04 اغسطس 2018
تونس ومعضلة التغيير.. إلى أين؟
الأخضر رابحي
على الرغم من إيلاء الحكومة التونسية، برئاسة يوسف الشاهد، المنبثقة عن الائتلاف بين حزبي نداء تونس وحركة النهضة، مكافحة الإرهاب ومحاربة الفساد الأولوية في برنامج عملها، إلّا أنّ هذه الوعود لم تؤثّر إيجابا على الشارع التونسي. بل زادت حدّة الإضرابات والغليان في صفوف أبناء الشعب الذين ينظرون إلى الحكومات السابقة، وكذلك لهذه الحكومة، على أنّها نتاج "زواج متعة" بين أحزابٍ أولت اهتمامها لمصالحها الحزبيّة الضيّقة، من خلال المحاصصات الحزبية في توزيع الحقائب الوزارية؛ حيث شملت الإضرابات، باختلاف أشكالها، القطاعين العام والخاص باختلاف مؤسساتهما واختصاصاتهما. كما شملت كذلك المهمشين والمعطّلين عن العمل (اعتصام الكامور من ولاية تطاوين، اعتصام المفروزين أمنيا، اعتصام أبناء العائلات المُعْوزة، اعتصام ضاع العمر بسيدي علي بن عون...) حيث عاد المتظاهرون في هذه الاعتصامات إلى رفع شعار "Dégage" (إرحل) في وجه الحكومة، مطالبين بحقهم في التشغيل، وحقهم في ثروات البلاد والتنمية الجهوية...
ومن الأسباب الأخرى التي عمّقت فشل هذه الحكومة في تسيير البلاد، والوصول بها إلى شاطئ الأمان: حالة الانقسام والخلاف التي يعيش على وقعها حزب نداء تونس، والذي نُقل فيه الصراع من غرف قاعات الاجتماعات المغلقة للحزب إلى الإعلام والشارع التونسيين. هذا بالإضافة إلى زيادة حدّة الخلاف بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد وحافظ قائد السبسي نجل رئيس الجمهورية (تعمقت مع بدء نقاشات وثيقة قرطاج 2) خصوصا بعد كلمة الشاهد في 29 مايو/ أيار الماضي على القناة الوطنية 1، ووجّه فيها أصابع الاتهام رأسا إلى نجل الرئيس بتدمير حزب نداء تونس، وتسرُّب هذه الأزمة التي يمرّ بها الحزب إلى مؤسسات الدولة، والتي انعكست على سير العمل فيها..
من جهة أخرى، رأت المعارضة في كلمة رئيس الحكومة "تصفية حسابات" بينه وبين حافظ
قائد السبسي، ومحاولة لإحراج رئيس الجمهورية، خصوصا بعد طرح اسمه على طاولة النقاش في المفاوضات على مصير الفريق الحكومي من وثيقة قرطاج 2. كما اعتبرت المعارضة (الجبهة الشعبيّة، التيار الديمقراطي) أنّ الشعب التونسي غير معني بهذه الخلافات، ولا تهمّه في شيء، بل هي تزيد من تنفير الناس من المشهد السياسي، خصوصا بعد نتائج الانتخابات البلدية التي أجريت في 6 مايو/ أيار 2018 (الأولى بعد ثورة 2011)، وجاءت مخيّبة لآمال الأحزاب السياسيّة، وخصوصا حزبي النهضة ونداء تونس؛ فإزاء عزوف الناخبين المسجّلين في الانتخابات، ومقاطعة بعضهم، وخصوصا في صفوف الشباب، احتلت القوائم "المستقلّة" الصدارة في سلّم النتائج بنسبة 32¬% ثم حركة النهضة بنسبة 29% وحزب نداء تونس بـ 22%، مع تراجع كبير في الرصيد الانتخابي للحزبين. ولعلّ السبب المركزي في إعطاء الناخبين أصواتهم للقوائم المستقلة يعود إلى انعدام الثقة في الأحزاب السياسية الحاكمة، وعجزها عن الإيفاء بوعودها الانتخابية، والتي وعدت فيها بالتشغيل، وكشف حقيقة الاغتيالات السياسية والتنمية في الجهات الداخلية...
