفريق لاعباً واحداً فقط، في الهجوم وفي الدفاع وفي كل الحالات. ولاعب الوسط بيليا يقدم هذه الخدمة لفريقه لاتسيو، خصوصاً في عملية ضبط التحولات، من الدفاع إلى الهجوم والعكس، لذلك يلعب النادي الثاني في العاصمة بخطة أقرب إلى ثلاثية الوسط؛ لأن الرقم 20 هو "الهولدينج" في الخطة.
يخترق لاتسيو في الغالب من الأطراف بثنائية من اللاعبين، لاعب جناح صريح وآخر يسانده على الخط الجانبي، لذلك ينطلق لاعبو الوسط إلى الهجوم من أجل صناعة الزيادة العددية، وإضافة التنوع المطلوب أمام دفاعات المنافسين، ويبقى بيليا في الخلف أمام خط الدفاع أسفل الدائرة، ليصنع المثلثات المطلوبة مع الظهيرين ولاعبي المنتصف، وكل هذا العمل في سبيل التحكم في مجريات اللعب وضبط نسق المباريات.
لا يكتفي بيليا بالدفاع فقط، بل يصعد إلى الإمام ويسجل الأهداف بتسديداته الصاروخية بعيدة المدى، بالإضافة إلى دوره المحوري في تحضير الهجمات عن طريق التمريرات المميزة من الوسط إلى منطقة الجزاء، لذلك رغم نسبة صناعة الأهداف الضعيفة، يقوم الأرجنتيني بإيصال الكرات إلى صناع اللعب الذين يضعون بصمتهم الأخيرة بوضع النهاية السعيدة للأهداف.
هيريرا
"هو رجل رائع، ولاعب محترف بشكل حقيقي، لكنه يحتاج إلى مزيد من العمل، لأنه يلعب في نادٍ عظيم، ويتنافس مع مجموعة كبيرة من النجوم"، هكذا قال لويس فان جال عن لاعبه أندير هيريرا، خلال فترة منتصف الموسم الحالي، ومنذ هذا التاريخ وهيريرا يقدم أداء خيالياً رفقة كتيبة الشياطين الحمر داخل الأولد ترافورد وخارجه.
الباسكي هو لاعب الوسط الإضافي في المنتصف، أي الارتكاز القادر على تطبيق استراتيجية القادمين من الخلف، والتوغل في القنوات الشاغرة بين الدفاعات لتسجيل الأهداف، لذلك وصل رصيده في الدوري الإنجليزي إلى سبعة أهداف حتى الآن، مع صناعة أربعة ونسبة دقيقة جداً من التمريرات الدقيقة التي تجعله مطلوباً بقوة في نظام الخال الهولندي القائم على الحيازة والسيطرة.
"لويس فان جال شخص جاد جداً وصلب، المساواة بين الجميع داخل غرفة الملابس، ويعشق الاستحواذ ولا يحب أبدا فقدان الكرة، لأنه يؤمن أن خلق الفراغ يكمن في تحريك الكرة وليس اللاعب، من أجل تحريك الخصم. في البداية، كان دائماً يغضب مني، لأني أتحرك باستمرار طلباً للكرة، كان يأمرني بالوقوف، التمركز، الثبات، والكرة ستأتي لي". هذه كانت كلمات هيريرا عن مدربه القدير.
عاد فان جال إلى طريقة 4-3-3 مع عودة كاريك إلى الارتكاز، وراهن المدير الفني على الثنائي فيلايني وهيريرا، لشغل خانة أطراف الوسط على اليسار واليمين، على أمل السيطرة على الوسط بشكل كامل، سواء في العمق أو على الأطراف، لذلك يتحرّك أندير في كل أرجاء المنتصف، ويقدم الشيء الكبير في توليفة اليونايتد الحالية، على أمل العودة من جديد إلى مصاف الأبطال.