تعكس هذه النتائج، في حقيقة الأمر، حقيقة ما آل إليه المشهد السياسي التونسي من حضيض وتدنّ، خصوصا في ظل تفاقم ظاهرة البطالة (بلغت حسب ما أعلن المعهد الوطني للإحصاء في يونيو/ حزيران الجاري: 634200 معطلّ ومعطّلة عن العمل بما نسبته 15,4%). وعجز الحكومة عن الإيفاء بتعهداتها والاتفاقيات التي أبرمتها في مناسباتٍ عديدةٍ مع النقابات أو المعتصمين من طالبي الشغل، وانتهاج خطاب التسويف والمماطلة في التنفيذ. وتتبنّى الحكومة دائما خطاب ضعف إمكانات الدولة، وغياب بدائل فعليّة للنهوض بالبلاد. في حين ترى النقابات (الاتحاد العام التونسي للشغل مثلا) والمتظاهرون والمعارضة (كالجبهة الشعبية، والتيار الديمقراطي) أنّ هذا العجز والفشل في تحقيق الوعود الانتخابيّة ناجمٌ بالأساس عن تفشّي ظاهرة السرقة والفساد التي ضربت مؤسسات الدولة، كتورّط نواب للشعب في قضايا فساد في القطب القضائي المالي، ورفض المجلس، إلى حدود الساعة، رفع الحصانة عنهم لمحاكمتهم، وقضيّة وزير الداخلية الأسبق، ناجم الغرسلي، الذي وجّهت له تهم التآمر مع جهات أجنبيّة، والحال أنّه كان يشغل منصب حسّاس يمس رأسا بأمن البلاد، ولا يزال في حالة فرار، على الرغم مما يطرحه عجز أجهزة الدولة، باختلاف تشكيلاتها ومكوّناتها، القبض على الوزير الفار من تساؤلات.
وعلى الرغم من محاولات الائتلاف الحاكم الخروج من عنق الزجاجة، وإطلاق رئيس
الجمهورية، الباجي قائد السبسي، مشروع وثيقة قرطاج 2، وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحفظ ماء الوجه، بعد هذا الفشل السياسي، وهي محاولة أجهضت هي الأخرى، قبل أن تولد ويوقف صاحب المبادرة العمل بها إلى حين الوصول إلى اتفاق بشأن إحدى نقاطها، والتي طالب فيها الاتحاد العام التونسي للشغل، الشريك في الحوار الوطني وفي وثيقة قرطاج 01، بتغيير الحكومة ورئيسها، وضرورة ضخ دماء جديدة في الحكومة إجمالا. وبذلك، تلوح في الأفق بوادر أزمة سياسية حقيقية، ستطيح الحكومة الحاليّة، وتعيد ترتيب الأوراق في المشهد السياسي، خصوصا بعد أن ثبت فشل هذا الائتلاف الحاكم في الوفاء بوعوده الانتخابيّة، وكسب ثقة الشعب التونسي، وخصوصا الشباب الذي عبّر عن موقفه عن وعي، أو من دون وعي، بعدم المشاركة في الانتخابات البلديّة.
وإزاء التراجع المستمر لقيمة الدينار التونسي في مقابل العملات الأجنبيّة، وما لذلك من انعكاسات على المقدرة الشرائية للمواطن، وعلى المبادلات التجارية، وتراجع الصادرات بسبب تراجع الإنتاج. وتفاقم عجز الميزان التجاري (15592.0 مليون دينار حسب المعهد الوطني للإحصاء لسنة 2017)، فقد بلغ سعر صرف اليورو حاليا 3.076 دنانير، مقارنة بسنة 2011، حيث كان 1.81 دينار تونسي، الأمر الذي سيدفع نحو الخروج إلى السوق العالمية للاقتراض، وبذلك تعميق أزمة البلاد أكثر بحلول ترقيعيّة.
يتطلب الخروج من الأزمة التي تعيشها تونس إرادة وشجاعة سياسية كبيرة، وقدرة على اتخاذ القرار بعيدا على الضغوط والإملاءات، فالحرب على الفساد لا تكون ذر رماد على العيون، بل استئصالا للفساد والمفسدين ممن ثبت تورّطهم، لا تصفية حسابات بين أباطرة التهريب والتهرّب الضريبي ومضخّات المال السياسي الفاسد، وألاّ تكون حربا انتقائية. هذا بالإضافة إلى أهمية تحييد وزارة الداخلية، والنأي بها عن التجاذبات السياسية، والكف عن استعمال سياسة العصا والنار في مجابهة الاحتجاجات، وفتح قنوات الحوار مع الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين. وضرورة أن تفي الحكومة بتعهداتها واتفاقياتها (الاتفاقيات المبرمة في ملف المفروزين أمنيا، اتفاقيات اعتصام الكامور، المعلمين النواب، الأطباء الشبان...)، حتى تحظى بثقة الشعب والنقابات العمالية، مع الكف عن خطاب التخوين وقبول النقد والمقترحات التي تقدّمها المعارضة.
ومن الأسباب الأخرى التي عمّقت فشل هذه الحكومة في تسيير البلاد، والوصول بها إلى شاطئ الأمان: حالة الانقسام والخلاف التي يعيش على وقعها حزب نداء تونس، والذي نُقل فيه الصراع من غرف قاعات الاجتماعات المغلقة للحزب إلى الإعلام والشارع التونسيين. هذا بالإضافة إلى زيادة حدّة الخلاف بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد وحافظ قائد السبسي نجل رئيس الجمهورية (تعمقت مع بدء نقاشات وثيقة قرطاج 2) خصوصا بعد كلمة الشاهد في 29 مايو/ أيار الماضي على القناة الوطنية 1، ووجّه فيها أصابع الاتهام رأسا إلى نجل الرئيس بتدمير حزب نداء تونس، وتسرُّب هذه الأزمة التي يمرّ بها الحزب إلى مؤسسات الدولة، والتي انعكست على سير العمل فيها..
من جهة أخرى، رأت المعارضة في كلمة رئيس الحكومة "تصفية حسابات" بينه وبين حافظ
تعكس هذه النتائج، في حقيقة الأمر، حقيقة ما آل إليه المشهد السياسي التونسي من حضيض وتدنّ، خصوصا في ظل تفاقم ظاهرة البطالة (بلغت حسب ما أعلن المعهد الوطني للإحصاء في يونيو/ حزيران الجاري: 634200 معطلّ ومعطّلة عن العمل بما نسبته 15,4%). وعجز الحكومة عن الإيفاء بتعهداتها والاتفاقيات التي أبرمتها في مناسباتٍ عديدةٍ مع النقابات أو المعتصمين من طالبي الشغل، وانتهاج خطاب التسويف والمماطلة في التنفيذ. وتتبنّى الحكومة دائما خطاب ضعف إمكانات الدولة، وغياب بدائل فعليّة للنهوض بالبلاد. في حين ترى النقابات (الاتحاد العام التونسي للشغل مثلا) والمتظاهرون والمعارضة (كالجبهة الشعبية، والتيار الديمقراطي) أنّ هذا العجز والفشل في تحقيق الوعود الانتخابيّة ناجمٌ بالأساس عن تفشّي ظاهرة السرقة والفساد التي ضربت مؤسسات الدولة، كتورّط نواب للشعب في قضايا فساد في القطب القضائي المالي، ورفض المجلس، إلى حدود الساعة، رفع الحصانة عنهم لمحاكمتهم، وقضيّة وزير الداخلية الأسبق، ناجم الغرسلي، الذي وجّهت له تهم التآمر مع جهات أجنبيّة، والحال أنّه كان يشغل منصب حسّاس يمس رأسا بأمن البلاد، ولا يزال في حالة فرار، على الرغم مما يطرحه عجز أجهزة الدولة، باختلاف تشكيلاتها ومكوّناتها، القبض على الوزير الفار من تساؤلات.
وعلى الرغم من محاولات الائتلاف الحاكم الخروج من عنق الزجاجة، وإطلاق رئيس
وإزاء التراجع المستمر لقيمة الدينار التونسي في مقابل العملات الأجنبيّة، وما لذلك من انعكاسات على المقدرة الشرائية للمواطن، وعلى المبادلات التجارية، وتراجع الصادرات بسبب تراجع الإنتاج. وتفاقم عجز الميزان التجاري (15592.0 مليون دينار حسب المعهد الوطني للإحصاء لسنة 2017)، فقد بلغ سعر صرف اليورو حاليا 3.076 دنانير، مقارنة بسنة 2011، حيث كان 1.81 دينار تونسي، الأمر الذي سيدفع نحو الخروج إلى السوق العالمية للاقتراض، وبذلك تعميق أزمة البلاد أكثر بحلول ترقيعيّة.
يتطلب الخروج من الأزمة التي تعيشها تونس إرادة وشجاعة سياسية كبيرة، وقدرة على اتخاذ القرار بعيدا على الضغوط والإملاءات، فالحرب على الفساد لا تكون ذر رماد على العيون، بل استئصالا للفساد والمفسدين ممن ثبت تورّطهم، لا تصفية حسابات بين أباطرة التهريب والتهرّب الضريبي ومضخّات المال السياسي الفاسد، وألاّ تكون حربا انتقائية. هذا بالإضافة إلى أهمية تحييد وزارة الداخلية، والنأي بها عن التجاذبات السياسية، والكف عن استعمال سياسة العصا والنار في مجابهة الاحتجاجات، وفتح قنوات الحوار مع الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين. وضرورة أن تفي الحكومة بتعهداتها واتفاقياتها (الاتفاقيات المبرمة في ملف المفروزين أمنيا، اتفاقيات اعتصام الكامور، المعلمين النواب، الأطباء الشبان...)، حتى تحظى بثقة الشعب والنقابات العمالية، مع الكف عن خطاب التخوين وقبول النقد والمقترحات التي تقدّمها المعارضة.
دلالات